عندما يستنزفنا السراب

محمد غاني
2019-11-02T22:25:45+01:00
آراء ومواقف
محمد غاني28 أكتوبر 2019آخر تحديث : السبت 2 نوفمبر 2019 - 10:25 مساءً
عندما يستنزفنا السراب

د محمد غاني، كاتب- المغرب
كلنا لا يخفى عليه تجلي السراب في رحلة شاقة تجلب لآخذ طريقها العطش الشديد الذي يجعل الماء يتراءى له في كل وهلة، فيهرول إليه لكن سرعان ما يختفي ليظهر من جديد، و هكذا دواليك الى ان يأخذ منه كل مأخذ.

مسافر الدنيا، إذا لم يتزود بالوعي الروحي اللازم، انخدع بسراب تجليات خداعة، قد تستنزفه و تأخذ منه كل جهده، اذا هو لم ينتبه الى ضرورة اقتصاد الطاقة البشرية لاولويات ينبغي له تحديدها بحسب المكان و الزمان و السياق.

هذا السراب الوهمي هو كل نعم و مشاكل الحياة، التي تؤدي بنا الى الخلاف العدائي عوض الاختلاف الجمالي، تؤدي بنا الى تأجج شعور الكراهية عوض الرفع من أحاسيس المحبة و التآخي بين بني الانسانية جمعاء، هذا المعنى الرقيق هو ما نبه اليه الفيلسوف تشالز بوكوفسكي حين عبر قائلا” كلنا ميتون، …فكان يجب ان يكون هذا كافيا لنحب بعضنا البعض و لكن هيهات، و لكن هيهات فالتفاهات، تفزعنا و تسعدنا و يستنزفنا اللاشيء”.

لماذا عاش الأوائل في شظف عيش مع السعادة و نعيش في رغد منه مقارنة مع حالهم في ماضي الأوقات مع قلة الشعور بالرضا؟ تساؤل يطرحه غير واحد على نفسه، يمكن ان نجد له جوابا في قولة للفيلسوف نفسه بوكوفسكي حين قال” كلما قلت احتياجاتي شعرت انني افضل”، و تحليل ذلك سهل، اذ ان توهمنا لاحتياج اشياء قد نشعر بالرغبة لاقتناءها فنشتريها رغم إننا في المستقبل قد نستعملها و قد لا نحتاجها قط.

مفهوم سرابية الأشياء لا يقتصر على الاشياء المادية من سيارة و مال و مساكن فارهة و نساء جميلات الى غيرها مما يمكن ان يسعى اليه الإنسان ليشغله عن أهداف و أولويات لتحقيق نجاحات الدنيا و الآخرة بل يلبس جبة السراب ما هو معنوي ايضا فيلهينا عن تحقيق الأهداف التي نتوخاها، كمن يسخر حياته في خداع الناس متوهما انهم سذج فيجمع أموالا تنتهي به في سجل النصابين و المحتالين بينما الحقيقة التي لم تتجل له هي القاعدة التي قعدها بوكوفسكي بمداد من ذهب و هي “اذا استطعت ان تخدع إنسان، فهذا لا يعني انه احمق، و لكن يعني انه وثق بك اكثر مما تستحق”.

من الأوهام الكثيرة أيضا التي لا يمكن تعدادها في اقتضاب مقال كهذا، هو قلة الناس التي يستحقون محبتنا لهم في حين انهم كثيرون لو عرفنا مزاياهم لكن لجهلنا لذلك نعاديهم او نكرههم او حتى نتجنبهم، و قد عبر فيلسوفنا ايضا عن هاته الحقيقة فتساءل في تعجب، كيف يمكنك القول بأنك تحب شخصا واحدا، في حين ان هناك آلاف البشر في العالم الذين يمكن ان تحبهم اكثر لو انك قابلتهم؟.

فما أحوجنا للمعرفة أكثر و للوعي اكثر لانه بسلاحي الوعي و المعرفة فقط يمكن السير قدما دون استنزاف طاقاتنا وراء سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى اذا جئناه لم نجده شيئا.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.