مساجد رمضان في زمن كورونا

سمير رزقي
آراء ومواقف
سمير رزقي24 أبريل 2020آخر تحديث : الجمعة 24 أبريل 2020 - 10:00 مساءً
مساجد رمضان في زمن كورونا

سمير رزقي
حل شهر رمضان و المساجد مقفلة و المآذن صامتة و المصلون في بيوتهم. إنه وباء كورونا الذي و إن صغر حجمه عظم أمره، فأوقف العالم وشل الحركة و حيّر الأطباء و العلماء. في كل رمضان تزداد همم المسلمين ليكثر رواد المساجد لصلاة التراويح، وتنتعش حياة المسلمين ليلا، صلاة و أكل و شرب. فتتزين المساجد لروادها و تجتهد في توفير أماكن خارج أصوارها لاستقبال ضيوفها في هذا الشهر العظيم. و مع كل صلاة عشاء و صلاة صبح، تتعالى أصوات المقرئين في تناغم أحيانا وتنافر في أخرى.

واليوم مع زمن كورونا، أصبح على المسلمين استقبال رمضان في حياء عظيم. مساجد بأبواب موصدة و منابر مهجورة و مآذن مكلومة. ليالي المسلمين في رمضان هذا العام بنكهة حجر صحّي في النهار، و حظر تجوال في المساء.

و في خضم هذا كله، إحتار مسيرو هذه المساجد بين نفوس تهفو للعبادة وبين إكراهات هذا الوباء والنداءات المتكررة لحظر كافة التجمعات، وإن كانت للعبادة، حفاظا على النفس البشرية من بطش الوباء.

في ظل هذا الوضع ومن خلال تتبع الساحة الدينية في فرنسا، انقسمت المساجد إلى قسمين. المساجد الكبرى التي يعود تاريخ إنشائها إلى الجيل الأول منذ سنوات خلت، والمساجد حديثة العهد، والتي تسيّر في أغلبها من فئة شابة و معاصرة. كلاهما ظل ملتزما بتعليمات السلطات بعدم فتح أبواب المساجد، وعدم تنظيم موائد الإفطار للأشخاص المحتاجين كالمعتاد لما يشكله ذلك من خطر على صحة المواطنين.

لكن، إذا اقتصرت الفئة الأولى من رؤساء المساجد على إتباع التعليمات في انضباط تام، كان للجيل الجديد من المساجد رأي آخر، حيث انتقل هؤلاء بهذه المساجد من بنايات معمارية دينية إلى مساجد افتراضية عبر شبكات التواصل الاجتماعية و عبر الأنترنت. إن من فضل وباء كورونا أن أطلت علينا مساجد ” 2.0″، وهكذا حافظ مسيروها على توازن عملي بين ضوابط الحجر الصحي و ضرورة الحرص على الحفاظ على التواصل بين المساجد و مرتاديها في هذه الظرفية التي يكون فيها المسلمون أحوج إلى تقوية وازعهم الديني.

هكذا أبدع العديد من الأئمة و المقرئين في نشر مقاطع فيديو لدروس و مواعظ في مواضع مختلفة، خاصة بالإسلام و المسلمين، مع نصائح عملية شملت ميادين صحية و تربوية و ثقافية. بل وظّف هؤلاء صفحات مساجدهم في الشبكات الاجتماعية لتنظيم حملات لمساعدة الفئات الهشة التي تعاني من انعكاسات الحجر الصحي. بينما قام آخرون بجمع تبرعات مختلفة بما فيها المادية بالاعتماد على تقنيات العالم الافتراضي للأنترنت، إضافة لنشر خطب الجمعة. طرق عدة و إن اختلفت أشكالها إلا أن الهدف كان هو ضمان استمرار التواصل بين المسلمين و مساجدهم و إن كانت مساجد افتراضية من الجيل الجديد، مساجد عبر الأنترنت.

إن هذه النقلة النوعية كان لابد لها من معرفة مسبقة لمسيري هذه المساجد لتقنيات التواصل الحديثة و عوالم الأنترنت و الشبكات الاجتماعية و هو الشرط الذي يتوفر في الفئات الشابة و تفتقده فئة كبيرة من مسيري المساجد للأجيال السابقة.

إن هذا المعطى لا يمس بأي شكل صدق و أهمية المجهودات التي قامت و لا زالت تقوم بها الجمعيات الاسلامية من الأجيال السابقة و فضلها في بناء المساجد وتسييرها. إلا أنه اليوم و مع أزمة كورونا، أصبح لزاما على مسيري الشأن الديني للمساجد الانفتاح على الفئات الشابة التي وإن قلت معارفها الدينية في بعض الأحيان إلا أنها تتوفر على طاقات أخرى يمكن أن تنهض بمساجدنا لمستوى التحديات الحالية على غرار ما نعيشه اليوم.

إنه ومن الدروس المستخلصة اليوم مع وباء كورونا هو أن الحياة ليست بلونين فقط الأبيض والأسود. ففي عز هذه الأزمة و تعدد الوفيات استمرت الحياة، و أبدع الإنسان ما لم يبدعه من قبل في الطب و الصناعة و التضامن الاجتماعي. هي كذلك مساجدنا، فلم تكن مخيرة أبدا على أن تبقى بنايات معمارية يحج إليها الناس. بل استطاع البعض توظيف الوسائل الحديثة للوصول إلى روادها في قعر بيوتهم. كذلك هو الأمر فيما يتعلق بتسيير دور العبادة، فالمجال يتسع لأن يلتحق الشباب بتسيير هذه المرافق يدا في يد مع من يسبقهم خبرة في هذا الباب لأن مساجدنا في حاجة للجميع، خبرة و رزانة و إخلاص المسيرين الحاليين و إبداع وثقافة الشباب.
شكرا كورونا، فمن خلالك اكتشفنا مساجدنا كما لم تكن من قبل. أحسسنا بأهميتها و إن كنا نتقاعس في ارتيادها و اشتقنا لفضاءاتها و أصوات مآذنها و أدعية أئمتها.

شكرا كورونا، فقد انفتحت مساجدنا على التقنيات الحديثة للتواصل مع محيطها في الأزمات.

شكرا كورونا، فقد أحسسنا أن الجميع يمكن أن ينهض بمساجدنا شبابا وشيوخا. تسيير هذه المساجد يجب أن يواكب تطور الأمة و الانفتاح على كافة شرائحها.

ستنقشع غشاوة كورونا و تعود الحياة لما كانت عليه و تفتح المساجد على أن نكون قد استفذنا من هذه التجربة و أخدنا العِبر بما في ذلك طرق تسيير المساجد.

“كورونا، رب ضارة نافعة”.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.