خديجة منصور
تثير العلاقة بين الدين والسياسة إشكالية محورية في العالم العربي ، حيث ينظر إلى الحركات الإسلامية إما كقوة تغيير مجتمعي أحيانا أو كتهديد للنظم السياسية القائمة، في المغرب مثلا تمثل تجربة عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة السابق والامين العام لحزب العدالة والتنمية حاليا نموذجا لتفاعل الإسلاميين مع المشهد السياسي، حيث حاول أن يحقيق نوع من التوازن بين الالتزام بالمرجعية الإسلامية ومحاولة الانخراط في مشروع بناء الدولة الحديثة. ومع ذلك يظل النقاش مفتوحا حول أثر التداخل بين الديني والسياسي في بناء دولة ديمقراطية قادرة على تحقيق العدالة الاجتماعية.
استعرض بنكيران في حواره مع موقع الجزيرة 360 مسيرته الشخصية والسياسية موضحا كيف أثرت جذوره الأسرية في تشكيل وعيه المزدوج: الديني من جهة، والسياسي من جهة أخرى، بدأ مسيرته مع التيار اليساري قبل أن ينتقل إلى حركة الشبيبة الإسلامية، في محاولة للبحث عن مشروع فكري وسياسي يوازن بين الهوية الإسلامية ومتطلبات العصر، لكنه شدد على أن النزاع بين الإسلاميين والسلطان خطأ استراتيجي، معتبرا أن دور الحركات الإسلامية ليس السعي إلى الحكم بل الإسهام في الإصلاح المجتمعي، وهنا قد يعطي تصور آخر يتحدى به النظرة التقليدية التي تربط بعض الإسلاميين بالسعي للهيمنة السياسية.
لكن هذه الرؤية تثير تساؤلات حول إمكانية تجاوز التداخل بين الديني والسياسي ليصبح أداة للإصلاح بدلا من عائق أمام بناء دولة بمقومات حداثية. المغرب يقدم نموذجا خاصا في هذا السياق، حيث سمحت التعددية الحزبية للإسلاميين، اليساريين، والمحافظين بالتنافس في إطار نظام ملكي يعتبر ركيزة الاستقرار، بنكيران الذي قاد حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، أكد على أهمية التعددية كإطار للتنافس السلمي لكنه اعترف بتحديات التوفيق بين الهوية الدينية للحزب ومتطلبات إدارة الدولة الحديثة.
لا يمكن إنكار والتغاضي عن الدور الإيجابي للعدالة والتنمية في استيعاب تداعيات الربيع العربي بطريقة جنبت المغرب مصير دول أخرى، لكن التحدي الأكبر الذي واجهه الحزب كان تحقيق التوازن بين مرجعيته الإسلامية ومتطلبات السياسة الواقعية، خصوصًا في قرارات مثل التطبيع مع إسرائيل وتقنين القنب الهندي، التي أثارت جدلا واسعا واعتبرت انحرافا عن مبادئه.
هذا التحدي يفتح النقاش مرة أخرى حول الحاجة إلى تطوير رؤية جديدة داخل الحركات الإسلامية، تمكنها من بلورة برامجها السياسية والدعوية دون فرض قرارات تتماشى حصريا مع الشريعة الإسلامية. هنا تبرز أفكار عبد الله العروي الذي يرى أن الدولة الحديثة يجب أن تتجاوز التصنيفات التقليدية بين دولة إسلامية أو علمانية، لتصبح دولة تستند إلى قيم المواطنة والديمقراطية، كذلك تظهر الوثيقة السياسية الأخيرة لجماعة العدل والإحسان في المغرب محاولة لتقديم رؤية متجددة وربما الانتقال في المستقبل القريب من جماعة دعوية إلى سياسية.
اليوم قد تفرض التعددية الحزبية في المغرب تحديا وفرصة في الوقت نفسه، فهي تتيح لكل التيارات الفكرية والسياسية، بما فيها الإسلاميين أن تسهم في بناء الدولة. ومع ذلك فإن هذا يتطلب تجاوز الخطابات الإقصائية والانخراط في مشاريع إصلاحية حقيقية، فعلى الحركات الإسلامية أن تدرك أن نجاحها لا يتوقف على قدرتها على الوصول إلى الحكم، بل على مدى قدرتها على تقديم نموذج ديمقراطي يعزز العدالة الاجتماعية ويعبر عن تطلعات المواطنين دون المساس بمبادئ الدولة الحديثة.
يبقى السؤال: هل تستطيع التعددية الحزبية أن تتحول من ميدان للتنافس الأيديولوجي إلى أرضية لبناء شراكات إصلاحية تساهم في تحقيق ديمقراطية حقيقية وعدالة اجتماعية شاملة؟ الإجابة تتطلب رؤية شاملة تستوعب دروس الماضي وتجارب الحاضر وتؤسس لمستقبل يليق بتطلعات الشعوب العربية.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=21480