رأي “بوهندي” في مسألة الحريات الفردية

مصطفى بوهندي
2019-12-01T10:39:56+01:00
آراء ومواقف
مصطفى بوهندي1 ديسمبر 2019آخر تحديث : الأحد 1 ديسمبر 2019 - 10:39 صباحًا
رأي “بوهندي” في مسألة الحريات الفردية

الذي لم أقله في ندوة “القانون الجنائي والحريات الفردية” أستدركه هنا:
بسبب تركيزي على الجواب على الأسئلة التي وجهت إلي، وبسبب اهتمامي ببيان عدد من المصطلحات والمفاهيم المفتاحية التي رأيت ضرورتها لفهم الشرع والقانون، والعلاقة بينهما، والتفريق بين ما يفهمه الناس من المصطلحات الدارجة، وبين حقيقتها الفعلية في القرآن الكريم.

لم أذكر أمورا كان علي قولها أستدركها في مدونتي، وأوصلها إلى كافة الأطراف، لمواصلة الحوار والنقاش حول موضوع “القانون الجنائي والحريات الفردية” الذي نوقش في مدينة أكادير، باعتباره موضوعا مفتوحا، يحتاج إلى غير قليل من التفكير وتقليب النظر، من زوايا متعددة، ومن طرف متدخلين مختلفين، وليس من جهة الفقهاء ورجال الدين وحدهم كما يحلو للبعض؛ ولا من من طرف رجال القانون والسياسة كما يحلو للبعض الآخر. ويجب أن نتكلم في هذا الموضوع بصدق، ونراعي فيه توجيهات الوحي واقتراحاته، وحاجات الناس وضروراتهم، وتجارب الأمم ومكتسبات الإنسانية، وتغير المجتمع وتطوره.

وإني إذ أدلي بدلوي بين الدلاء، وأعترف بأن ما أقوله مجرد رأي نسبي، وأن وجهي لا زال يتقلب في السماء بحثا عن قبلة صحيحة، لما لهذا الموضوع من أهمية وخطورة على واقع ومستقبل العلاقات الجنسية، المضطربة والمنفلتة، في بلدنا وفي باقي البلاد الإسلامية، وفي العالم أجمع.

أرجو أن أسمع من بعض المتدخلين فكرة جديدة تنير لنا الطريق للوصول إلى ما يحقق شيئا من التقدم في بلورة الموضوع ويساعد على إنضاجه.

أقول: إن “العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج هي الزنا المذكور في القرآن”؛ وهي علاقات محرمة بالنص القرآني، وقد ورد النهي عنها بهذا الاسم في سورة الإسراء بقوله تعالى: ” وَلَا تَقْرَبُوا۟ ٱلزِّنَىٰٓ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةًۭ وَسَآءَ سَبِيلًۭا ﴿32 الإسراء 17﴾”. وجاء في وصف عباد الرحمن المؤمنين أنهم لا يزنون في سورة الفرقان، قال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70) وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) الفرقان. وأمر الله نبيه عليه السلام أن يشترط على المؤمنات اللواتي جئن لمبايعته أن لا يزنين، قال تعالى: ” يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُؤْمِنَٰتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰٓ أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِٱللَّهِ شَيْـًۭٔا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَٰدَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَٰنٍۢ يَفْتَرِينَهُۥ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِى مَعْرُوفٍۢ ۙ فَبَايِعْهُنَّ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُنَّ ٱللَّهَ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌۭ رَّحِيمٌۭ ﴿12 الممتحنة 60﴾”.

وجاء في سورة النور ما يبين عقوبة الزانية والزاني، وكلها علاقات رضائية خارج مؤسسة الزواج بين مكلفين راشدين؛ وهذه العقوبة هي الجلد، ولا وجود في القرآن على الأقل لعقوبة ما يسمونه الرجم، وإنما هو من بقايا تراث الأمم السابقة، ألصق بالإسلام عن طريق الأحاديث الموضوعة (وإن اعتبرت عند أصحابها صحيحة). أما المقترح القرآني المناسب لهذه الجريمة فهو الجلد، قال تعالى: “” سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (5).

جرّم القرآن فعل “العلاقات الرضائية خارج إطار الزوجية”، ولم يميز فيه بين زان وزانية، واقترح له عقوبة الجلد في العهد النبوي، كما جرمت الكتب المقدسة هذا الفعل، وحرمته، واقترحت له عقوبات مختلفة حسب الحالات، كان منها الرجم. وواصلت قوانين الشعوب والأمم تجريمه، ووضعته في قانونها الجنائي، وهو ما ورثه قانوننا الجنائي المغربي أيضا. وبالتأكيد فإن للمجتمع أن يختار من العقوبات لهذا الجرم ما يوافق تطوره وفلسفته في العقاب، حسب توافق مؤسساته التشريعية والقانونية.

