مصير المغاربة في سوريا

نورالدين الحاتمي
2019-11-13T13:43:31+01:00
آراء ومواقف
نورالدين الحاتمي13 نوفمبر 2019آخر تحديث : الأربعاء 13 نوفمبر 2019 - 1:43 مساءً
مصير المغاربة في سوريا

نورالدين الحاتمي
الآن، وبعد أن انتهت جماعة الدولة الاسلامية في كل من العراق وسوريا، وانفرط عقدها وتقطعت اوصالها، وعاد النظام السوري الى إحكام سيطرته على كامل التراب السوري معلنا بذلك فشل المشروع “الصهيوصليبي” المتحالف مع الرجعية العربية، وفشل مشروع الثورة السورية المزعومة.

الآن، وبعد أن انتهى كل هذا وأيقن الشباب العربي المسلم الذي غرر به ورمي في المحرقة، وتأكد له أنه كان ضحية مؤامرة شارك فيها جمع من رجال الدين ورجال السياسة، وأجمعوا عليهم.

الآن، وبعد أن افتضح كل شيء، وأصبح المغاربة الذين تورطوا في هذا الصراع وغرقوا في مستنقعه عالقين هناك، يقتل كثيرا منهم الندم والحسرة ، ماذا سوف يكون مصيرهم؟ هل ستتخلى عنهم دولتهم؟ هل ستتركهم لمصيرهم المجهول والمظلم؟ وهل من المعقول أن يتم التخلي عنهم؟

موضوع المغاربة في سوريا بالذات، موضوع جدير بالاهتمام وحري بالمناقشة، لأن له طابعا خاصا، حيث خرجوا من وطنهم والتحقوا بتلك البؤرة على عين الدولة، التي لم يكن ممكنا لها منعهم. وهم إنما فعلوا ذلك تحت تأثير مخدر النصوص الدينية وأفيونها، الذي أفرط الشيوخ في استعماله وتوظيفه، وفعلوا ذلك بنوايا حسنة وطيبة، تتمثل في رغبتهم في دعم “إخوانهم” والوقوف معهم في مواجهة آلات القتل الجهنمية التي يملكها النظام، ولا يملكون منها أي شيء.

لم يذهب المغاربة الى سوريا ـ فيما أعلم ـ وهم يضمرون سوءا للدولة أو يحملون لها شرا ، وهم إنما سارعوا إلى هناك وحملوا السلاح ـ وليسوا جميعهم ممن حمل السلاح ـ من أجل نصرة شعب، صور الإعلام العالمي أنه على وشك الإفناء، وقد ندبهم إلى ذلك وحرضهم عليه شيوخ ينتمون الى مؤسسات ودول، مما أقنعهم بأن الرحيل إلى سوريا والمشاركة في ثورة “مشروعة” هو عمل مشروع.

بالنظر إلى القانون الجنائي وفلسفته، فإن الجرائم ذات الطابع السياسي ينبغي التعامل معها بكثير من الحذر، و يجب حمل تكييفها على ما فيه مصلحة المتهم، والذهاب إلى تمتيع المتهم فيها بأقصى ظروف التخفيف، وذلك لأن هذا المتهم إنما ورطه في هذه الجناية، أو تلك، حسن نيته ورغبته في تغيير منكر ـ كيفما كان هذا المنكر سياسيا أو غير سياسي ـ

والذين التحقوا بسوريا لا يمكن اعتبارهم ـ تحت أي مبرر كان ـ مجرمين بمعنى كلمة مجرمين، لقد كانوا في الجملة يريدون حقا فأخطئوه وضلوا طريقه، وليس من أراد الحق فأدركه كمن أراد الباطل فأدركه.

والحديث هنا ينصب على الذين انتبهوا الى خطإ ما وقعوا فيه وسعوا إلى تصحيحه بأن خرجوا من سورية وتركوا تلك الفصائل المتناحرة فيها، وأعلنوا عن ندمهم على ما فعلوا، وأنهم ما كان ينبغي لهم الوقوع فيما وقعوا فيه.

وأعتقد أنه حتى في الفقه الاسلامي، من تورط في جريمة سياسية متأولا، يبث في أمره وينظر في شأنه، ويعطى فرصة أخرى لتصحيح مساره وإصلاح حاله.

