بعد البرقية الملكية.. قراءة استراتيجية لمستقبل العلاقات بين الرباط ودمشق

دينبريس
2025-02-05T14:52:06+01:00
تقارير
دينبريسمنذ 4 ساعاتآخر تحديث : الأربعاء 5 فبراير 2025 - 2:52 مساءً
بعد البرقية الملكية.. قراءة استراتيجية لمستقبل العلاقات بين الرباط ودمشق

سعيد الزياني ـ دين بريس
تدخل العلاقات المغربية السورية مرحلة جديدة عقب سقوط نظام بشار الأسد وصعود أحمد الشرع إلى سدة الحكم في المرحلة الانتقالية، فالتطورات المتسارعة التي شهدتها الساحة السورية، وما تبعها من تحولات في السياسة الإقليمية، تضع الرباط أمام مشهد دبلوماسي جديد يستدعي إعادة التموقع وفق رؤية استراتيجية تأخذ بعين الاعتبار التحديات والمصالح الوطنية للمغرب.

يجد المغرب، الذي كان من أوائل الدول العربية التي قاطعت نظام الأسد ودعمت المعارضة، نفسه الآن أمام فرصة لإعادة صياغة علاقاته مع دمشق وفق شروط جديدة، خاصة وأن النظام الانتقالي في سوريا يبدو أكثر انفتاحا على إعادة تشكيل تحالفاته الإقليمية، وهو ما انعكس في الزيارات الدبلوماسية التي قام بها أحمد الشرع إلى كل من السعودية وتركيا، وزيارة محمد بن زايد إلى سوريا، والتي تعكس رغبة أبوظبي في لعب دور الوسيط لإعادة إدماج سوريا في المنظومة الإقليمية.

ومن المؤكد أن برقية التهنئة التي بعثها الملك محمد السادس إلى أحمد الشرع لا تعدو مجرد إجراء بروتوكولي، وإنما تحمل دلالات عميقة على مستوى الخطاب السياسي المغربي، إذ أكدت على ثوابت السياسة الخارجية للمملكة: دعم الشعب السوري، الحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها، والتطلع إلى مرحلة جديدة من الاستقرار، وتعكس هذه الرسائل توجها مغربيا نحو تبني نهج براغماتي يرتكز على إعادة ضبط العلاقات وفق معايير المصلحة المشتركة.

ويأتي التحرك الدبلوماسي المغربي في هذا السياق في ظل ديناميات إقليمية متشابكة، حيث يبدو أن الرباط تستعد لاستعادة قنوات الاتصال مع دمشق، وهو ما تجلى في الاتصال الرسمي بين وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة ونظيره السوري أسعد الشيباني، والذي حمل إشارات واضحة على استعداد المغرب للانخراط في مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية، قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

في نظري: هناك ثلاثة محددات رئيسية ستؤثر في مستقبل العلاقات المغربية السورية:

أولا ـ الموقف السوري من قضية الصحراء المغربية: لقد كانت دمشق في عهد نظام الأسد داعما لجبهة البوليساريو، وهو ما شكل عامل توتر بين البلدين، واليوم، ومع التحولات التي طرأت على المشهد السياسي السوري، فإن الموقف السوري الجديد من هذه القضية سيشكل ركيزة أساسية في تحديد طبيعة ومستقبل العلاقات بين البلدين. وفي حال قررت الإدارة الجديدة في سوريا تبني موقف محايد أو حتى داعم للموقف المغربي، فإن ذلك سيعزز من فرص بناء شراكة استراتيجية بين الطرفين.

ثانيا ـ التوازنات الإقليمية والدور الإماراتي والسعودي: تكشف الزيارة التي قام بها محمد بن زايد إلى دمشق عن مسعى إماراتي لإعادة سوريا إلى الفضاء العربي وفق أجندة تضمن مصالح الدول الداعمة للتحول السياسي في سوريا، ومنها المغرب، حيث تمتلك أبوظبي علاقات وثيقة مع الرباط، وقد تلعب دورا في تقريب وجهات النظر بين المغرب وسوريا الجديدة، خصوصا أن الإمارات لديها مصالح استراتيجية في استقرار سوريا وإبعادها عن المحور الإيراني. والمسعى نفسه تقوم به المملكة العربية السعودية.

