إلى عهد قريب، كانت المجموعات السلفية بالمغرب دائما ترفض الانخراط في الحياة السياسية وتعتبر الديمقراطية كفر وصنم يعبد من دون الله وشكل من أشكال الردة.
إلا أنه منذ بداية الربيع العربي، اتجهت معظم القيادات السلفية المعروفة، والتي تم الإفراج عنها بعفو ملكي بعد الحراك الشبابي التي أطلقته حركة 20 فبراير منذ سنتين، إلى تبني المبادئ الديمقراطية والاعتراف بشرعية النظام الملكي، وعبروا عن استعدادهم للعب دور سياسي والقبول بقواعد اللعبة السياسية. مسلسل المراجعات الإيديولوجية والفكرية الذي دشنه التيار السلفي تعزز بمبادرة سياسية أخرى أعلن عنها مؤخرا من داخل السجن مجموعة من المعتقلين بما يسمى “السلفية الجهادية”، الذين أعدوا ميثاقا سياسيا يعلنون فيه بوضوح عن نيتهم في الانخراط في العمل السياسي السلمي مع تبني الملكية البرلمانية والدولة المدنية كأفق سياسي بدل دولة الخلافة.
إن هذا الانتقال نحو الاعتدال في مواقف عدد من السلفيين والقبول بالعمل السياسي السلمي المدني من داخل المؤسسات الدستورية القائمة يدفعنا إلى طرح سؤالين محورين: السؤال الأول يتعلق بالعوامل التي أدت بمجموعة من القيادات السلفية إلى تغيير قناعاتهم الفكرية ومواقفهم السياسية. والسؤال الثاني يرتبط بمستقبل التيار السلفي على ضوء هذه المراجعات و التحولات الايديولوجية.
في البداية، من المهم أن نشير إلى أن هذه الخطوة السياسية التي أ قدم عليها بعض معتقلي ما يسمى بـ”السلفية الجهادية” تدخل في إطار سلسلة من المبادرات والمراجعات الفكرية التي أطلقها بعض شيوخ التيار السلفي المعروفين المفرج عنهم مثل الشيخ الفيزازي وأبو حفص وحسن الكتاني.
وتعتبر هذه البادرة رسالة سياسية أخرى إلى السلطات المغربية والرأي العام الوطني بأن الحركة السلفية استطاعت أن تبلور رؤية سياسية واضحة ومستعدة لقبول قواعد اللعبة الديمقراطية وما توافقت عليه غالبية القوى السياسية كالملكية والوحدة الوطنية وشكل الدولة وغيرها من الثوابت الوطنية.
لقد تغيرت نبرة خطاب السلفيين المغاربة بشكل كبير مع بداية الربيع العربي وأصبح كلامهم أكثر تسامحا واعتدالا وبراكماتية وأقل هجوما على القيم الديمقراطية والحداثية كالمساواة والحريات الفردية والتعددية السياسية والفكرية وحرية التعبير والمعتقد الديني.
وهناك من السلفيين من ذهب أبعد وأعمق من ذلك كالشيخ الفيرازي الذي عبر عن رغبته في تأسيس حزب والمشاركة في العمل السياسي الذي كان يعتبره في وقت سابق لعبة قذرة، كما انخرط بشكل مكثف ونشيط في الحقل العام من خلال انفتاحه على الإعلام ومشاركته في العديد من المناظرات والنقاشات العامة مع قوى مدنية وعلمانية واستقباله لشخصيات أجنبية كالمستشار السياسي للسفارة الأمريكية بالرباط بعدما كانت أمريكا العدو اللذود رقم واحد بالنسبة للسلفيين.
لذلك اعتبر العديد من المحللين والمتتبعين أن الفيزازي مثال للرجل الواقعي الذي استطاع التأقلم مع التغيرات السياسية التي عرفها المغرب بصفة خاصة والمنطقة العربية بصفة عامة.
هناك عدة أسباب ساهمت في التحول الذي حصل في قناعات ومواقف وسلوك مجموعة من القيادات السلفية، فحسب دراسة حديثة أنجزها “محمد مصباح”، الباحث في المعهد الألماني للدراسات الدولية والأمنية هناك أربعة عوامل أساسية:
أولا: استمرار النظام السياسي بعد الثورات العربية التي أطاحت بعدد من الديكتاتوريات والشرعية الدينية والسياسية والدستورية التي يحظى بها الملك.
ثانيا: إستراتيجية الاعتقالات والمحاكمات التي نهجتها السلطات المغربية في التعامل مع السلفيين خصوصا بعد الأحداث الإرهابية لـ 16 ماي 2003.
ثالثا: طغيان البعد المدني والسلمي على البعد الديني في الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية التي أطلقتها دينامية 20 فبراير.
رابعا : صعود العديد من القوى الإسلامية إلى الحكم والدور السياسي الذي أصبحت تضطلع به بعض التيارات السلفية خصوصا حزب النور في مصر.
أما فيما يتعلق بمستقبل التيار السلفي في المغرب على ضوء المراجعات الأخيرة، فإنه إلى حدود هذه اللحظة ليس هناك أي موقف رسمي للسلطات المغربية تجاه المبادرات، التي أطلقها السلفيون المغاربة، ولكنها تبقى خطوات هامة ستشجع السلطات العمومية على فتح حوار ومفاوضات جادة ستنتهي بدون شك إلى إطلاق سراح باقي المعتقلين السلفيين وإدماجهم في المنظومة الفكرية والاجتماعية والسياسية وطي هذا الملف بصفة نهائية.
وعلى مستوى المشاركة السياسية لا نرى أن هناك مؤشرات قوية بأن التيار السلفي سيلعب دورا في تشكيل المشهد السياسي على المدى القريب، لأن ذلك يحتاج إلى مزيد من الوقت لكسب ثقة السلطات وباقي الفاعلين السياسيين الموجودين في الساحة، وكذلك للتكيف مع إكراهات العمل السياسي الذي يحتاج إلى كثير من البراكماتية في التعامل وتقديم التنازلات والممارسة الميدانية والاحتكاك بالفاعلين السياسيين والمدنيين والتدرب على أسلوب “المناورات السياسية” وأمور أخرى كانت غائبة في فكر وتصور وممارسات السلفيين.
لكن من المحتمل جدا أن يتم الاعتراف بالسلفيين كفاعل سياسي وإدماجهم في الحقل العام على المدى المتوسط، وذلك في نظرنا لسبين رئيسين:
أولهما: خلق نوع من التوازن وسد الفراغ السياسي في غياب معارضة برلمانية قوية ومتجانسة وذات مصداقية قادرة على منافسة المشروع السياسي لحزب العدالة والتنمية المبني أساسا على المشروعية الأخلاقية.
ثانيهما: إضعاف وتقليم أظافر حزب العدالة والتنمية وتشتيت قاعدته الانتخابية في مجموعة من المدن الكبرى الاستراتيجية مثل طنجة و مراكش، حيث هناك تواجد وازن لأتباع وأنصار التيارالسلفي.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=305