من أرض المغرب لسلطنة عمان طريق وئام عنوانه: ادخلوهما بسلام آمنين…

مريم آيت أحمد
2019-11-06T00:55:08+01:00
آراء ومواقف
مريم آيت أحمد11 مارس 2014آخر تحديث : الأربعاء 6 نوفمبر 2019 - 12:55 صباحًا
من أرض المغرب لسلطنة عمان طريق وئام عنوانه: ادخلوهما بسلام آمنين…

د.مريم آيت أحمد
د.مريم آيت أحمد
تحملني روحي العاشقة للسفر في الإنسان، قبل الزمان والمكان، فبأفكار الإنسان أطير بحقيبتي الدبلوماسية المعرفية، نحو قارات وبلدان … يحملني جوازي الفكري إلى أوطان أحس أنني قد سكنتها يوما، وتجولت في بقاع مدنها وأزقتها ومتاحفها ومكتباتها، دخلت بيوت كتابها ومجالس أدبائها وشعرائها،

وحلقات درس علمائها و مفكريها، ومن وحي ذاكرة قلم ربطني بمفكري مجلة التسامح -والتفاهم العمانية، رجعت بي أيام أسبوع الوئام والتقارب الإنساني الثالث بسلطنة عمان، التي نظمها مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم بداية هذا الشهر 1-6 فبراير2014، إلى سنين ذكريات طفولتي حيث حكي أجدادي التجار المغاربة عن أسرار مدن عمان الشامخة بأساطيل سفنها البحرية الصورية، وحصونها التاريخية، فمزجت ماضي الأجداد، بحاضر سجل مدونات رسائل أخي، وخالي، وزملائي الذين درسوا بجامعاتها لبضع سنوات،جمالية حرف معنى المعنى في أصالة ورقي أهالي البيت العماني الكبير، كل شبر من مسافات شاسعة امتدت لأكثر من 10 ساعات فوق أراضي وبحار وجبال،كان يفصلني عن سجل أوراق الذاكرة الطفولية، ليحملني ثقل أمانة بوح جديد بما هو آت….
حين أطلت الطائرة على أجواء مسقط ، شعرت أني أستنشق عبق التراث والتاريخ ، لعدم رؤيتي البنايات الشاهقة تعم أرجاء المنطقة، كما تعودتها فيبلدان الخليج، ومن على عتبات سلم الطائرة، همس نسيم ترابها يخبرني، ألا يا حفيدة ابن بطوطة، فاعلمي أن سر التواصل الحضاري بين المغرب وعمان، سر مكنون يضرب بجذوره أعماق الماضي، لينطق بعزة الحاضر عن وفاء أجيال متعاقبة، لهوية تراثهم الأصيل.
فأجبته، صدقت والله، فسلطنة عمان كما أخبرني جدي الرحالة ابن بطوطة الطنجي، ليست عاصمة التراث الخليجي فحسب، وإنما هي بحر من لؤلؤ المكارم يتساقط رطب حلوى أهلها منى وسلوى على الوافدين… استقر مقامي في فندق جميل مطل على شاطئ بحر العرب…
بعد يومين من التواصل مع أهلها الطيبين ،واستضافتي رفقة سفيرنا المغربي السيد طارق حسين لبيوت عائلات عمانية أصيلة، عرفت من خلالها تاريخ أمجاد المنطقة ،ماضيها وحاضرها، تقاليدها وشيم نبل أصحابها، ثقل توارث التراكم الحضاري الإنساني…
ومن تتابع برامج زيارتي رفقة الوفد ،لأهم المعالم الحضارية والمعمارية الفنية والثقافية والدينية، ارتسمت في معرض أفكاري، ملامح لوحة عمان بصدى ألوان مداد صمغي ،يتردد إشعاع امتداده إلى تاريخ آجر الطين والنقوش المجصصة وحجارة المعمار التحصيني الدفاعي. عن عزة الإسلام، وكرامة فخر الأرض والعرض والوطن….
في طريقي لمدينة الرستاق كانت، مشاعري تسمعني صوت شموخ رفعة قمم الجبال، وأنا أسترق بحياء النظر في جمالية تضاريس صخورها الأبية الصلبة، وقلاع حصونها المحاطة بغابات من شجر القرم، كنت أرد عليها بتحية هيبة المكان …
وأهمس في نفسي: كم هم جبابرة أولئك الأجداد، الذين وصلوا إلى الأندلس من مناطق بعيدة ،تحفها جبال بتضاريس وعرة وصعبة كهاته، كنت أشعر بصوتها يعلو صوت المرشد السياحي، وهي تقول لي يا مريم حفيدة عبادة ابن الصامت وطلحة الدريج الأنصاري، أجدادك بنو حصونا لحماية الإسلام من الغزو الصليبي بشمال افريقيا، وأجدادك من هذه الأرض، التحموا في رباط المغرب والأندلس تحت راية التوحيد، ومن أرض إمبراطورية سلطنة عمان، بنوا تراثا ضخما من قيم الإنسانية، وحافظوا على معالمه الحضارية كما حافظتم عليه في المغرب، فمن لا يمتلك تراثاً لا يمتلك أوطانا”.
