قول عاجل في خرافة انشقاق القمر

محمد ابن الأزرق الأنجري
2020-06-17T08:55:07+01:00
آراء ومواقف
محمد ابن الأزرق الأنجري18 ديسمبر 2019Last Update : الأربعاء 17 يونيو 2020 - 8:55 صباحًا
قول عاجل في خرافة انشقاق القمر

محمد ابن الأزرق الأنجري
أولا :
نؤمن بقوله تعالى في سورة القمر : ( اقتربت الساعة وانشق القمر ) ، بمعنى : إذا اقتربت الساعة / القيامة قربا شديدا سينشق القمر ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات ).
ونرفض الخرافة القائلة بأن القمر انشق زمن النبي صلى الله عليه وسلم نصفين ثم التحم مجددا لأن انشقاق القمر من شأنه أن يحدث الدمار في الأرض ، ولأنها حادثة لو حصلت لسجلتها الدوائر العلمية حينئذ في البلاد المتمدنة ، ولبقيت آثار ذلك في القمر ، ولأن القرآن الكريم صرح بانتهاء الآيات الكونية وامتناعها فقال الله سبحانه : ( وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ۚ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا ۚ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ) .
قال الطبري في تفسيره : ( يقول تعالى ذكره: وما منعنا يا محمد أن نرسل بالآيات التي سألها قومك، إلا أن كان من قبلهم من الأمم المكذّبة، سألوا ذلك مثل سؤالهم؛ فلما آتاهم ما سألوا منه كذّبوا رسلهم، فلم يصدّقوا مع مجيء الآيات، فعوجلوا فلم نرسل إلى قومك بالآيات، لأنَّا لو أرسلنا بها إليها، فكذّبوا بها، سلكنا في تعجيل العذاب لهم مسلك الأمم قبلها.
وبالذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك … ) هـ
فما كنا لنصدق الرواية ونترك الآية .

ثانيا :
يزعم مروجو الخرافة أنها متواترة قطعية الثبوت وهم مقلدون أو واهمون أو كاذبون أو مدلسون …
فالقصة مروية عن أنس بن مالك، وجبير بن مطعم، وحذيفة، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين .
أما أنس فمن أهل المدينة وكان قبل الهجرة صبيا ، فكيف حضر الواقعة ؟
وأما ابن عباس فلم يكن مولودا !
وأما ابن عمر فكان قبل الهجرة طفلا ولم يصح سند خبره .
وحذيفة كان قبل الهجرة بالمدينة وليس بمكة ، وسند روايته ضعيف .
وجبير بن مطعم كان مشركا قبل الهجرة وحديثه ضعيف أيضا .
والصحابي الوحيد الذي صح الخبر عنه وكان موجودا بين المسلمين قبل الهجرة وصرّح برؤية القمر منشقا ، هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، ومنه أخذ الباقون خبر الانشقاق .
فكيف يدعي المنتسبون للعلم والفكر أن خرافة انشقاق القمر متواترة وهم يعلمون شروط التواتر ؟
لو صحت أحاديث هؤلاء كلهم ما كانت القصة متواترة إلا عند طائفة قليلة من المحدثين مع شرط أن يصرحوا جميعهم بمشاهدة انشقاق القمر ، أو ينسبوا جميعهم سماع الخبر من النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم بشرط أن ترويه عن كل واحد منهم جماعة من التابعين ثم جماعة من أتباعهم …
إن أحاديث هؤلاء الصحابة من طريق الآحاد إليهم ، فلم يتواتر عن أي واحد منهم ذلك .
فأرجو ان يخجل الزاعمون للتواتر من انفسهم أولا ومن المتابعين ثانيا .

