الواقع الديني فى الغرب: الواقع و الآمال

دينبريس
2019-11-02T13:39:14+01:00
آراء ومواقف
دينبريس12 يوليو 2014آخر تحديث : السبت 2 نوفمبر 2019 - 1:39 مساءً
الواقع الديني فى الغرب: الواقع و الآمال
د. اولاد عبد اله مرزوق
د. اولاد عبد اله مرزوق

لعل أهم مشكلة تعترض العمل الدعوي في الغرب و تحد من فاعليته الميدانية، ترتبط أساسا بكون القسم الأعظم من عملية توجيه الشأن الديني في الديار الغربية غير منظمة و تفتقر إلى الهيكلة اللازمة، التي تساعد في تنسيق و تنظيم العمل الدعوي من أجل الحفاظ على المكتسبات ومجابهة التحديات الحاضرة والطارئة.

زد على ذلك ما يطرح استقدام الأئمة من خارج البيئة الأوربية دون أن تكون لهم دراية بالواقع المعاش في الديار الغربية، مما يحد من فاعليتهم الحركية والدعوية التي لم تعد تنسجم كما في السابق مع التحولات البنيوية التي طرأت على الشخصية الاسلامية (خاصة الجيل الثالث و ما بعده) في المجتمعات الغربية بفعل عملية المثاقفة التي تعرضت لها مع الغرب ثقافةً وحضارةً، فالوجود الإسلامي في الغرب، أصبح وجودا متجذرا دائما بعد أن كان ينظر إليه على أنه وجود طارئ أو مؤقت، خاصة ونحن نتحدث اليوم عن أجيال من المسلمين ، لم يعد يربطهم بوطنهم الأم سوى كونه وطن آبائهم أو أجدادهم ، مما يطرح قضايا جديدة للنقاش، تقتضي تفسيراً فلسفيا و فقهيا وسياسياً وثقافياً أكثر واقعية واستجابة لمتطلبات الاندماج السليم الواعي و التكيف الإيجابي مع الحياة في المجتمعات الغربية دون الانسلاخ عن الهوية الإسلامية. هذا إذا أضفنا إلى ذلك مختلف التغيرات التي حدثت في المجتمعات الغربية عموما فيما يتعلق بنظرتها للإسلام و المسلمين.

رغم التحولات العميقة التي عرفتها المجتمعات الغربية بأقلياتها المسلمة، لازال يغلب على العمل الإسلامي في الغرب قانون المصلحة المرتبط بالانتماءات القطرية الضيقة ، عوض اعتبارات المصلحة العليا المرتبطة بالإسلام و بخصوصيات المسلمين.

وأمام التحديات الطارئة على الساحة العالمية والأحداث المتصارعة التي تلت هجمات 11 سبتمبر، وسلسة الضربات التي استهدفت المسلمين، في إطار ما أضحى ما يسمى بالإسلاموفوبيا سواء من طرف رجال السياسية أو خصوم الإسلام من الديانات و الشرائع الأخرى، إضافة إلى المحاولات التي يقوم بها رجال الفكر و الإعلام الغربيين و حتى بعض المحسوبين على الأمة الإسلامية ، لخلق صورة نمطية مشوهة تبتغي النيل من الإسلام و المسلمين ، أصبح من الضروري إعادة النظر في الأسس التي يتم بها تهييء الأئمة و الدعاة المشتغلين بالحقل الديني بالغرب عموما ، حتى تتلاءم إمكاناتهم العلمية والمعرفية مع التحديات الراهنة و المستقبلية، بدل الصورة النمطية والتقليدية، التي يحملها المخيال الجمعي العام عن الأئمة والدعاة الذين كانوا في الغالب الأعم وافدين على المجتمع الغربى ،-دون أن نبخس لهم فضلهم في الدفاع عن حوزة الإسلام و المسلمين- فمسالة الإمامة بالغرب تحتاج اليوم إلى وقفة للتقييم و التقويم من النواحي العلمية والثقافية والإستراتيجية والمضمون الشرعي والخطاب الديني ، من اجل تحييد تلك الصورة النمطية التقليدية من جهة، و من جهة أخرى الاستجابة لمتطلبات الأجيال الجديدة من المسلمين، خاصة و أن البيئة التي يأتي منها الأئمة والدعاة تختلف اختلافا جذريا عن بيئة الاشتغال، سواء من حيث الأطر المعرفية أو الاهتمامات العلمية المرتبطة بها، أو من حيث نوعية النقاشات الفكرية و الفلسفية و الأخلاقية التي تتم معالجتها في كلى البيئتين.

لاشك أن الوجود الإسلامي في الغرب أصبح وجودا لافتا و مفيدا في العقود الأخيرة، سواء من حيث الإقبال الكبير للغرب على الإسلام بغية اعتناقه أو مجرد الإطلاع على أدبياته و تعاليمه أو من حيث كون انتشاره في الغرب إغناء للساحة الإسلامية على المستوى الفكري والثقافي، لذلك فالتعامل مع الظاهرة الإسلامية على أنها وجود طارئ في البيئة الغربية عفى عنه الزمن بعد فشل كل سياسات الدول الغربية في جعله وجودا ظرفيا محكوما بالوجود الوظيفي لليد العاملة المسلمة في الديار الأوربية.

