في يوم الاثنين سابع رمضان سنة إحدى وأربعين ومائة وألف (1141هـ)، وكانت البيعة التي رفعها أهل فاس إلى المولى عبد الله بن إسماعيل، بعد وفاة أخيه المولى أحمد. وكان المولى عبد الله حينها مقيما بداره في سجلماسة.
بعد وفاة السلطان المولى أحمد اجتمع أعيان الدولة من “العبيد والودايا وسائر القواد والرؤساء” واتفقوا على بيعة المولى عبد الله بن إسماعيل فنادوا باسمه وأعلنوا بنصره في المحلة ومكناسة وبعثوا جريدة من الخيل لتأتي به وكتبوا مع ذلك إلى أهل فاس يحضونهم على الموافقة على بيعة المولى عبد الله بن إسماعيل.
ولما وصل الكتاب إلى فاس قرىء على منبر جامع القرويين فأجابوا بالموافقة إن حضر ولما وصلت الخيل إلى المولى عبد الله وأعلموه بما اتفق عليه الناس في شأنه أقبل مسرعا حتى نزل بظاهر فاس بالموضع المسمى بالمهراس، فخرج أعيان فاس من العلماء والأشراف وغيرهم لملاقاته… ورفعوا إليه بيعتهم.
وكانت البيعة التي رفعها أهل فاس من إنشاء الفقيه العالم الوجيه أبي العلاء إدريس بن المهدي.. وهذا الفقيه هو الذي كان السلطان المولى إسماعيل رحمه الله بعثه قاضيا على تادلا مع ابنه المولى أحمد الذهبي حين ولاه عليها، وهذا نصها:
“الحمد لله الذي جعل العدل صلاحا للملك والرعية والعباد، كما جعل الجور هلاكا للحرث والماشية والبلاد، وسدد العادل بعنايته وأعد للجائر ما هو معلوم له يوم المعاد، وجعل المقسطين على منابر من نور يوم القيامة كما جعل القاسطين في العذاب والحسرات والأنكاد، فأسعد الملوك يوم القيامة من سلك مع الرعية سبيل السداد وأصلح ما أظهره الجائر في الأرض من الفساد. نحمده أن تفضل علينا بإمام عادل ونشكره إن حكم فينا من لا يصغي في الحق لقول عاذل فولى علينا الخليفة من نسل الشفيع يوم التناد.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا يسأل عما يفعل يؤتى الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء في أي وقت شاء وأراد.
ونشهد أن سيدنا ونبينا ومولانا محمدا عبده ورسوله الشفيع في أمته يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولا يقبل من القاسطين فداء بطريف ولا تلاد، الذين أظهروا الشريعة ومحوا الظلم محمو المداد.
أما بعد..
نحمد الله الذي أمر بطاعة أولي الأمر ووعد من نصر دينه بالظفر والنصر فقال عليه السلام: “ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية”، وفي صحيح مسلم عنه قال: “من أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهو جميع فاضربوا عنقه بالسيف كائنا من كان”، وفي صحيح مسلم أيضا عنه قال: “من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد وأراد أن يفرق جماعتكم فاقتلوه”، وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله: “من كره من أميره شيئا فليصبر فإن من خرج عن السلطان شبرا مات ميتة جاهلية”، وفيه أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله: “من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني”.
وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لابن عقبة: “لعلك لا تلقاني بعد اليوم فعليك بتقوى الله تعالى والسمع والطاعة للأمير وإن عبدا حبشيا”.
واتفق أئمة الدين على أن نصب الإمام واجب على المسلمين وإن كان من فروض الكفاية كما أن القيام بذلك من الواجبات كما دلت عليه نصوص الأحاديث والآيات,
وقال الشاعر:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم === ولا سراة إذا جهالهم سادوا
ولما كان من أمر الله سبحانه ما أراده وقدره فقبض إليه خليفته وأقبره دهش المسلمون وخافوا من توالي الشرور والفتن فتوجهوا إليه سبحانه في أن يغمد عنهم السيوف وطلبوا من فضله المعهود أن يصرف عنهم ضروب المحن والحتوف.
فأجاب الكريم الدعوات ونَفَّس الهموم والكربات ونشر رحمته وأزاح نقمته، فصارت القلوب ناعمة بعد بؤسها والوجوه ضاحكة بعد عبوسها. والشرور والفتن قد أدبرت، وأعلام الأمن والعافية قد أقبلت.
فوفق الله جيوش المسلمين للأعمال المرضية والهمم لما فيه صلاح الدنيا والدين والراعي والرعية، فاقتضى نظرهم السديد ورأيهم الموفق الرشيد بيعة من في أفق السعادة قد طلع وظهر في سماء المعالي بدره وارتفع الإمام الهمام العلوي الهاشمي، العدل في الأحكام الموصوف بالكرم والشجاعة والشهامة والحزم والنجدة والزعامة، المتواضع لله المتوكل في جميع أموره على الله، أمير المؤمنين مولانا عبد الله بن الشريف الجليل الماجد الأصيل أمير المؤمنين مولانا إسماعيل ابن مولانا الشريف.
فبايعوه أعزه الله على كتاب الله وسنة الرسول وإقامة العدل الذي هو غاية المأمول بيعة التزمتها القلوب والألسنة وسعت إليها الأقدام والرؤوس خاضعة مذعنة، لا يخرجون له من طاعة ولاينحرفون عن مهيع الجماعة، أشهدوا على أنفسهم عالم الطويات المطلع على جميع الخفيات قائلين إننا بايعناك وقلدناك لتسير فينا بالعدل والرفق والوفاء والصدق وتحكم بيننا بالحق كما قال تعالى لنبيه في محكم وحيه: (ياداود إنا جعلناك خليفة في الارض فأحكم بين الناس بالحق)، سورة ص، وقال تعالى وقوله الحق: (ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما)، سورة الفتح، وقال تعالى: (ولا تكن للخائنين خصيما)، سورة النساء.
وهذه الرعية تطلب من ربها أن يعين مالكها ويساعده ويقذف الرعب في قلب من يريد أن يعانده، وأن يفتح عليه ما عسر على غيره،، ويمده بعزيز نصره إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير وبيده القوة والحول نعم المولى ونعم النصير.
شهد بذلك على نفسه ومن معه العبد الفقير المذنب الحقير ممليها وكاتبها إدريس بن المهدي المشاط بمحضر فلان وفلان وجمهور الفقهاء والأعيان في يوم الاثنين سابع رمضان سنة إحدى وأربعين ومائة وألف.
ثم سافر السلطان في الحين إلى مكناس.
Source : https://dinpresse.net/?p=2211