ثالثا :
لم يذكر أحد من الصحابة أنه سمع قصة الانشقاق من النبي نفسه ، بل أرسلوا الخبر مسقطين الصحابي الذي منه سمعوا الخبر وهو ابن مسعود ، ولا مجال للزعم بأنهم سمعوها من النبي أو الصحابة الاخرين افتراضا ، فالصحابي الوحيد الذي روى الخبر على أنه حضره وشاهده هو ابن مسعود حصرا .
قال في رواية : ( انشق القمر على عهد رسول الله ﷺ حتى رأيت الجبل بين فرجتي القمر ) .
وفي أخرى : انشق القمر على عهد رسول الله ﷺ شقتين حتى نظروا إليه، فقال رسول الله ﷺ: ” اشهدوا ” .
ومن حقنا أن نشك في روايته المنفردة ، إذ لو صح أن الحدث وقع بمكة والصحابة مع رسول الله والمشركون حاضرون ، لذاع الخبر لجلالته وتناقلته كافة الصحابة ، ولأظهره من تأخر إسلامه منهم وكان مكيا ، وهو ما لم يحصل ، فهناك خلل حتما وحلقة مفقودة توصلنا إلى أن ابن مسعود لم يضبط الحدث جيدا .
فماذا يمكن أن يكون قد حدث ؟

رابعا :
روى الطبراني عن ابن عباس بإسناد جيد قال: كُسف القمر على عهد رسول الله ﷺ فقالوا: سَحَر القمر ، فنزلت: ( اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولواسحر مستمر) .
فالذي حصل من خلال هذه الرواية هو أن إشارة النبي للقمر صادفت كسوفه ، فظن المشركون أنه سحره لأنهم ينظرون بعين السخط ، وظن ابن مسعود أنه انشق لأنه ينظر بعين الرضا ، ثم صار يحدث على أنه حادثة انشقاق .
قال في رواية : انشق القمر على عهد رسول الله ﷺ حتى رأيت الجبل بين فرجتي القمر .
وفي ثالثة : لقد رأيت جبل حراء بين فلقتي القمر، فذهب فلقة، فتعجب أهل مكة من ذلك وقالوا: هذا سحر مصنوع سيذهب.
وكل ما حكاه ابن مسعود ينطبق على أحوال الخسوف والكسوف .
ويبدو أن المشركين الذين حضروا الواقعة لم يحصل في حياتهم خسوف ولا كسوف ، أو حصل ولم يروه ، فلم يكونوا يعرفونه ، لذلك ظنوه سحرا ، والخسوف والكسوف آيتان كونيتان بنص الحديث الصحيح أيضا .
وفي العالم اليوم من لا يعرف الخسوف والكسوف ولم يره على الرغم من قوة وسائل الإعلام .

خامسا :
روايات القصة مضطربة متنافرة ، ففي بعضها أن التحدي جاء من أهل مكة ، وفي أخرى أنه تحد من اليهود للنبي ، وأما الجبلان اللذان ظهر عليهما شقا القمر فحدث ولا حرج .
في رواية : رأوا نصفا على أبي قبيس ونصفا على قعيقعان .
وفي ثانية : أحدهما على الصفا والآخر على المروة، قدر ما بين العصر إلى الليل ينظرون إليه ثم غاب.
وفي ثالثة : فرقتين فرقة خلف الجبل ، دون تحديده وتحديد جهة الفرقة الثانية .
وفي رابعة : فرقة فوق الجبل الذي بمنى.
وفي خامسة : منشقا باثنتين بينهما حرا، أي لم يكونا على جبلين
وفي بعض الروايات أنه حصل ليلا ، وفي أخرى تقدمت أنه كان بين العصر إلى الغروب .
فليتفق الرواة على قصة واحدة ليستحق خبرهم النظر المعتبر .

سادسا :
بعض المغاربة من فرط حبهم وشوقهم ، رأوا السلطان محمدا الخامس في القمر أوائل الاستقلال !
وبعض الصحابة كابن مسعود إن صح عنهم خبر الانشقاق ، إنما سمعوا قوله تعالى ( اقتربت الساعة وانشق القمر ) بعدما تحدى المشركون النبي صلى الله عليه وسلم ، فتخيل هؤلاء الصحابة أن القمر انشق فعلا !!!
عاطفتهم دلست عليهم فرووا ما ما تخيلوا على أنه واقع !!!
الناس الْيَوْم يَرَوْن السحب فيتخيلون أنها تكتب اسم الجلالة الله أو النبي محمد أو كلمة التوحيد …كل ذلك بوحي العاطفة الدينية .
وحين كنّا صغارا ، قيل لنا إن في القمر صورة الحصان وغيره ، فرأيناها فعلا وتخيلناها !!!
كل هذا عجالة ، إذ لَم أتفرغ لدراسة أسانيد القصة والمقارنة بين رواياتها للكشف عن مدى سلامتها من التحريف والكذب والدس على ابن مسعود خاصة .
فماذا عساهم الفضلاء الذين يشبهون خرافات أبي هريرة بما ورثوه من تفسيرات خرافية لبعض آيات الكتاب الحكيم يقولون ؟

