الولاء التاريخي لأعيان وشرفاء وعلماء وفقهاء الريف المغربي للملوك العلويين (4)

نموذج فرقة أولاد الحاج بالريف الشرقي

دينبريس
2025-01-27T06:38:30+01:00
دراسات وبحوث
دينبريس27 يناير 2025آخر تحديث : الإثنين 27 يناير 2025 - 6:38 صباحًا
الولاء التاريخي لأعيان وشرفاء وعلماء وفقهاء الريف المغربي للملوك العلويين (4)

عبد السلام أندلوسي ـ أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمرتيل

الحلقة الرابعة: جنادة كما تذكرها المصادر التاريخية
استنادا إلى ما كشفته أبحاث المؤرخ الدكتور سيدي حسن الفكيكي، فإن أصول جدنا سيدي البشير بن محمد بن أحمد المرابط الكبداني(1)، تعود إلى جماعة المرابطين ذات الأصل الإدريسي المنتسبة إلى فرقة أولاد الحاج برأس كبدانة، المعروف اليوم برأس سيدي البشير، وضريحه بمقبرة الرأس حيث رفات أسلافه(2)، غير بعيد عن مسجد جنادة ببرج كبدانة.

وللتعرف أكثر على هذه الشخصية التاريخية المهمة، التي اقترن اسمها في الوثائق والمصادر التاريخية بمسجد/ مركز المراقبة والحراسة/ رأس سيدي البشير، لا بد من التعرف على هذا الموقع، الذي تربطه تلك المصادر والوثائق بلفظ “جنادة” أو رباط كبدانة. فما دلالة/ دلالات هذين التعبيرين؟

بحسب رأي الباحث نور الدين شوقي(3)، أحد أبناء المنطقة الذين اهتموا بالتأريخ لرأس كبدانة، فإن لفظ “جنادة” ظهر حديثا مقارنة بلفظ “أيديم” الموغل في القدم. وحسب الباحث نفسه، فإن “جنادة” اسم كان يُطلق على مركز للحراسة، يتواجد فيه جنود تابعون للقوات المخزنية، كما أن قادة هذا المركز كانوا معينين من قبل السلاطين المغاربة.

وبعد بحث عميق في أصل التسمية، يضيف الباحث: “توصلنا إلى أن جنادة ما هو إلا مكان خاص بالجنود، حيث تتم فيه عملية التدريب والتجنيد، وكذا تقديم الخدمات العسكرية، وعليه سُمي بهذا الاسم”.

أما إضافة عبارة “لالة” إلى “جنادة”، والتي تعني لغويا “السيدة المحترمة” في اللغة الأمازيغية، فربما كان ذلك من باب الاحترام للمكان أو لاعتبارات أخرى لا نعلمها.

ولفظ “جنادة” كان ولا يزال يُطلق على العديد من القلاع المنتشرة في مناطق مختلفة بالمغرب، والتي تتشابه جميعها في وظيفتها، ألا وهي الحراسة، غير أن المراقبة فيها كانت تتم بجنود نظاميين موالين للسلطان. ومن هذه القلاع، على سبيل المثال: لالة جنادة برأس كبدانة، لالة جنادة بالدار البيضاء، ولالة جنادة بفرخانة على حدود مليلية، قرب جمعة سيدي ورياش(4).

وبخلاف هذا الرأي، يرى الأستاذ حسن الفكيكي أن “جنادة” هي صيغة مشتقة من “الجند”، وتُستعمل في منطقة الريف الشرقي خاصةً للدلالة على إدارات القصبات ومحطات حراسة الحدود المشرفة على مراكز الوجود الأجنبي. وهناك عدة “جنادات” يذكر منها الفكيكي(5).

أولا: جنان رباط الكرمة، التي دعيت من خلال الوثائق المخزنية في منتصف القرن الثالث عشر (19م)، ودعي الرباط قبل ذلك بـ”رباط مليلة” منذ تأسيسه في أوائل القرن العاشر (16م). وهو واقع على ظهر كدية متوارية عن أنظار جنود مليلية، على الضفة اليسرى من مجرى وادي المدور، وهو ما عناه محمد بن أحمد العشماوي أثناء تعداد أسر ورتدغير النازحة من فكيك، حين ذكر أن فرقة منهم بجنادة تدعى بأولاد ورياش.