وبعد أن كانت السمة الأساسية للمسلمين في الغرب تتمفصل من حيث انتظامهم في المجتمعات الغربية إلى صنفين، صنف منغلق على نفسه و متقوقع حول ذاته خوفا من هاجس الذوبان و التيه، و آخر قد ذاب بالفعل ذوبانا تاما فى هذه المجتمعات, و الحال أن كل من هؤلاء يسهمون في الإبقاء على نظرة متخلفة عن الإسلام و المسلمين، أصبح المسلمون اليوم مع التطورات التي عرفتها بنية المجتمعات الغربية مطالبين بدور أكثر إيجابية و فاعلية في الحياة العامة في البلدان التي ينتمون لها.

وتأسيسا على ما سبق فإن أي معالجة للواقع الإسلامي من الناحية الدينية و المجالات المرتبطة بها في المجتمع الغربي يجب أن تأخذ بعين الاعتبار هذه المعطيات، حتى يتسنى لها رصد الواقع الإسلامي بشكل يسمح له بالوقوف على أهم العوامل المساعدة في تقوية الإسلام في الغرب، والتي من شأنها أن تسهم فى بناء جسور التواصل بين الغرب والعالم الإسلامي وأن تأثر إيجابا على الزيادة في زخم الوجود الإسلامي داخل بنية المجتمع والغرب عموماً قصد تدعيم وتوضيح الخلل فى فهم علاقة الاسلام بالغرب والغربيين.

ويرحم الله الامام الشاطبى الذى لخص فى عهده  فيما يفهم منه قاعدة جوهرية تتعلق بالمشتغلين بالحقل الاسلامى وكيف ينبغى عليهم ان يتعاملوا مع النصوص والواقع والسياق الذى يعيشون فيه، لو فهمها الدعاة والمخلصون من ابناء هذه الامة المجيدة لاستطاعوا ان يعرضوا بضاعتهم فى ابهى واحسن صورها خاصة فى مجتمع متعدد الثقافات والأعراق والأديان والعقائد والملل والنحل.

وكأن الامام الشاطبى العلامة الاصولى فى عصره كان ينظر بعين واقعه الى المستقبل الذى نعيش فيه والى التعقيدات التى سوف تواجه وتعترض حملة مشعل النور والدين و الهداية والعلم، علماء ودعاة هذه الامة الخيرية التى تحب الخير والانصاف للناس كل الناس بصرف النظر عن الدين والمعتقد او اللون او اختلاف الاجناس والالسن والالوان، فقعد لنا قواعد ذهبية فى موافقاته يمكن للداعاة والائمة والعلماء ان يهتدوا بها فيما يستجد عندهم من مستحدثات ونوازل، وأيضا فى خطابهم وفهمهم وتفسيراتهم وتحليلاتهم وفى كيفية التعامل مع النصوص الشرعية وفى تنزيلها على واقع وفى سياق متغير لاستطعنا أن نتفادى كثيرا من اللغط ومما يحدث للمسلمين فى الغرب سواء من ادعياء الاسلام او من اناس قليلى الفكر كثيرى الحركة كما كان الامام محمد الغزالى رحمه الله يردد تلك الجملة فى مناسبات متعددة ومتنوعة او كلما اقتضت الضرورة الى تذكير الناس بذلك أو من خصوم الإسلام واعدائه ,قال الإمام الشاطبى “إذا أراد الفقيه أن يصدر حكما شرعيا فعليه ان يراعى الظروف والزمان والسياق”. قاعدة لو سبرنا الغور فيها وفهمنا دقة ما يرمى إليه قول الإمام لتغلبنا على كثير من التعقيدات التي نتلقاها فى الغرب، سواء فيما يتعلق بتفسيرات بعض النصوص الشرعية او الإجابات عن بعض الأسئلة المعقدة والتي لم يسبق ان طرحت من قبل وتكتسب طابع التعقيد فى مجتمع معقد ومتنوع ومتعدد، يحتاج الأمر إلى امتلاك ملكة وفلسفة المقاصد الشرعية عند الامام الشاطبى ونظرته المتفحصة والمدققة فى الامور, لكى نكون قادرين على الاستجابة الى متطلبات جماهير المسلمين فى الغرب والى تحديات العصرنة وتقلبات الزمن.

إن من يتابع هؤلاء الفقهاء القدامى والاصوليين العظماء فى اعمالهم واصفارهم و مصادرهم وكتاباتهم وتفسيراتهم وتحليلاتهم ومناقشاتهم ومناهجهم المتنوعة والمتعددة فى الطرح التفكيروالتحليل والتوجيه للاستدلال ,اثراء للموروث الفقهى الاسلامى وادراكهم لواقعهم , حتما سيصل الى نتيجة مفادها ان الاقدمين من علماء المسلمين كانوا اكثر تطورا وفهما وانفتاحا على واقعهم من بعض علماء وفقهاء وائمتنا الكرام فى عصرنا الحالي أدام الله فضلهم.

الدكتور اولاد عبد اله مرزوق

أستاذ التعليم العالي والدراسات الإسلامية بالجامعة الحرة بأمستردام

{jathumbnail off}

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.