Short Link

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

Type a small note about the comments posted on your site (you can hide this note from comments settings)

Comments 3 تعليقات

  • انسانس

    اولا ابن الازرق استدل بتفسير الطبري فلماذا لم يستدل به في اية انشقاق القمر حيث قال الطبري : < اقتربت الساعة وانشق البقمر ” قال الطبري في تفسير الاية ” يقول جل ثناؤه ” وانفلق القمر و كان ذلك فيما ذكر على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو بمكة قبل هجرته الى المدينة و ذلك أن كفار أهل مكة سألوه اية فأراهم صلى الله عليه و سلم انشقاق القمر اية حجة على صدق قوله و حقيقة نبوءته فلما أراهم ذلك أعرضوا و كذبوا و قالوا هذا سحر مستمر سحرنا محمد فقال جل ثناؤه ” ان يروا اية يعرضوا و يقولوا سحر مستمر ” و بنحو ما قلنا في ذلك جاءت الاثارو قال به أهل التأويل . انتهى الطبري , لنعلم انه الهوى فقط و الغاية هي اسقاط السنة , عموما نواصل الرد
    وسابدا من هذه النقطة تحديدا ; والصحابي الوحيد الذي صح الخبر عنه وكان موجودا بين المسلمين قبل الهجرة وصرّح برؤية القمر منشقا ، هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، ومنه أخذ الباقون خبر الانشقاق . اقول لو صح كلام ابن الازرق كون ابن مسعود كان وحده فهذا لا يقدح في صحة الخبر و ليس شرطاً لصحة الرواية أن يرويها عن النبى صلى الله عليه و سلم الكثرة بل بل يكفى لصحة الحديث أن يرويه عن النبي صلى الله عليه و سلم و لو صحابي واحد قال ابن الصلاح :
    " أما الحديث الصحيح فهو الحديث المسند الذى يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه و لا يكون شاذاً و لا معللاً " ’ على سبيل المثال حديث :"إنما الأعمال بالنيات …"(17) فهذا من أهم الأحاديث فى الإسلام و وصفه بعض العلماء أنه نصف الإسلام ، و كل من يصنف فى الفقه أو الحديث يذكر هذا الحديث فى كتابه ، و لكن مع ذلك لم يرو الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم إلا عمر بن الخطاب و لم يروه عن عمر رضى الله عنه إلا علقمة بن وقاص الليثي و لم يروه عن علقمة إلا محمد بن إبراهيم التيمي و لم يروه عن محمد إلا يحيى بن سعيد الأنصاري ، و مع ذلك فالحديث صحيح فالمهم أن يكون كل رواة الحديث ثقات أى عدول ضابطون و أن لا يكون فى الحديث شذوذ و لا علة فهل نرفض هذا الحديث لان راويه واحد و بما أن جميع الصحابة عدول و الله عز و جل عدلهم فى كتابه فلا يهم إن كان الصحابي الذى يروى عن النبي صلى الله أبو بكر و عمر رضى الله عنهما أو غيرهما المهم أن يكون صحابياً فكل الصحابة صادقون يحفظون الحديث
    قال الله عز و جل :" وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " التوبة:100 , لكن ابن الازرق لا يفهم هذه الامور و هذه المعجزة حدثت ليلاً و شاهدها من كان مستيقظاً حينها فقد لا يكون أبو بكر و عثمان و على و عمر رضى الله عنهم ممن كان مستيقظاً حينها أو ممن كانوا مع النبى صلى الله عليه و سلم . أما بخصوص أن هذه معجزة كبيرة فكيف يكون ابن مسعود شاهدها الوحيد
    ، فعلينا أن نبيَّن أن هناك فرقاً بين أمرين :
    1- من شهد معجزة إنشقاق القمر.
    2- عدد رواة قصة إنشقاق القمر و أحوالهم.
