مسلمو ألمانيا بين التطرف والإسلاموفوبيا وكورونا

محمد عسيلة
2020-04-06T20:05:37+01:00
featuredعبر العالم
محمد عسيلة6 أبريل 2020آخر تحديث : الإثنين 6 أبريل 2020 - 8:05 مساءً
مسلمو ألمانيا بين التطرف والإسلاموفوبيا وكورونا

assila  - دين بريسمحمد عسيلة، أستاذ محاضر بالمدرسة العليا للعلوم الاجتماعية التطبيقية ورئيس جمعية العائلة المغربية للثقافة والشباب، ألمانيا
ونحن نتفحص مرضانا و نتفقد إخواننا و أخواتنا نتيجة هذا الحجر و نرثي شهداءنا الذين توفوا بسبب هذه الجائحة و نتابع اصطحابهم و عائلاتهم افتراضيا بسبب الإجراءات الوقائية الصارمة في كل الدول نتيجة هذه الكاسحة إلى مثواهم الأخير، و مساجد الرحمان في هذا الحين موصدة، بدأنا نخشى إلى جانب الحكومة الفيدرالية تنامي العنف و البطش اليميني بسبب هذه الأزمة المرتبطة باكتساح كورونا لعوالم الحياة اليومية و الاقتصادية و الاجتماعية، عنف اتجاه دور العبادة واتجاه الأجانب عامة والمسلمين خاصة. فالمساجد و المسلمون أصبحوا هدفا يرمى (برفع الياء و فتح الميم) بطوية و بعد سبق إصرار و ترصد والحكومة الفدرالية مشلولة اليد في اتخاذ تدابير زجرية شمولية اتجاه هذا اليمين و هذا الفيروس المجتمعي الخبيث و الكيدي والحقود. فكل أسبوع تتم مهاجمة مسجد من المساجد فوق التراب الألماني حسب بعض الإحصائيات.

almania  - دين بريس

https://www.sueddeutsche.de/politik/angriffe-in-deutschland-26-anschlaege-auf-moscheen-in-acht-wochen-1.3909390

إن التغيير في التطرف اليميني الألماني من حالات معزولة و مستترة إلى الجهر به في وضح النهار لبين و جلي خصوصا عند النظر في نتائج الانتخابات البرلمانية و المظاهرات التي قامت بها مجموعة “بيجيدا” في عدد من المدن الألمانية – و هو تحالف شعبوي سمى نفسه بالوطني ضد أسلمة أوروبا. و تجدر الإشارة هنا إلى إن نتائج الانتخابات ليست المؤشر الوحيد على نجاح التطرف اليميني ، بل إلى هذا الصمت المجتمعي الذى نعاينه من رجل الشارع و الإعلام وتلويناته و منصاته الافتراضية، صمت مخيف حقا يخترقنا كمسلمات و مسلمي هذا البلد و مواطنيه من جهة و من عدم اكتراثنا نحن بالمشاركة السياسية بل مقاطعتها حسب تصورهم “شرعيا” من طرف بعض الإخوة سامحهم الله مادام حسب رؤيتهم و إبصارهم الدخول في هذه اللعبة الديموقراطية دخول مذنب تترتب عنه معصية و علينا آن نتوب منها و نرجع إلى الله. لكن تبقى الانتخابات مؤشرا مهما لاستجابة السكان ، خاصة وأن التطرف اليميني في هذا البلد يركز بشكل خاص على الانتخابات ويركز حملاته عليها. وبالتالي يمكن تقسيم تطور التطرف اليميني في ألمانيا، الذي يغلب عليه شكل الحزب، إلى أربع مراحل:

مرحلة 1945-1961
استفاد التطرف اليميني في البداية إلى حد ما من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية العميقة التي أعقبت الحرب، لا سيما من انقسام ألمانيا وعمليات الطرد من المناطق الشرقية السابقة. في انتخابات البوندستاغ عام 1949، فازت الأحزاب اليمينية المتطرفة بما مجموعه أربعة بالمائة من الأصوات (18 مقعدًا). حصل حزب الرايخ الاشتراكي (SRP) ، الذي تم حظره في عام 1952 ، على 11 بالمائة (16 مقعدًا) في ولاية سكسونيا السفلى في عام 1951 وثمانية بالمائة (8 مقاعد) في بريمن. في جنوب ألمانيا ، تحالف المتطرفون اليمينيون مع مجموعات من النازحين وتمكنوا في عام 1950 من إرسال بعض الممثلين إلى برلماني الولاية في بافاريا وفورتنبرج-بادن. لكن القوة التكاملية للنظام السياسي والاقتصادي للجمهورية الاتحادية نمت بسرعة (“المعجزة الاقتصادية”) وأبعدت إلى حد كبير الأساس الاجتماعي من التطرف اليميني.

