لا يشكر الله من لا يشكر الناس

سماح عبدالرزاق
2020-06-14T10:14:18+01:00
آراء ومواقف
سماح عبدالرزاق30 مارس 2020آخر تحديث : الأحد 14 يونيو 2020 - 10:14 صباحًا
لا يشكر الله من لا يشكر الناس

عبد الرزاق سماح ـ كاتب في الفكر والحركات الإسلامية
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على الرحمة المهداة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
وبعد:
يمر العالم بأزمة ومحنة وجائحة لا تفرق بين الدول الغنية والدول الفقيرة، ولا بين الإنسان الكبير والصغير، ولا بين الرجل والمرأة ، ولا بين المريض والمعافى ، ولا بين العالم والجاهل. جائحة أظهرت عجز الدول الغربية أمام هذا المرض القاتل رغم تقدمها التقني والتكنولوجي، كما أظهرت هذه الجائحة عوار وخراب قيم الحضارة الغربية من الداخل ، حيث أصبحت بعض الدول تشتكي من عدم تلقيها للمساعدات الضرورية والتكافل الاجتماعي الواجب لمحاربة هذه الكارثة ، كدولة إيطاليا في شخص رئيسها.

فإيطاليا تركتها المجموعة الأوروبية لوحدها تعاني في مواجهة هذه الجائحة العالمية، وبذلك ظهرت حقيقة القيم الحضارية الغربية بأنها تنبني على الأنانية والفردانية والمصالح المادية حينما يتعلق الأمر بالموت والحياة.

وسيكون لهذا الموقف المخزي ما بعده حيث سيجعل المفكرين والعلماء والعقلاء في الغرب يفكرون فيما ستؤول إليه أحوال العالم بعد هذه الكارثة العالمية والمدمرة بكل المقاييس وفي كل المجالات (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والفلسفية والروحية والثقافية).

ونحن كسائر الدول وصلتنا هذه الجائحة من الخارج عن طريق الوافدين لبلادنا، ولكن برحمة ولطف من الله ويقظة الدولة بقيادة الملك محمد السادس حفظه الله ، وبرؤيتها الاستباقية أَخدت التدابير اللازمة ماديا ومعنويا حتى تحصر العدوى وتحد من انتشارها، فكانت الإجراءات الأولية على المداخل الحدودية براً وبحراً وجواً.
ثم إغلاق المدارس والجامعات التي يمكن أن تشكل حاضنة لانتشار المرض، ثم بعدها أماكن التجمعات كالمطاعم والمقاهي والنوادي والحمامات وغيرها، وكل ذلك استباقا لمنع انتشار العدوى ، ثم جاءت إجراءات غلق الحدود البرية والبحرية والجوية حتى لا نستقبل وافد جديدا ربما يحمل معه العدوى لبلادنا.

ثم جاء الأمر بالحجر الصحي العام على كل المغاربة للحفاظ على صحتهم وأرواحهم وذلك بالبقاء في بيوتهم إلا في حالة الضرورة بعد الحصول على إذن مسبق من السلطات المختصة. وقد كانت الاستجابة مشرفة لتظهر التفاعل الإيجابي للمواطنين مع هذه الإجراءات الاستباقية مما جعل الإعلام الغربي يظهر إعجابه وتقديره لنجاح الرؤية الاستباقية الإجرائية في مواجهة هذه الجائحة العالمية.

ونحن والحمد لله مازلنا نكافح لنخرج سالمين إن شاء الله من هذه الجائحة بخسائر قليلة . هذه الجائحة التي أظهرت حقيقة قيمنا الحضارية المنبعثة من ديننا الحنيف، حيث تجلت في التكافل والتضامن الاجتماعي بين كل مكونات المجتمع أفراداً ومؤسسات من خلال مساهماتهم في الصندوق الاجتماعي التكافلي الذي وضع لمواجهة هذا المرض.

وإنه لفخر واعتزاز لنا نحن المغاربة بقيمنا الإسلامية الحضارية التي يلاحظها القريب والبعيد، والتي ليست وليدة اليوم بل هي قديمة قدم تاريخ دولتنا وأمتنا منذ أن أنارت سماءها بنور الإسلام.

