عبد الله القيسي
لا يوجد في الإسلام زيّ مخصص لمن تعلّم أو فقه شيئا من الدين، فالدين ليس مهنة لها “لباس رسمي”، ولم يُنقل عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه اختص نفسه أو أصحابه بزيّ يميزهم عن الناس، بل كان لباسهم من جنس ما يلبسه مجتمعهم، بلا تكلّف ولا تميّز.
ظهرت فكرة اللباس الديني لاحقا، متأثرة بما لدى الأحبار والرهبان من رمزية دينية ترتبط بالهيئة واللباس، ثم ترسخت مع الزمن حتى صارت دلالة على الرفعة والمكانة، ليس بالعلم الحقيقي، وإنما بالمظهر الخارجي، فكم من متواضع الزيّ غزير العلم، صادق الإخلاص، وكم من صاحب عمامة لا يحمل من معاني العلم إلا ظاهرها، ويخفي جهله خلف لباسه.
لباس من يُسمى “العالِم دينيًا” قد يصنع هالة توهم العصمة أو الكمال، فإذا أخطأ – وهو بشر – لم يُنظر إلى خطئه على أنه خطأ فرد، بل يُحمّل على الدين ذاته، أما إذا كان يلبس كما يلبس الناس، فلا يُحمَّل خطؤه إلا على شخصه.
ولهذا فإن المبالغة في التميز باللباس لا تخلو من آثار سلبية، سواء على صاحبها أو على صورة الدين في عيون الناس، والأَوْلى فيمن يحمل العلم أن يكون قريبًا من مجتمعه في الهيئة كما هو في الخطاب والسلوك، وأن يُعرف بعقله وخلقه لا بثوبه.
لقد أصبح اللباس الديني اليوم وسيلة يتسلق بها بعض الناس إلى الوجاهة، والمكانة، والمناصب، بل وحتى الرتب العلمية، فصار المظهر مقدّما عند العامة على المعرفة الحقيقية، مما خلق وعيا زائفا يربط بين الهيبة والمظهر، لا بين العقل والعلم. ولهذا استمر بعض “فقهاء الدين” في التمسك بهذا الزي لما يجنونه من ورائه من احترام أو سلطة أو نفوذ اجتماعي.
لا أستطيع أن أجد احتراما حقيقيا لمن يتكلف هذا اللباس بهدف التميز، لأن من فعل ذلك غالبا ما يكون له نصيب من حظوظ النفس، فلو كان صادقا مع الله، زاهدا في الدنيا، لما تمسك بمظهر يمنحه رفعة زائفة أو احتراما لا يستحقه بذاته.
أما أحاديث أولئك الشيوخ عن كرامات شيوخهم، أو مديحهم المتواصل لهم، والدعوات المستمرة لاحترام العلماء وتوقيرهم، فهي ـ في كثير من الأحيان ـ مجرد خطاب غير مباشر لتعظيم ذواتهم، وتمهيد لامتداحهم هم لاحقا، وتكريس لفكرة “الشيخ المهاب صاحب المكانة الاجتماعية”، الذي تُقبّل يده ويُشاد به، وتُروى كراماته كما تُروى كرامات الأولياء.
كل هذه الأعمال بعيدة عن الإخلاص، لأن الإخلاص لا يحتاج زينة، ولا مديحًا، ولا موكبًا من الأتباع، وإنما يكفيه أن يعرف الله صدق القلب، ولو جهل الناس صاحبه.. والإخلاص هو لبّ الدين وروحه، فإن فقده فماذا وجد.