جاء في نصوص قرآنية عديدة أخرى ما يؤسس للعلاقات الزوجية، ويبين حرمة السفاح واتخاذ الخليلات والبغاء وزنا المحارم؛ وهي كلها تؤكد الموقف القرآني الموافق لما ذكرته الكتب المقدسة السابقة من حرمة الزنا والاغتصاب وزنا المحارم وغيرها، وبذلك فإنني وإن كنت أوافق على ضرورة مناقشة هذا الموضوع من طرف كافة أهل العلم والأمر، باعتباره من المستعجلات التي لا تنتظر، والتي يعاني بسببها كل فئات البشر ذكورا وإناثا في المجتمعات الإسلامية، وأغلبهم غير مستعدين لانتظار قرارات السادة أصحاب الحل والعقد وتنفيذهم لها؛ وإنما يتصرفون بما تمليهم عليهم الحاجات الملحة والظروف المواتية، بغض النظر عما يقوله الدين ويقوله القانون.

أوافق على أن الحريات الفردية يجب احترامها وتوقيرها وتسييجها بحماية كبيرة، سواء بالنسبة للذكور أو الإناث. وأوافق على إمكانية تطوير وتوسيع مفهوم الزواج معرفيا واجتماعيا وثقافيا وقانونيا، حتى يستوعب كثيرا مما كان يعتبر من قبل “علاقة غير شرعية” بسبب “تضييق الشرع” لمفهوم الزواج. لكنني أميز بين ما ينبغي فعله والاشتغال عليه من أجل تحقيقه في الحاضر والمستقبل، وبين المفاهيم القائمة المعمول بها قبل تحقيق هذا التغيير المنشود.

لقد وافقت الأستاذ عبد الوهاب رفيقي في كون شروط الزواج قد اختلف فيها الفقهاء قديما وحديثا اختلافا كثيرا، ولم يتفقوا منها إلا على أمر واحد، ألا وهو الإيجاب والقبول بين الزوجين، وبقيت الشروط الأخرى من شهود وصداق وكتابة وعدول وإعلان وإشهار كلها محل اختلاف، يقول بعضهم فيها بشرط ويقول غيره بآخر.

وقد أتفق معه على أن العلاقات الرضائية يمكن تفسيرها بهذا الإيجاب والقبول، لكننا نحتاج ـ اليوم على الأقل ـ إلى وثيقة رسمية قانونية تؤكد ذلك، وتشهد لها مؤسسات الدولة، حتى تتحقق الغاية من هذا الزواج ولا نقع في موانعه؟ وحتى لا نقع في زيجات عرفية غير قانونية وغير محققة لما من أجله استحدثت الشروط. وحتى لا نسمح للمتاجرين بالبشر بممارسة تجارتهم الجنسية على أوسع نقاط، تحت مسمى العلاقات الرضائية، وهي كلها تدخل تحت مسمى “الإكراه على البغاء” الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والنفسي، الذي لا يسمح لمن أرادت أن تتحصن أن تجد ملجأ تلجأ إليه. ولا نسمح بكل آفات الانفلات المدمرة للعلاقات والاستقرار والأمن الاجتماعي.

في جميع الأحوال إننا ملزمون اليوم قانونا وشرعا بالعرف القائم في بلادنا، إلى إشعار آخر، يتفق فيه أولوا الأمر والتشريع على توسيع مفهوم الزواج، وإيجاد الحلول الواقعية والاجتماعية المستعجلة، لهذه العلاقات حتى تدخل عرفا وقانونا في هذا المفهوم. وإلى أن نعيد الاتفاق على مفهوم جديد للزواج وننشئ عرفا جديدا، قد نقترب فيه من المفهوم الدولي للعلاقات الرضائية؛ ونطلق عليه مسمى الزواج. إلى ذلك الحين لا يمكن أن نطلق على أي علاقة خارج إطار الزوجية بمفهومها القائم الآن، إلا مصطلح الزنا ومفهومه ونلحقها بأحكامه، والتي هي الحرمة، وإبعاد المؤمنين عنه، ودعوتهم إلى التوبة منه، وبيان سيئاته وشروره.
من صفحة الكاتب على الفيسبوك

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.