police almania  - دين بريس

https://www.tagesspiegel.de/berlin/messer-demos-frust-in-cottbus-bis-es-knallt-in-der-stadt/20890964.html

مرحلة 1962-82
في أوائل الستينيات ، تم بذل جهود لتجميع كل التكتلات الصغرى داخل المعسكر المتطرف اليميني المتطرف ، مما أدى إلى تأسيس الحزب الوطني الديمقراطي في ألمانيا NPD في عام 1964. كانت النتيجة الحاسمة للانتخابات الفيدرالية لعام 1969 هي تشكيل تحالف اجتماعي ليبرالي من الحزب الديمقراطي الاجتماعي والحزب الديمقراطي الحر تحت رئاسة المستشار ويلي براندت.

لقد قامت أحزاب النقابات التي أُرسلت إلى المعارضة لأول مرة بتحول سياسي نحو اليمين هيمن عليه بعض المثقفون الذين سعوا إلى التجديد الفكري للأسس النظرية للتطرف اليميني. من هذا نمت مجموعات ثورية وطنية في عام 1974.

كانت مرحلة السبعينيات بداية التفتت لقوى التطرف اليميني ، بينما ازداد نتيجة هذا التفتت العنف والتشدد النازي الجديد. وفقا للمعلومات الرسمية ، ارتفع عدد أعضاء التطرف اليميني المنظم في البداية إلى 39000 بحلول عام 1967 ، لكنه انخفض بعد ذلك إلى مستوى منخفض بلغ 17000 في عام 1979.

مرحلة 1983-90
بدأت المرحلة الثالثة من تطور التطرف اليميني في أوائل / منتصف الثمانينيات، حيث عرفت هذه المرحلة لحظات من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية هي التي عززته. على عكس المرحلتين السالفتين، كانت هذه عوامل (أو لا تزال) فعالة إلى حد ما في جميع دول أوروبا الغربية، مما يجعل هذا التطرف اليميني “الجديد” ظاهرة أوروبية بامتياز.

إن التغيير الاجتماعي، والتحديث التكنولوجي، والنمو الاقتصادي المنخفض ، والبطالة الجماعية المرتفعة ، وتقليص الإنفاق الاجتماعي ، والاضطرابات السياسية والاجتماعية في أوروبا الشرقية ، وبزوغ التباين في مؤشرات النمو الاقتصادي بين الشرق والغرب ، وحركات الهجرة ومشاكل اللجوء ليست سوى عدد قليل من المؤشرات و الهزات الرئيسية التي تصوغ الإشكالية لجميع دول أوروبا الغربية.

يضاف إلى ذلك فقدان معنى الدول القومية في مواجهة العولمة الاقتصادية والسياسية. و هذا ما تعيشه هذه الدول الرأسمالية في مواجهة كورونا، حيث نددت إيطاليا كعضو في الاتحاد الأوروبي بتركها تواجه مصير الموت المحقق لشعبها و الولايات المتحدة التي بدأت تقرصن الكمامات و تهدد بالتدخل العسكري و المقاطعة الاقتصادية إن هي لم تحصل على المراد والمبتغى. و هذه كلها طعم لهذا التنين اليميني الذي سيستغل هذه التمظهرات للخروج و بطريقة عنيفة ضد الأجانب و مسلمي هذا البلد إلي العلن.

الملفت للنظر في سنة 1989 أن منظمات اليمين نمت ووصلت إلى 50000 منخرط دون احتساب المتعاطفين و الصامتين.