والمغاربة العالقون في سوريا أو الذين خرجوا منها، وهم راغبون في العودة إلى أوطانهم، بعد أن طلقوا تلك الأفكار السامة والقاتلة، ونضجت عقولهم وفهمت أكثر، ينبغي أن يرحب بهم وأن يفسح لهم حتى يعودوا .

صحيح أن الدولة لا تمانع، من حيث المبدأ، أن يعود هؤلاء إلى دورهم ووطنهم، لأن هذا حقهم بالقوة قبل أن يكون بالفعل، غير أن الأمر هنا يتعلق بالمغاربة الذين تزوجوا من سوريات وأنجبوا منهن، ولا تعترف الدولة بزيجاتهم ولا بأطفالهم من الناحية القانونية، فهؤلاء يطالبون بحقهم، بأن يصحبوا أطفالهم ونساءهم وأن ويعودوا بهم إلى وطنهم ـ قاعدتهم الخلفية. وهذا الأمر يحتاج من الدولة ، فقط، أن تتحمل مسؤوليتها حيال مواطنيها فتسوي وضعيتهم القانونية.

إن عددا من المغاربة خرجوا من سوريا، وهم يعيشون في اسطنبول ريثما تنظر الدولة في أمرهم، وهم لا يعترضون حتى على اعتقالهم وعرضهم على المحاكمة بل وقضائهم العقوبة المقررة في حقهم من قبل المحكمة. كل أملهم أن يعانقوا أهلهم وذويهم ويهنئوا بطعم الحياة معهم وبجانبهم.

إن اناسا نضجت أفكارهم واعتدلت واستوت، لا يمكن أن يشكلوا تهديدا لأمن واستقرار البلاد، بل بالعكس قد يساهمواـ بطريقة وبأخرى ـ في ضمان هذا الاستقرار، ويساهموا في محاصرة هذا الوباء، بما اختبروه وجربوه، ومن رأى ليس كمن سمع، وليس الخبر كالعيان كما تقول العرب.

ومن جهة أخرى، فإن الاجهزة الأمنية في المغرب من القوة والتمكين بحيث يصعب إن لم يستحل على أية جهة، في مستوى السلفية الجهادية، ان تشكل تهديدا. والتهديد الوحيد والقادم هو الممثل في الحركات الاحتجاجية التي باتت أمرا واقعا وغدت لغتها لغة الغالبية من الناس.

الاسلاميون جميعهم، اليوم، لم يعودوا ـ بما فقدوه من المصداقية ـ قوة يحسب لها، فضلا عن شرذمة من الناس، يضخم الإعلام صورتها، ليمارس بها السياسة. السلفيون الجهاديون اليوم لا وزن لهم ولا قيمة. وبالتالي، فإن التخوف من عودة هؤلاء الشباب العالقين في سوريا وتركيا لا مبرر له.

إن بقاءهم هناك معناه فناؤهم وانتحارهم، وإن ارجاع أو السماح بعودة هؤلاء إلى أرض الوطن، ليس فقط إنقاذا لهم، بل تشجيع للذين لا يزالون في الداخل السوري على أن يحذوا حذوهم، ويخرجوا من ذلك الخطر، خاصة وأن المتواجدين في سوريا يعيشون وضعا صعبا وسيئا للغاية ، وهم محتارون بين أن يعلنوا رغبتهم في الانسحاب من الحرب، التي لا ناقة لهم ولا جمل، وبين أن يكتموا تلك الرغبة الى أن ينجلي الغبار فيتأكدوا من أن نضال اخوانهم في تركيا أتى أكله واثمر عودتهم.

إذا كان هؤلاء قد أذنبوا فإن الدولة تستطيع أن تعيدهم لتعاقبهم وسط أهلهم وأقربائهم وتستطيع أن تأخذ منهم كل المواثيق العهود بما تراه هي مناسبا. المهم أن لا تتركهم فريسة لأعدائهم هناك، لقد كان الوطن ـ ولايزال ـ غفورا رحيما، وقد غفر للكثيرين فليغفر أيضا لهؤلاء.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.