بدأ تاريخ رباط الكرمة بتوقيع اتفاق 24 غشت 1859 بين السلطان محمد بن عبد الرحمن وإسبان مليلية المحتلة بشأن توسيع حدودها، إذ نص هذا الاتفاق، والاتفاقيات التالية له، خاصة اتفاق سنة 1863، على إخلاء جنادة من حماتها وهدم مباني الرباط وما به من شجر، سيما شجرة التين البارزة بساحتها ومسجدها بصفة خاصة، وهو ما تم خلال السنوات التالية.

وإلى غاية سنة 1871، كانت جنادة رباط الكرمة وأراضيها ملكا للإسبان، داخلة ضمن حدود التوسعة الممنوحة لهم. وهي السنة التي كثر فيها الجدل بين المخزن والإسبان بشأن تحويل مجرى وادي المدور ابتداء من النقطة التي يشرف منها رباط الكرمة. وقد شيد الإسبان بالمكان برجا أسموه “برج يانتياغو” (Fuerte de Santiago). ومع اختفاء رباط الكرمة، أصبح المجال مفتوحا أمام ظهور جنادة قصبة فرخانة. (محمد العشماوي، التحقيق في النسب الوثيق، مخطوط خ. ع.؛ ح. الفكيكي، قلعية ومشكل الوجود الإسباني بمليلية، ج 1)(6).

ثانيا: جنادة قصبة فرخانة، أو “دار المخزن” حسبما تُعرف به محليا، تقع في الحوض الأوسط من وادي فرخانة (يدعى محليا “وادي أضرْضُور”)، وهو أحد روافد وادي المدور، على ضفته اليمنى بمدشر إجهرتن، المندرج ضمن فرقة فرخانة، إحدى فرق “خمس مزوجة”، حسب تقسيمات الوقت المؤرخ له.

وهي عبارة عن قصبة تحتل مساحة مدرج نهري منبسط، وقد اختير لها موضع في نقطة غير بعيدة عن خط الحدود الداخلة إلى مليلية من جهة فرخانة. وتشرف عليها من جهة الجنوب قبة ضريح سيدي ورياش، وتدعوها الوثائق المخزنية أيضا “ثغر ومرسى جنادة”، وذلك في ذي القعدة سنة 1304 هـ.

تأسست القصبة بمساعدة سكان أخماس قبيلة قلعية عن طريق توزيع المساهمة والنوبة بين أخماسها، تحت إشراف قائد القبيلة المعروف، وهو المختار ألغم، على عهد السلطان محمد بن عبد الرحمن، وبأمر منه.

ونجد أصل الفكرة فيما استوجبه الفصل الخامس من اتفاق 24 محرم 1276 هـ / 24 غشت 1859 م، والاتفاق التالي له في 4 شوال 1276 هـ / 26 أبريل 1860 م، وبما تم التأكيد عليه في الاتفاقيات الملحقة، إذ إن الاتفاقين الأساسيين نصا على إحداث حراسة مخزنية دائمة، مكونة من غير أهل الريف، تحت إشراف قائد من رتبة عالية.

وأغلب الظن أن البناء تم في آخر أيام السلطان محمد بن عبد الرحمن، إذ إننا نعلم – كما يشير الفكيكي – أن القصبة كانت قائمة سنة 1291 هـ / 1874 م، تؤدي وظيفتها التي أُوجدت من أجلها، على الرغم من أن الوثائق المخزنية لم تُصرّح باسمها إلا في 14 ذي الحجة 1298 هـ / 1880 م.

وقد ورد التصريح باسم “جنادة” في رسائل شريفة رقم (55)، إثر طلب السفير الإسباني بطنجة تطبيق البندين الخامس والسادس من الاتفاقين الأساسيين المذكورين، وتوجيه قائد مع ما يكفيه من القوة العسكرية. أما بناء القصبة، فلم تشر إليه سوى وثيقة واحدة بتاريخ 19 جمادى الثانية 1308 هـ / 1890 م(7).

ثالثا: جنادة كبدانة، يقول حسن الفكيكي: تقع في أعلى رأس كبدانة، المشرف على المرسى، وعلى بعد نحو خمسة كيلومترات من جزر كبدانة أو الشفارين (Chafarinas)، المقابلة لها. وقد وقفنا عند موضع جنادة كبدانة في 15 غشت عام 1975، وقمنا باستجواب بعض شيوخ أولاد الحاج(8)، كما تعرّفنا على بنيانها، ويدعى بالبرج، وبرباط كبدانة (28 رمضان 1307 ك. 166).

