المدائن المدينة الصامدة

خديجة منصور
2020-06-14T16:51:39+01:00
آراء ومواقف
خديجة منصور9 مارس 2020آخر تحديث : الأحد 14 يونيو 2020 - 4:51 مساءً
المدائن المدينة الصامدة

خديجة منصور
إن التفكير في جوهر كلمة “المدائن”، يعود بنا إلى حقب تاريخية ماضية تداولت فيها هذه الكلمة الفضفاضة بدءا من آي القران الكريم حتى في بطون علوم الفلاسفة العظام.

تجد الكلمة طريقها في بعض الآيات القرآنية كقوله تعالى “فأرسل فرعون في المدائن حاشرين” سورة الشعراء الآية 53، في صيغة الجمع، أي جمع مدنية وكذلك سلكت هذه المفردة سبيلها إلى بعض القصائد الشعرية، مرورا بإسهامات لفلاسفة الإغريق الذين اهتموا بها فشكلت بذلك حيزا كبيرا من اهتماماتهم الفلسفية باعتبارها فضاء عموميا يضم عددا كبيرا من السكان، الجماعات والأسر، لتجتمع كلها في بوتقة المعنى: “اجتماع بشري”.

نجد أفلاطون في أمّ مراجعه، الجمهورية أو “المدينة الفاضلة” يصف لنا حالة المدينة وأهلها وطريقة عيشهم، كما تطرق إليها غيره من الفلاسفة، لتدّل الكلمة على مكان محصن كما المدينة بمعناها السائد حاليا، مصر من أمصار الأرض تنتمي لحضارة معينة شاهدة على أحداث ووقائع في زمن ومكان ما.

ومن بين تلك المدن التي استوقفت اهتمامنا اليوم وجعلتنا نسافر معها وفيها في رحلة تاريخية استكشافية عبر الزمان، لننفض غبار الزمن عن حضارة إسلامية أبية تليدة وباقية في الذِّكر. إنها مدينة المدائن العراقية، فبعد الفتوحات الإسلامية التي أسفرت عنها معركة حربية جرت بين المسلمين والفرس، أقام العرب بلدة أطلقوا عليها اسم “المدائن”، وأصل الكلمة – أغلب الظن – آرامي، يدل على معنى مدينة إذ أنها تحوي سبع مدائن. وسميت سابقا “بالسلوقية الإغريقية” التي قام ببنائها أحد القادة نسبة “لاسكندر الأكبر”.

تتواجد المدائن في الجنوب الشرقي من بغداد بالعراق والمسافة بينهما حوالي ٧٠ كلم. كانت من قبل عاصمة الفرس الساسانيين، حقبة الحكم الفارسي للعراق، وللمدائن اسم آخر: “سلمان باك”، نسبة للصحابي سلمان الفارسي الذي دفن بها كما دُفن من الصحابة آخرون، إذ نقلت رفاتهم إلى جواره تيمنا، كحذيفة بن اليمان وعبد الله بن جابر الأنصاري.

تعيش هذه المدينة على الزراعة والسياحة الدينية، ذلك رغم الحروب التي عاشها العراق، وهي لا تزال معلما تاريخيا وأثريا يأتيه البشر من كل فج عميق. ففيها القصور القديمة وبها جامعها الأثري ومن معالمها التي انطبعت في ذاكرة الشعر العربي، إيوان كسرى، ومن منا لا يذكر قصيدة البحتري في وصف الإيوان كسرى، حين قال: حضرت رحلى الهموم، فوجهت إلى أبيض المدائن عنسى.

والإيوان الذي انبهر به العرب والعجم إذذاك تعكس تضاريسه الآنية بقايا قصور تهدمت وعفى عليها الزمن. يحرص العراقيين على زيارة “إيوان كسرى” مرددين أهازيج وفلكلورا بغداديا تراثيا “الما يزور السلمان عمره خسارة وندمان”، فهو قبلة للشيعة والسنة على حد سواء.

تبقى المدائن منارة تاريخية ما بقيت حضارة العرب.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.