عملاء لله وعملاء للساسة: القرضاوي نموذجا

ميساء ابو غنام
2019-11-06T00:57:20+01:00
آراء ومواقف
ميساء ابو غنام14 مايو 2018آخر تحديث : الأربعاء 6 نوفمبر 2019 - 12:57 صباحًا
عملاء لله وعملاء للساسة: القرضاوي نموذجا

شيوخ من أمثال “القرضاوي” يعيدون إنتاج الكنيسة في القرون الوسطى تحت مسمى الإسلام السياسي: يفتون بالطرد من الملة والقتل ويمنحون من يرضون عنه صكوك الغفران.

هو ليس نموذجا حديثا أو وحيدا. كثيرون هم يقبعون خلف الله وخلف الساسة. لم استغرب ولن استغرب أن يقع رجل دين بقيمة وثقل “القرضاوي” في حضن قطر وحضن الغرب. من منا ينكر أن الجاه والمال عندما يتساقط خلف الدين هو قوة ون أردنا التشبيه الصحيح هو مهر القوة والنفوذ والسيطرة والتحكم.

دائما في المجتمعات المحافظة أو المتدينة بين قوسين، أو حتى المجتمعات المهزومة البدائية أو المستعمرة، تتعلق بالغيبيات وما وراء الكون لتبرر سلوكيات معينة لشخص حمل قبعة الشيخ، فكل ما يقال عنه هو الحقيقة باسم الله، وكل الفتاوى التي تصدر عنه هي قرآنا بالوكالة المطلقة كخليفة لله على الارض.

باسم الدين نقتل ونكفر ونتزوج النساء الأربع ونسرق ونعيش الفساد متعة من متائع الدنيا الزائلة، هذا حال المشايخ القابعين في حواري الأنظمة والساسة العرب..

تساؤلات عديدة تعيش تناقضات الشيوخ في العالم العربي، تجدهم يقزمون الدين الى صغائر الأشياء عنوانها الفتن والمرأة والحرام والحلال والرذيلة والشرف، وفي لياليهم – ولا أعمم ولا اشمل – أشير إلى فئة معينة هي عنوانا يسهرون لياليهم في النظر الى مفاتن النساء عبر الفضائيات الإباحية وعبر الانترنت وبداخله يعيش غرائزه المكبوتة ويتمنى ويشتهي. وما أن يستيقظ صباحا، يعود إلى قناع الدين والمشيخة مستغفرا الله على ما ارتكبه من جرم في حق ايدولوجيته وقناعاته المبتورة والله غفور رحيم.

إن هذه النماذج كثيرة. ولا عجب أن ترى المتدينين من هذا النوع يسعون نحو الغرائز بتفاصيلها المال والجنس والطعام، وما السياسة إلا جزء من هذه الغرائز لأنها المحرك الرئيس للتنفيذ وسأضرب لكم مثلا، فالأنظمة بغض النظر عن ايدلوجيتها وعلمانيتها ودينها، هي التي تقرر وتشرح وتحدد مسار الهيمنة والسيطرة سواء أكانت بمرجعية علمانية أم دينية أم يسارية أو غير ذلك. وهذا يقودنا إلى الشغف الذي يمتطي نفوس رجال الدين في الاقتراب من الحكم ومن الرئيس والقائد والنظام ليكون مفتي السياسي ومحللا لسلوكه وتشريعاته واتجاهاته ومبررا لإدارته السياسية حتى لو كانت تعانق المستعمر ام تحضنه على حساب الشعب وقضيته واهتماماته ونمائه وتطوره.

“القرضاوي” في غزة. ترحيب حمساوي يفوق الضيافة العربية. كيف لا وهو قادم من عند الحبيب صاحب الأموال التي لا تحصى، قادم من قطر المتحالفة مع اسرائيل واميركا وتنسق علاقات تجارية معها عوضا عن النهج السياسي تجاه القضية الفلسطينية والسورية على حد سواء، وآخرها قضية تبادل الأراضي بين اسرائيل والفلسطينيين بمباردة قطرية فاقت التبعية التاريخية لعملاء الاستعمار.

كل هذا لم يمنع حماس من استضافة “القرضاوي” مفتي البلاط القطري في غزة واستقباله كعلامة إسلامية بشكل عام وصاحب التأثير المباشر على قطر وحاكمها في تحليل السياسة القطرية لشعوب عربية لم تستفق بعد من غيبوبتها التي قضت الثورات العربية على موتها الرحيم.