منذ عام 1990
تعتبر هذه المرحلة مرحلة حاسمة في التاريخ الألماني، فهي مرحلة بدايات الوحدة الألمانية و هي المرحلة الرابعة في تاريخ تطور اليمين في ألمانيا. ففي هذه الحقبة تم إرساء أسس التطرف اليميني فيما كانت تسمى قبل الوحدة “ألمانيا الشرقية” في أرض جمهورية ألمانيا الديمقراطية “المناهضة للفاشية”. عززت البرامج الاندماجية و التوجه الاشتراكي للحزب الديموقراطي ظهور التوجهات الاستبدادية والقومية وكراهية الأجانب لما يحصلون عليه من دعم داخل البرامج الاندماجية. مع تزايد عدم الرضا عن ظروف العمل والمعيشة في الثمانينيات، تطورت حركات الاحتجاج اليمينية المتطرفة أيضًا في هذه الحقبة ، والتي تكثفت في أوساط ثقافية فرعية. نظرًا لأن الاحتجاج العام في دولة بوليسية يتطلب مستوى عال من المخاطرة ، فقد اتسم مشجعو كرة القدم و حليقي الرؤوس في جمهورية ألمانيا الديمقراطية بالعنف والوحشية الهائلين. مع سقوط الجدار ، تضخمت احتجاجات الشباب ، وانتشرت في الأوساط الاجتماعية العمالية بشكل أكبر ، واستقبل الشباب الجماعات النازية الجديدة استقبالًا إيجابيا حيث اقتنصوا عطفهم و استمالوهم.

بين عامي 1991 و 1994 ، شهدت جمهورية ألمانيا الاتحادية زيادة في العنف العنصري إلى حد غير مسبوق، حيث تم ارتكاب نصف أعمال العنف في شرق ألمانيا و التي لا تعرف ساكنة من مواطنين و مواطنات بخلفية أجنبيةـ مفارقة غريبة!. فكان ظهور الجماعة الإرهابية القومية الاشتراكية السرية “NSU” ، التي يُزعم أنها قامت بعشر جرائم قتل والعديد من عمليات السطو النقطة التي أفاضت الكأس لدى مؤسسات الامن و إدارات المحافظة على الدستور و جعلت المجتمع يرتجف مما وصلت إليه آليات وفهم وواقع ديموقراطية المجتمع الألماني من استفزاز صارخ.

كان التطرف اليميني المنظم في هذه المرحلة قويا عكس ما وصل إليه الآن حيث أصبح عنيفا و مخيفا و لكن في حالة مهجورة. ففي عام 1993، كان عدد المنخرطين المحتمل الذي أفاد به مكتب حماية الدستور 64500 ، مقارنة بـ 21700 في عام 2013. بعض هذه التكتلات اليمينية المتطرفة بدأت تعيش في الظل فقط و لكن قد تخرج إلى الفعل حين توفر الشروط. وهذا ما نخافه كمسلمي ألمانيا من استغلال وضع تدهور الاقتصاد إثر هذه الجائحة و يحصل تمثل بين كل هذه الأحزاب اليمينية المتطرفة.

في هذا السياق يبدو أن حزب البديل الألماني المحافظ “AfD” ، والذي يعتمد على التأكيد على الهوية الوطنية والعرقية والثقافية كجزء من نظام أكثر استبدادية وأكثر ليبرالية من حيث السياسة المحلية والاقتصادية ، يبدو أنه يمتص حصة الأسد من إمكانات الناخبين من أقصى اليمين. فعلى الرغم من الانخفاض الكبير في عدد الأحزاب اليمينية المتطرفة ، فإن الأخطار المحتملة التي يشكلها التطرف اليميني لا تزال كبيرة ، كما يتبين من تخوفات الحكومة الألمانية.

و تجدر الإشارة في هذا السياق أن السلطات الألمانية سجلت العام الماضي 871 هجوما على المسلمين والمساجد. ووفقا للحكومة الفيدرالية ، يعتبر هذا العدد مخيفا و يشكل معدل هجوم واحد كل أسبوع على مسجد من المساجد.
و لقد تناولت بعض الأحزاب منها حزب الخضر هذا الوضع و طرحت السؤال على الحكومة الفدرالية حول الاجراءات التي تريد تطبيقها مصالح الأمن من أجل حفظ سلامة المساجد و المسلمين.