هذه القيم الاجتماعية التي عاشها ويعيشها الأجانب في بلدنا . ومنهم الذين حوصروا في بلدنا جراء هذه الجائحة ، فهم يشكرون المغاربة جميعا على حسن الضيافة ورقة المعاملة التي يتلقونها خاصة من رجال الدولة والسلطات التي تحرس على أمنهم وسلامتهم وسلامة ذويهم ، حيث يُوَفرون لهم كل احتياجاتهم من الأكل والشرب والنظافة والصحة والأمن ، وهذه من شيم المغاربة قديما وحديثا تعبر عن قيمهم الإسلامية الإنسانية العالية ، والتي سيكون لها ما بعدها في التأثير الإيجابي على الأفكار السائدة في عقول الغربيين حول الإسلام والمسلمين وحضارتهم وقيمهم.

ولمواجهة هذه الجائحة القاتلة نجد في الصفوف الأمامية الأولى الأطباء والممرضين والممرضات والمسعفين والمكلفين بالنظافة الذين يشتغلون بجد ومثابرة وإخلاص معرضين أنفسهم لخطر المرض والموت لا سماح الله ، منعزلين على أسرهم وذويهم وأبنائهم ، حتى لا يصيبنا وذوينا وأحبتنا المرض، فنقول لهم كما قال رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم: (لا يشكر الله من لا يشكر الناس )(1).

فلكم الشكر الجزيل والكثير والقوي على كل ما تبذلونه من جهود جبارة. ولا نستطيع أن نجازيكم على أعمالكم وجهودكم ولكن الله وحده سوف يجازيكم أحسن الجزاء لأن الله لا يضيع أجر المحسنين.

ولا ننسى كذلك من يسهر على تطبيق القانون ، وعلى أن تسير الإجراءات المتخذة على أحسن وجه ، كما يسهرون على أمننا المادي والمعنوي من رجال الأمن والدرك والجيش والقوات المساعدة والسلطات المحلية ، الذين يعملون بجد حتى نتقي شر هذا الوباء وشر أنفسنا من عدم الالتزام بالحجر الصحي والقعود في بيوتنا لاسيما في هذه الأيام القادمة التي ستكون حاسمة للقضاء على العدوى.

فالحديث الشريف الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (من لم يشكر الناس لم يشكر الله)(2). فلكم الشكر الجزيل على كل ما تقدمونه من جهود بتفان معرضين أنفسكم لخطر العدوى، فحرصكم على سلامتنا وسلامة دولتنا وسلامة أمتنا فخر لنا ولكم ، وإظهار لقيم التكافل والتضامن الاجتماعي في ديننا بين سائر مكونات المجتمع ، والتي هي من عناوين قيمنا الحضارية التي رُسّخت عبر التاريخ ، ونفتخر أن نقدمها للعالم الغربي الذي ظهرت سوءة قيمه الحضارية المادية التي تركز على الأشياء عوض التركيز على الإنسان. الإنسان الذي هو مركز ومحور البناء الحضاري والقيم الإنسانية.

وسيكون لهذا الحدث (جائحة كورونا) ما بعده ، ولعل البشرية جمعاء والعقلاء على الخصوص في الغرب والشرق سيحاولون استخلاص العبر لتصحيح المسار المادي الذي تسير عليه حضارتهم ، وتحدده الرأسمالية الليبرالية المتوحشة ، وذلك برد الاعتبار للجانب الروحي كعامل أساسي للتوازن في حياة الناس، لاسيما وأن الإنسان مكون من جانب مادي وجانب روحي، وسعادته في التوفيق بين الجانبين وإشباع رغبات كل جانب منهما.

وأخير نقول ما قاله رسولنا صلى الله عليه وسلم: ( إن أَشكَرَ الناس لله عز وجل أَشكَرَهم للناس )(3)، فالشكر الجزيل لكل من يسهر على أمننا وسلامتنا وسلامة بلدنا وسلامة أمتنا من الجنود الظاهرة والخفية.
والسلام.
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) عن أبي هريرة رضي الله عنه.رواه الإمام أحمد في مسنده والبخاري في الأدب المفرد.
(2) عن أبي هريرة رضي الله عنه. رواه الترمدي
(3) رواه ابن أبي شيبة، والبيهقي في السنن الكبرى وصححه الألباني .

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.