لو عدنا للوراء نجد أن نماذج “القرضاوي” وجدت على مر التاريخ وخصوصا فترة الحكم العباسي والأموي وسموا بشيوخ البلاط الرئاسي، ولكن فعلا ان قضية الاسلام السياسي والتوجهات القائمة من قبل هذه الحركات بشيوخها ومفتيها ما هي الا رغبة جامحة للهيمنة والسيطرة على الحكم باسم الدين. وما منصب رجل الدين إلا بدعة من قبل السياسيين الذين حكموا في الفترة الذهبية للاسلام وبالتحديد العباسيون والأمويون والعثمانيون، حيث لم يرد في الإسلام كدين مثل هذا المصطلح، والهدف من ذلك هو غسل دماغ للشعوب وتثبيت سياستهم ضمن استراتيجية واضحة عنوانها شيخ ورجل دين.

وهنا تجدر الإشارة الى أن رجال الدين المبتدعين من قبل الحكام يتميزون بمواصفات تليق بمقامهم من حيث اللغة واللباس عوضا عن اموال تقذف الى جيوبهم بصورة تتخطى ما نتوقع، ولن يقف الأمر عند هذا، فبإمكانهم أن يكونوا وسطاء لبعض الأفراد والمؤسسات من باب الدعم الانساني لتجنيد أموال من قبل الأنظمة بحيث يستطيعوا أيضا فرض نفوذهم على أفراد ومؤسسات واحتواء سياساتهم التي لاحقا تتحول من منظمات غير حكومية إلى منظمات غير قادرة على المعارضة لارتباطها المباشر ماليا بالنظام القائم، عوضا عن تحويلهم للدين كتجارة تحقق مصالحهم ومصالح المستعمر والحاكم.

إن الناظر لواقع العالم العربي السياسي اليوم يرى الازدواجية الواضحة في تعاطي رجال الدين والشيوخ مع الأنظمة، فما يحدث في فلسطين وسوريا نموذجا لم تدرك الشعوب العربية حتى الآن مغزاه.

وهنا اسأل القرضاوي عن سبب صمته على ما يحدث في سوريا والذي يلعب حاكم قطر دورا فيها، وأيضا ما طرح من قبل قطر حول مبادلة الأراضي بين الفلسطينين والاسرائيليين وأيضا الحرب على غزة وغير ذلك.

إن صمت رجال الدين أو علماء الأمة كما يعرفون أنفسهم عن إصدار فتاوى ضد الأنظمة العربية وضد اضطهاد المرأة وضد اسرائيل ما هو إلا تبعية مطلقة للأنظمة وأيضا استخدام الدين كغلاف لمصالحهم الشخصية و”القرضاوي” عنوانا كبيرا لذلك.

أعلم أنكم تعلمون انني ضد الحركات المتأسلمة التي تحاول اليوم استخدام الدين ذريعة لسياستها خصوصا انهم بدوا واضحين في اتجاهاتهم التحالفية مع الاستعمار وحماس والاخوان في مصر نافذة لذلك. واعتقد ان صفة التكريم والتبجيل والتقديس لرجال الدين في المجتمعات الاسلامية تعطي هؤلاء المساحة المعفية من النقد على ادائهم، وحتى مجرد ان انتقد انا او غيري هذه السياسة نهاجم من قبل البعض على اننا نمس الدين المتمثل بقدسية هؤلاء.

ان العائد لأوروبا فترة العصور الوسطى والتي نعيش تحولاتها في العالم العربي بدقة، كانت الكنيسة عنوانا للساسة والأنظمة الاقطاعية التي اعتبر اليوم أن أنظمتنا الحالية توازيها سياسة ومكانة، ولكن بصورة أكثر تكنولوجية ومغلفة بالدين الاسلامي بدلا من الدين المسيحي. فلم تكن صكوك الغفران وعلاقة الانسان بربه من خلال وسيط ورفض مارتن بوبر لذلك مثلا افرز تشريعا بقتله لانه يعارض مصالح الكهنة ورجال الدين والنظام في حينه. واليوم تعود هذه السياسة للعالم العربي من خلال شخص “القرضاوي” وأمثاله ممن يدعون أنهم علماء الأمة.

اعتقد أن الوعي لذلك هو النقطة الأولى للتحول في العالم العربي خصوصا بعد خيبة الأمل مما أفرزته الثورات العربية، واعتقد أن الوعي في ما نريد هو اساس التغير بعيدا عن العاطفة والدين السياسي. واقصاء “القرضاوي” وعلماء البلاط السياسي من التأثير على مسار التحول نحو الحريات في العالم العربي سيساهم في قدرة الشعوب على فرز انظمة اكثر وطنية واستقلالية عن المستعمر مما يفضي تحولا في واقع الامة العربية.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.