وقد تم بالفعل تسجيل أكثر من عشر هجمات في الأسابيع الستة الأولى من هذا العام وحده. بالإضافة إلى ذلك ، كانت هناك تهديدات منتظمة بالقنابل ، مثل أحدثها في إيسن وهاغن وبيليفيلد وأولم. وتهدف هذه التهديدات بشكل خاص إلى خلق زوبعة من الفتن و الهلع في الأوساط المجتمعية عامة كي يظهر المسلمون بأنهم جائحة يجب استئصالها من هذا المجتمع ليعم السلام ويحصل التجانس.

أمام هذه الوضعية دعت الجمعيات الدينية الإسلامية إلى توفير حمايتها و قدمت أسئلة كتابية إلى الجهات المسؤولة حول مقاربتها الأمنية.

في الماضي القريب، قوبلت هذه المطالب باللامبالاة وقد نقول بالرفض لفترة طويلة جدًا. فوفقا لمسح أجرته بعض الصحف منها صحف كنائسية لمقاربات وزارات داخلية الولايات الاتحادية ، فإن معظم هذه الولايات الاتحادية لم تخطط لزيادة الإجراءات الأمنية رغم تزايد هذا العنف اليميني. و لا بد من الإشارة هنا إن هجون هاناو كان القشة التي هشمت ظهر البعير حيث أعلن وزير الداخلية الاتحادي هورست سيهوفر أنه يريد توفير المزيد من الخدمات الأمنية لـ “المنشآت الحساسة” ، بما في ذلك المساجد، بمساعدة قوات الأمن.

و لقد تقدم المجلس الأعلى للمسلمين إلى جانب عدة تمثيليات اقتراحات عملية منها خلق منصب لمفوض خاص من قبل الحكومة الألمانية يكون من واجبه التحاور مع المجتمع، ورصد أية اعتداءات على المسلمين على شاكلة المفوض الذى يتابع معاداة السامية. وذكر رئيس المجلس الأعلى للمسلمين السيد أيمن مزيك أنه من واجب هذا المفوض الخاص أيضا أن يبلغ االجهات الأمنية بالتقارير الاعلامية، وأن يعزز التثقيف السياسي المجتمعي فيما يخص قضايا الاعتداء على المسلمين.

و بعد قدوم اللاجئين لألمانيا قام اليمينيون بتعزيز شوكتهم باستخراج قضايا تهم ارتفاع إحصايات الجريمة التي أوزعوها لدخول هذه الشريحة و استقرارها في ألمانيا.

ويقوم اليمين المتطرف باختلاق قضايا أخرى لتغذية مناخ مثير للقلق ونعت جميع طالبي اللجوء المسلمين بأنهم قتلة أو مغتصبي نساء. وزعمت مدونة لليمين المتطرف أن حياة الالمانيات باتت “منذ الغزو” عبارة عن سلسلة من الاعتداءات الجنسية وجرائم القتل و تعني بالغزو استضافة ألمانيا مليون لاجئ. كما لا تفوتني الإشارة هنا إلى استغلال مواقع التواصل الإجتماعى من طرف اليمين في فبركة الاخبار وصناعة الكراهية ضد المسلمين.

ومع تفشي أزمة كورونا و عودة إلى المسار التاريخي الذي تحدثنا عنه في بداية هذا المقال، تخشى الحكومة الفيدرالية من زيادة العنف اليميني في أعقاب أزمة هذه الجائحة. فلقد أعلنت وزارة الداخلية الاتحادية في البوندستاغ ، أن هناك أنشطة متزايدة وتخطيطًا للجماعات اليمينية ، وفقًا ” لشبكة التحرير في ألمانيا” وقالت إن ممثلي المكتب الاتحادي لحماية الدستور ووزارة الداخلية الاتحادية أبلغوا رؤساء لجنة الداخلية عن الأنشطة داخل المشهد اليميني.

و جاءت جائحة كورونا ليواجه المسلمون عامة و المغاربة بوجه خاص مصيرا جديدا مرتبطا بدفن موتاهم بأرض الوطن و تأسيس مقابر أسلامية بمدن إقامتهم و تقديم مساعدات لذويهم و للمجتمع المدني داخل ثقافة التضامن الفطرية التي يتصف بها المواطنون المغاربة: نعم اليمين المتطرف أمامكم و مستقبل غامض وراءكم و ليس لكم و الله إلا الصدق و الصبر!

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.