الدين والمجتمع (1)

حران الحسين
2019-11-01T23:33:20+01:00
آراء ومواقف
حران الحسين11 مايو 2013آخر تحديث : الجمعة 1 نوفمبر 2019 - 11:33 مساءً
الدين والمجتمع (1)

الحسين حران
الحسين حران
نبدأ الحديث في هذا المقال بإيراد المقولتين التاليتين:”الإنسان اجتماعي بطبعه” و”الإنسان متدين بطبعه”، ومن هنا يأتي سر اختيارنا للعنوان أعلاه “الدين والمجتمع”، لأنه لا توجد جماعة غير متدينة بالإطلاق، كما أنه لا وجود لدين ما بدون مجتمع. والدافع الأساس الذي جعلنا نكتب في هذا الجانب (اجتماعية الدين)؛ هو ملاحظتنا لصمود الدين أمام موجات الإلحاد والعلمانية…يقول محمد الهلالي في تقديمه لترجمة كتاب “الدين في عالمنا” :(لم تتمكن الأنظمة المعادية للدين جهرا، ولا الممارسات اللائكية الملازمة للرأسمالية، ولا النزعات العلموية من دفع الدين إلى التقهقر، أو إلى الانحباس في ظلمة النسيان. إنه ما فتئ يقفز إلى الأمام، ويعود إلى ساحة المحاورات المهجورة)1 . ويجدر بنا- قبل أن نسترسل في تحليل دعوى عودة الدين بقوة في المجتمع المعاصر- إبداء رؤية موجزة عن مفهوم الدين.

 

يصعب جدا إعطاء تعريف تام لمفهوم الدين من منظور اجتماعية الدين؛ ذلك أن تعريف الدين يختلف بحسب الحقل العلمي المتبنى للوقوف على ماهية الدين، ويؤكد هذا المسعى أنتوني غيدنز في قوله التالي: ( إن المعتقدات الدينية هي من التنوع والتعدد والتباين بحيث لا يستطيع الباحثون والدارسون إعطاء تعريف واسع جامع للدين. وقد يعرف أتباع ديانة ما معتقدهم الديني بأنه الإيمان بقوة علوية سامية تأمر الناس بقيم أخلاقية وأنماط سلوكية معينة، وتبشرهم أو تنذرهم بحياة أخرى، لكن مثل هذا التعريف قد لا يصدق على جميع المعتقدات الدينية في العالم، ولكي نتحاشى الوقوع في منزلقات التحيز الثقافي، فإنه علينا أن نستثني بعض الخصائص التي لا تشترك فيها الديانات كافة، وينبغي أول الأمر أن لا نطابق بين الدين والوحدانية)2 . يظهر من كلام أنتوني غيدنز أن مفهوم الدين في علم الاجتماع يعتبر ظاهرة إنسانية تتطور مع الإنسان حسب نمط الحضارة التي توصل إليها، ولا سيما النمط الأخلاقي الذي وإن كان لا يخلو منه أي دين؛ سماويا كان أو وضعيا.

وإذا انتقلنا إلى الجانب الإسلامي، فإننا نجد في التعريفات للجرجاني المفهوم التالي للدين: (وضع إلهي يدعو أصحاب العقول قبول ما هو عند الرسول)3 . فالملاحظة التي تبدو للقارئ هي أن هذا التعريف عام في كل دين سماوي ولا يختص بالدين الإسلامي وحده، ويضيف الجرجاني مبرزا الفرق بين الدين والملة؛ إذ يقول في هذا الشأن: (الدين والملة متحدان بالذات ومختلفان بالاعتبار، فإن الشريعة من حيث أنها تطاع تسمى دينا، ومن حيث أنها تجمع تسمى ملة، ومن حيث أنها يرجع إليها تسمى مذهبا)4 . فالدين حسب كلام الجرجاني مستويات؛ فهو إذا كان وحيا إلهيا يقتضي التسليم والتصديق والخضوع يعتبر شريعة لأنها أتت من الشارع، ولكن هذه الشريعة حين تخضع لعملية الجمع والتفسير والقراءة والتوضيح تأخذ لقب الملة، ذلك لأنها تشتمل على الوحي وعلى التأويل الذي هو تفكيك هذا الوحي قراءة وفهما وتمثلا. وأخيرا هذه الشريعة حينما يعلن البعض أنها المرجع أو المرجعية، فإنها تسمى مذهبا، والمذهب كما هو معلوم في أدبيات فقهاء الشريعة يعني الطريق والمنهج المتبع بعد إعمال الفكر والاجتهاد.

(يتبع)

———————
1- الدين في عالمنا، جاك دريدا وآخرون، ترجمة المؤلفان محمد الهلالي وحسن العمراني، دار توبقال، الدار البيضاء/المغرب، ط أولى 2004، ص5.
2- علم الاجتماع، أنتوني غيدنز، ترجمة فايز الصباغ، المنظمة العربية للترجمة، ط أولى 2005، بيروت، ص569.
3- التعريفات للجرجاني، مكتبة لبنان ساحة رياض الصلح، بيروت ط 1985، ص 110.
4- نفسه.

{jathumbnail off}

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.