أسبوعنا الوئامي التقاربي الإنساني جمعنا من قارات شتى، عربا وعجما، ليروي لنا حكاية أسبوع من الإحساس بعمق القيم الثقافية العربية الأصيلة، كنت مع وفد يمثل أفراده ألوانا من الثقافات والأجناس والأديان، الألماني والروسي والبريطاني والأمريكي والفرنسي والعربي والصيني والياباني، كنت فخورة بشهادتي على رقي قيم وأصالة الثقافة العربية والإسلامية، مجسدة في حسن ضيافة المسؤولين، وحفاوة استقبال المحافظين والولاة لنا بمدخل المدن التي زرناها، فالبلدان كما البشر لها طبائعها المتناقضة، هناك بلدان ترفضها وترفضك ، وهناك أخرى تفتح ذراعيها باتساعهما وتجعلك تقع أسير هواها، وفي وسط قلب عمان والمغرب سحر عمق الإنسان الأصيل الذي تحمل ثقل أمانة التواضع، وحيث تكون الأصالة يكون الحب، وحيث التواضع يسود الأمان…
أحببت الفن الشعبي العماني ورقصاته المميزة، وأحسست أنه قريب من الفن الأمازيغي بالمغرب، نفس الغنة في اللحن والطرب، ونفس الرقصة، وتشابه كبير في السحنة والملامح وأسماء العوائل والأنساب، ابتسامات مضيفي الاستقبال حقيقية، تعكس صدق مشاعر فرح القلوب بقدوم الضيف، تلاحقك عيونهم المتشبعة ببهجة نشوة الروح، وهم يقدمون بعادات وطقوس جمالية ،صحون من الحلوى العمانية المتميزة بنكهات الزعفران والتمر والتين والجوز، لا يعرفون المجاملة في مشاعر النبل وحميمية العناية بالضيوف.
كنت متيقنة أنه لا يمكن لشيء أن يعبر على أعين ومرئى ضيوف أسبوع الوئام والتقارب الإنساني، من دون تسجيل الملاحظات، فهؤلاء منهجم النقد والتحليل والاستنباط، ومنهج قيم أصولنا الحضارية أكيد هم سجلوه للبحث والدراسة ، فوجدوا مباحث علم جمالية دفئ الكلمة، ودفئ المشاعر، ورقي التعامل الحضاري، كل لقطة كانت ترسخ برونقها في عدسة أعين الضيوف، جماليات القيم الثقافية لحضارتنا الإسلامية، فتشبع وجدانهم العاشق المتعطش لكل ما هو أصيل وعريق، وتوقد لهم شموع أسبوع من أعياد نسيم محبة ووئام، أسبوع من التتلمذ في مدرسة الحوار الثقافي الواقعية، حوار حضاري يجسده الإنسان العماني، في المؤسسات الحكومية والتعليمية والثقافية والدينية والفنية، في المدن والقرى والواحات والسواحل،بفطرته المبنية على التسامح والتعايش….
المجتمع العماني كالمجتمع المغربي على رقي مستواه المعرفي ،ظل وفيا لبساطة أجداده، بساطة انسياب الماء في الجداول، وبذلك خلد نموذجا راقيا للتسامح بالروح المجبولة على التعايش والتنوع واحترام الآخر، فحلق بتاريخ قيمه الإنسانية والسلمية،بعيدا عن حدود النزاعات الإقليمية… وبقيادة عاهلها جلالة السلطان قابوس بن سعيد عميد مدرسة الاعتدال وحمامة السلام ،أشع ضياء سلامها ، فغدت منارة الخليج في تعزيز مبادئ الأمن الفكري والروحي، والسلم العالمي في المنطقة، تلك هي سلطنة المحبة والتواضع، سلطنة توأمة المغرب في التعايش مع التنوع، تسامح وتقارب ووئام مع احترام قيم التعددية ..
من العاصمة الرباط اليوم، وفي هذا الصباح الخريفي، وعبر نسمات باردة تداعبني من نافذتي، كنت أقرأ عن تلاقح المغرب وعمان الثقافي ودور عاهليهما الفاعل في رسم وهندسة خريطة السلم العالمي، فأثارت ذكرى الحنين في روحي، وأنعشت بهجة قلمي ليخط سطورا في ذاكرة بصمة عمان في خاطري، أكتب وأنا أحتسي شراب شاي مغربي محلى بنكهة مذاق الحلوى العمانية التي اقتنيتها من سوق مطرح الشعبي….
يتبع ….

 

بقلم الدكتورة مريم آيت أحمد
أستاذة التعليم العالي
رئيسة مركز إنماء للأبحات والدراسات المستقبلية
{jathumbnail off}

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.