وتؤكد الوثائق المخزنية أنه لا أثر لقصبة هناك، مثلما قد يوحي لفظ “البرج”. وقد سبق للقائد بوصفية الكبداني أن طلب إذنًا لبناء قصبة في المكان وتعميرها بالجند سنة 1307 هـ، لكنه لم يتلقَّ أي جواب عن ذلك.

أما جنادة كبدانة خلال القرن الماضي، فهي مطابقة لما هي عليه اليوم: بناء بسيط مكوّن من مساحة مستطيلة صغيرة، تتألف حاليًا من باحة، ومسجد متصل بها، وقبة لأحد الصلحاء من الشرفاء الأدارسة المقيمين في المكان(9).

ويظهر أنهم كانوا القائمين بالشؤون الدينية، على الأقل مما نعرفه منذ النصف الثاني من القرن الثاني عشر (18م)، على عهد السلطان محمد بن عبد الله. ومن هنا، نرى أن جنادة كبدانة كانت مجرد محطة صغيرة لحراسة جزر الشفارين، بعد تسرب الإسبان إليها عام 1264 هـ / 1847 م.

تأسست جنادة كبدانة، كالعادة، على يد القبيلة وبمساهمتها، على عهد السلطان محمد بن عبد الله العلوي، على أكبر تقدير. كان المشرف على الحراسة مرابطا إدريسيا، تدعوه الوثائق الإسبانية “سيدي البشير”(10). وهو المقدم المرابط سيدي البشير بن محمد بن أحمد بن الطاهر، وقد وقفنا على اسمه من النقش المقروء على رخامة ضريح حفيده السيد محمد الهادي بن عبد الرحمن بن محمد بن البشير.

عمل سيدي البشير بالتنسيق مع المجاهد القلعي محمد الرتبي(11)، فقام باعتراض السفن الإسبانية المارة بساحل الرتبي، كبدانة. وقد سماه الإسبان آنذاك “الوحش الرهيب” (مليلية، 13 فبراير 1786، ملف 4.320، علبة 2، Estado…) (قلعية: 7.2 (347)). نجد أخباره في مذكرتي كبييرو وميراندا.
ـــــــــــــــــــــ
هوامش الحلقة 4:
(1) عمل قائدا للسلطان العلوي محمد بن عبد الله (1757ـ1790 )، وهو أيضا والد جدنا القائد سيدي محمد إبن البشير الذي عمل قائدا للسلطان مولاي الحسن الأول (1873 ـ 189)،
(2) يرقد بقصبة لالة جنادة جدنا الشريف سيدي عبد الرحمان حفيد سيدي البشير ونجل سيدي محمد إبن البشير،
(3) صفحة : كبدانة.. التاريخ والتراث، للباحث في تاريخ كبدانة نور الدين شوقي، على منصة فايسبوك يدون فيها كل الأخبار الخاصة بتاريخ رأس كبدانة؛
(4) المصدر نفسه،
(5) ح. الفكيكي، معلمة المغرب، المجلد التاسع، ص 3098
(6) المصدر نفسه، ص 3096
(7) المصدر نفسه، الصفحة نفسها،
(8) من ضمنهم جدي، والد والدي، الشريف سيدي محمد إبن أحمد إبن محمد الهادي الذي يذكره حسن الفكيكي في جزئه التاسع من معلمة المغرب، في الصفحة 3098،
(9) جدنا محمد الهادي
(10) جدنا الشريف، سيدي البشير إبن محمد إبن أحمد إبن محمد إبن الطاهر إبن أحمد ( راجع: ح. الفكيكي، معلمة المغرب، ج9، ص 3098)، وهو والد الشريف سيدي محمد، جدنا الخامس، وجد الشريف سيدي عبد الرحمان، جدنا الرابع، والد جدنا الشريف سيدي محمد الهادي، والأخير هو حفيد سيدي البشير، وهو جدنا الثالث، أي جد جدنا الأول الشريف سيدي محمد والد الشريف سيدي محمد أندلسي،
(11) ح. الفكيكي ص 348 .. نحو احترام قرار الحدود … إلخ

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.