ثالثا ـ التحديات الاقتصادية وإعادة الإعمار: سوريا بعد الحرب بحاجة إلى استثمارات ضخمة لإعادة إعمار ما دمره الصراع، وهنا قد يلعب المغرب دورا مهما، سواء عبر شركاته الكبرى أو من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي مع دمشق في قطاعات مثل الفلاحة، الصناعة، والبنية التحتية، والموقع الاستراتيجي للمغرب كبوابة نحو إفريقيا قد يجعله شريكا اقتصاديا مهما لسوريا، خاصة في ظل تنامي الدور المغربي في القارة الإفريقية.

لكن، وعلى الرغم من هذه العوامل المشجعة، فإن هناك تحديات يجب أخذها بعين الاعتبار:

ـ عدم وضوح الرؤية حول طبيعة الحكم في سوريا بعد المرحلة الانتقالية، حيث لا تزال هناك مخاوف من استمرار نفوذ الفصائل المسلحة والتدخلات الإقليمية، مما قد يعرقل استقرار النظام الجديد، كما أن المغرب سيأخذ وقته في تقييم مدى استقرار الحكم في دمشق قبل الإقدام على خطوات متقدمة في إعادة العلاقات.

ـ إضافة إلى ذلك، فإن النفوذ الإيراني في سوريا لا يزال حاضرا، على الرغم من المتغيرات السياسية، والمغرب لديه موقف واضح من التدخلات الإيرانية في المنطقة، وكان من بين الدول التي قاطعت طهران بسبب دعمها للبوليساريو، وبالتالي فإن أي تقارب مغربي سوري سيكون مشروطا بعدم السماح بعودة النفوذ الإيراني إلى المشهد السوري.

ـ من جهة أخرى، فإن طبيعة التحالفات الإقليمية الجديدة في سوريا ستحدد المسار الذي يمكن أن تسلكه الرباط في علاقتها مع دمشق، فالتقارب السوري التركي قد يكون عاملا إيجابيا للمغرب، خاصة إذا انعكس على السياسة السورية الخارجية تجاه القضايا العربية. وفي المقابل، إذا اختارت الإدارة السورية الجديدة الاستمرار في التحالف مع جهات معادية للمصالح المغربية، فإن ذلك قد يؤثر على إمكانية تطبيع العلاقات بشكل كامل.

أما على المستوى الدبلوماسي، يبدو أن المغرب سيتبنى نهجا تدريجيا في إعادة بناء العلاقات، حيث ستبدأ المرحلة الأولى عبر الاتصالات الدبلوماسية، يليها تبادل الزيارات الرسمية، ثم إعادة فتح السفارات في مرحلة لاحقة، أي انتهاج أسلوب حذر إدراكا من الرباط لتعقيدات الوضع السوري، ورغبتها في ضمان أن تكون أي خطوة نحو إعادة العلاقات قائمة على أسس ثابتة ومستدامة.

ولا بد من التذكير أن إعادة العلاقات المغربية السورية تأتي ضمن استراتيجية مغربية أوسع لإعادة ترتيب علاقاتها الخارجية بما يخدم مصالحها الوطنية، فبعد نجاح الرباط في تعزيز علاقاتها مع دول الخليج، خاصة السعودية والإمارات، وترسيخ شراكاتها مع القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واسرائيل، فإن إعادة ضبط العلاقات مع سوريا قد تكون جزء من رؤية مغربية لإعادة تموقعها في النظام الإقليمي العربي، خاصة في ظل التقارب العربي مع دمشق.

إن ما يميز السياسة الخارجية المغربية هو قدرتها على المناورة بذكاء في المشهد الجيوسياسي، حيث نجحت الرباط في الحفاظ على علاقات متوازنة مع مختلف القوى الدولية والإقليمية، وهو ما يجعلها قادرة على إدارة ملف العلاقات مع سوريا بطريقة تضمن مصالحها، دون تقديم تنازلات غير محسوبة.

في نظري، تتجه العلاقات المغربية السورية نحو الانفراج، لكن هذا المسار يتطلب جهدا دبلوماسيا ذكيا لضمان أن يكون التقارب مبنيا على أسس قوية، لذلك ستواصل الرباط مراقبة الوضع في دمشق، وستبني سياساتها تجاه سوريا بناء على مدى قدرة النظام الجديد على تحقيق الاستقرار، ومدى تجاوبه مع القضايا التي تهم المغرب، مما يتوقع معه تبادل الزيارات الرسمية والاعلان عن إنجاز دبلوماسي استراتيجي في المستقبل.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.