من يحق له الحديث باسم الإسلام؟‎

محمد منديل
آراء ومواقف
محمد منديل4 نوفمبر 2019آخر تحديث : الإثنين 4 نوفمبر 2019 - 11:53 صباحًا
من يحق له الحديث باسم الإسلام؟‎

عندما كنت تلميذا في الثانوي أدمنت القراءة عن العلمانية، وأسباب ظهورها في أروبا، وكانت معظم الكتابات التي اطلعت عليها في الموضوع تجمع على أن من تلك الأسباب وجود طبقة من رجال الدين التي احتكرت الحديث باسم المسحية ومارست الكثير من الفظائع التي عجلت بالدعوة إلى فصل الدين عن الدولة.

ويذهب كثير من المفكرين الإسلاميين الذين اطلعت على كتابتهم ـ تبعا للسبب السابق ـ إلى أن الدعوة إلى العلمانية في المجتمعات الإسلامية ليس أمرا مشروعا كما هو في السياق الحضاري الغربي على اعتبار أن ثمة فروقا بين الإسلام والمسحية منها أن الدين الإسلامي ليس فيه مثل تلك الطبقة الكهنوتية التي عرفها الدين المسيحي والتي تستأثر بفهم الدين دون باقي الناس.

والحقيقة أن هذه الفكرة التي لهجت بها ألسنة الكثير من الكتاب والمفكرين الإسلاميين من أجل إظهار محاسن الدين الإسلامي مقارنة بالدين المسيحي تحتاج في نظري إلى بعض المراجعة على الأقل في السياق المغربي المعاصر ذلك أن ثمة مجموعة من الأحداث والوقائع الاجتماعية التي عرفها المجتمع المغربي المعاصر والتي حمل فيها الإسلام مسؤولية وقوعها ـ وان بطريقة غير مباشرة ـ ومرد ذلك في نظري إلى الالتباس الذي يكتنف من يتحدث باسم الإسلام أو من يحق له ذلك.

ولكي يتضح المثال أسوق في هذا الصدد ما حدث مؤخرا في مدينة إنزكان واصطلح الرأي العام المغربي على تسميته بواقعة فتاتي انزكان فقد زعم البعض بأن ما وقع ليس حدثا جزئيا محدودا وإنما هو حدث بل أحداث مردها إلى فكر ديني تكفيري متطرف بدأ يتغلغل في المجتمع المغربي المعاصر ويقوم بغسيل دماغ جماعي للإنسان المغربي. وهذا الكلام عند التأمل فيه إنما يراد به في الأول والأخير تحميل الدين الإسلامي مسؤولية ما وقع ويقع في المجتمع من أحداث جزئية هنا وهناك على اعتبار أنه المصدر الذي يستقي منه هؤلاء (المتطرفون) أفكارهم.

يستدعي هذا الكلام من بين ما يستدعيه تحديد من يحق له تمثيل الإسلام والتصرف باسمه وبيان هذا الكلام أنه إذا فرضنا ـ مثلا ـ حدوث واقعة اجتماعية مما يسمى في الشرع الإسلامي باسم “المنكر” وأقدم بعض الناس على تغيره بطريقة يزعم أنها شرعية، فمتى يمكن القول بأن تصرفات هؤلاء الناس محسوبة على الإسلام وبالتالي يحق للمخالفين أن يتهموا الإسلام بأنه قد حرض على ممارسة العنف في الفضاء العام لتغيير هذا المنكر أو ذاك.

وأنا أقول هذا الكلام استحضر في ذهني ذالك الخلط الذي يحفل به السياق المغربي بين فريقين من الناس أحدهما يقدم على تغيير ما يعتبره منكرا من باب الغيرة على الدين وبين فريق آخر من المغاربة الذين يقدمون على تغيير ما يعتبرونه هم أيضا منكرا لكن من باب الاستجابة لنوازع التربية المحافظة التي تلقوها والمفعمة بمفاهيم “الحشمة” و”العيب” و”العار”…والتي قد لا تكون لها علاقة بالضرورة بالدين.

شخصيا أقول إنه كثيرا ما صادفت أشخاصا قد لا تربطهم بالدين أدنى صلة لكنهم قد يشاركون المتدين في الانتفاضة ضد بعض الألبسة النسائية التي يعتبرونها قد جاوزت الحدود في الإخلال بالحياء العام والذوق الفطري السليم.

الآن بعد توضيح هذا الذي اللبس الذي سبق فإنه تبقى الإشارة إلى أنه مما يجب في هذا الصدد تحديد من يحق له الكلام أو التصرف باسم الإسلام.حتى لا يبقى هذا الدين الحنيف “حائطا قصيرا” يتم الزج به في كل وقت وحين في صراعات هي في الأصل سياسية ولا ناقة للإسلام فيها ولا جمل.

ولو ذهبت أقول هنا بأن المخول له الحديث حقيقة باسم الإسلام هم علماؤه المتضلعون فيه لما جئيت بجديد في هذا الصدد غير أن الذي دفعني إلى تدبيج هذه الأسطر هو تنبيه بعض أبناء هذا الوطن العزير إلى ضرورة الابتعاد عن الزج بهذا الدين الحنيف في صراعاتهم السياسية مع بعضهم البعض بسبب الاختلاف في المرجعية والمقاصد.

ختاما أقول: أنه إذا أراد البعض محاكمة الإسلام وتحميله مسؤولية بعض الوقائع الاجتماعية فإن ذلك يتم من خلال كلام وتصرفات علمائه الربانيين المتضلعين فيه وليس من خلال تصرفات البعض ممن قد يعوزهم الفهم الصحيح لهذا الدين الحنيف.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.