خديجة منصور
إن مكانة إمارة المؤمنين في المغرب تحتل موقعًا مركزيًا في فهم العلاقة بين المؤسسة الملكية والنخبة السياسية المغربية، هذه العلاقة ليست مجرد ظاهرة سياسية، بل هي تجسيد لتاريخ طويل من التفاعل بين السلطة الدينية والسياسية، حيث يلعب الملك دورا محوريا في ضمان استقرار الدولة واستمرارها، ومن هذا المنطلق يأتي كتاب “أمير المؤمنين: الملكية المغربية ونخبتها” للكاتب الأمريكي جون واتر بوري ليقدم دراسة مفصلة عن هذه العلاقة، مستعرضًا تطور السياسة المغربية والتفاعل بين الملكية والنخب.
إمارة المؤمنين خلفية تاريخية ودينية:
يرتبط نظام إمارة المؤمنين في المغرب بتاريخ طويل من البيعة التي تجمع بين الملك والشعب في إطار من الطاعة والشرعية الدينية، حيث يكتسب الملك في المغرب مكانة فريدة كأمير المؤمنين، وهو المسؤول عن حماية الدين وضمان حرية ممارسته، كما نص على ذلك دستور 2011 في فصله 41، هذا المفهوم الديني والسياسي يتجسد في البيعة، وهي عقد شرعي بين الملك والشعب يؤكد شرعية سلطته وحكمه، هذا النظام الذي يمتد عبر قرون من الزمن يعكس تقاليد ملكية عريقة مرتبطة بتوازن دقيق بين السلطة السياسية والدينية.
الكتاب دراسة للملك والنخبة:
يقدم واتر بوري في كتابه دراسة معمقة حول التفاعلات بين الملكية المغربية والنخبة السياسية، حيث يسعى إلى فهم طبيعة العلاقة بين القصر والنخبة السياسية، يركز الكتاب على النخب السياسية المغربية التي تميزت بتنوع مكوناتها، مثل القبائل والزوايا والعائلات الأرستقراطية، ويبرز دور الملكية في الحفاظ على التوازن بين هذه النخب وتحقيق الاستقرار السياسي.
وينطلق الكتاب من فكرة أن المغرب لم يشهد انفجارًا سياسيًا حقيقيًا رغم التحديات التي واجهها، حيث يصف واتر بوري المجتمع المغربي بأنه “مجتمع في حالة جمود”، محكوم بتقاليد قبيلية وثقافية قديمة، وهو ما يعتبره أحد الأسباب التي أدت إلى استمرارية التأثير الملكي في الحياة السياسية، ورغم أن الكتاب يسلط الضوء على هذه المكونات السياسية، لقد واجهت رواية وتحليل واتر بوري تحديات كبيرة فعندما يتعلق الأمر بفهم التركيبة الثقافية والسياسية المغربية بشكل كامل لا سيما عند محاولة وقوف المؤلف على تصنيف المجتمع المغربي بطريقة تقليدية، متجاهلًا التعقيدات والتغيرات التي شهدها المغرب بعد الاستقلال.
الانتقادات والمنهج الانقسامي:
أحد الانتقادات الرئيسية التي وجهت إلى الكتاب كانت حول منهج واتر بوري، الذي يعتمده في تحليل المجتمع المغربي من خلال ما يمكن تسميته بـ “المنهج الانقسامي”، هذا المنهج يعتمد على تقسيم المجتمع إلى فئات فرعية متوازية أو متصارعة، وهو ما يراه بعض المفكرين مثل عبد الله العروي وعبد الله الحمودي غير دقيق. العروي يشير إلى أن هذه النظريات الانقسامية تبسط الواقع المعقد للمجتمع المغربي، بينما يؤكد الحمودي على أن التركيز على العنف والتطرف في بعض تحليلات واتر بوري لا يعكس الصورة الحقيقية للعلاقة بين الملكية والمجتمع.
البيعة والإمامة العظمى:
على الرغم من النقد الموجه للمنهج الانقسامي، فإن الكتاب يظل يقدم فهمًا مهمًا للمؤسسة الملكية في المغرب، حيث يوضح العلاقة الوثيقة بين “إمارة المؤمنين” ومفهوم البيعة في المغرب والتي تعد عقدًا سياسيًا ودينيًا يربط الملك بالشعب، وهو ما يعزز شرعية النظام الملكي، على الرغم من أن هذا العقد قد يكون شكليًا في بعض الأحيان، إلا أنه يبقى جوهريًا في فهم العلاقة بين السلطة السياسية والمجتمع، ولعل أبرز ما يميز البيعة المغربية هو تواصلها عبر الأجيال، حيث تم تحرير عقد البيعة في كل مرة يتولى فيها الملك الجديد العرش.
النخبة السياسية وتفاعلاتها مع الملكية:
يتناول الكتاب بشكل مفصل تأثير النخبة السياسية المغربية على التوازنات السياسية، ويتبنى واتر بوري تعريفًا للنخبة السياسية بكونها الفئة المؤثرة في صنع القرار، مثل القبائل والزوايا والعائلات الفاسية، لكن العديد من النقاد يشيرون إلى أن الكتاب لا يولي اهتمامًا كافيًا للتغيرات التي طرأت على هذه النخبة بعد الاستقلال، خاصة في ظل التحديات التي واجهتها من قبل القوى الاستعمارية وصراعات ما بعد الاستقلال.
في النهاية يقدم كتاب “أمير المؤمنين: الملكية المغربية ونخبتها” للكاتب جون واتر بوري قراءة مهمة لفهم العلاقة بين إمارة المؤمنين والنخب السياسية في المغرب، إلا أن هذا الكتاب يعاني من بعض التحديات المنهجية، خاصة في تصنيف المجتمع المغربي وتفسير تحولات النخب السياسية، ورغم ذلك يظل الكتاب مرجعًا مهمًا لفهم تاريخ المغرب السياسي وعلاقته بالملكية ونخبتها السياسية.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=21859