    فعند الحديث عن من شهد معجزة انشقاق القمر ، فنحن نتحدث عن واقعة حدثت و كان هناك أشخاص وقت حدوثها شهدوها ، و إذا ثبت ذلك نقول أن المعجزة عليها شهود كثر ، و ذلك حدث مع معجزة إنشقاق القمر فنقول أن هذه المعجزة عليها شهود كثر فقد شهدها الصحابة الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه و سلم :
    عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال : انشَقَّ القمرُ على عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شِقَّينِ، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( اشهَدوا(
    الراوي: عبد الله بن مسعود المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم : 3636 – خلاصة حكم المحدث : صحيح
    و شهدها المشركون الذين طلبوها : قال الله عز و جل : و إنْ يَروا آيَةً يُعْرضوا و يَقولوا سِحْر مُسْتمر ( القمر:2)
    و شهدها من كان مسافراً حينها كذلك :
    عن عبد الله ابن مسعود رضى الله عنهما قال : انشقَّ القمرُ على عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقالت قريشٌ هذا سحرُ ابنُ أبي كبشةَ فقالوا أنظروا ما يأتيكم بهِ السُّفَّارُ فإنَّ محمدًا لا يستطيعُ أن يسحرَ الناسَ كلهم قال فجاءَ السُّفَّارُ فقالوا ذلك
    الراوي: عبد الله بن مسعود المحدث: ابن كثير – المصدر: أخرجه البخارى و أبو داوود الطيالسى فى مسنده- خلاصة حكم المحدث : إسناده قوى وله طرق.
    اذن فليس ابن مسعود من شهدها وحده كما زعم الانجري أما عند الحديث عن رواة حديث انشقاق القمر و عددهم فهذه قضية فى علم الحديث تتعلق بحصر عدد طرق الرواية و ليس فيها دليل على عدد الذين شهدوا المعجزة ، فليس شرطاً أن كل من شاهد انشقاق القمر يروى ذلك فإن هناك كثيراً ممن شهد الواقعة و لم يروها كالمشركين الذين رأوها مثلاً ، فهذه مسألة و هذه مسألة أخرى ،
    و قبل ان نرد على ابن الازرق لا باس ان نلزمه بقاعدة ذكرها في رده على الدكتور الريسوني حول حديث الخلافة فقال ابن الازرق ; : هل تؤمن بالقاعدة الحديثية القائلة: إن الحديث الضعيف إذا كان له طريقان ضعيفان، أو طريق واحد ضعيف ووجدت له شواهد تتضمن معناه، لزم تحسينه، فإذا تعددت طرقه وتكاثرت، صار صحيحا وإن كانت كلها ضعيفة على انفراد؟ فنلزمه بها كما قيل من فمك ادينك
    -رواية عبد الله بن عمر رضى الله عنهما :
    وجه الإعتراض : ابن عمر رضى الله عنهما كان صغير السن وقت حدوث المعجزة فكان عمر ابن عمر رضى الله عنهما فى الخامسة أو السادسة من عمره.
    الـــــــــــــــــــــــــــــــرد :
    أولاً: كان من المفترض أن يأتى بشروط الحديث الصحيح عند علماء الحديث ثم يقوم بعرض هذه الأحاديث على شروط الحديث الصحيح و من خلال ذلك يبين إذا كانت الرواية صحيحة أم ضعيفة ، لكنه لم يفعل بل اخترع شروطاً خاصة به !!!
    و نحن سنبين هل هذه الروايات صحيحة أم ضعيفة على شروط علماء الحديث
    شروط الحديث الصحيح :
    1- اتصال السند.
    2- عدالة الرواة.
    3- ضبط الرواة.
    4- انتفاء الشذوذ.
    5- انتفاء العلة.
    قال ابن الصلاح :
    " أما الحديث الصحيح فهو الحديث المسند الذى يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه و لا يكون شاذاً و لا معللاً "(18)
    قال عمر بن محمد البيقوني فى المنظومة البيقونية :
    أولها الصَّحيْح و هو ما اتَّصَل …….إسناده و لم يَشُذَّ أو يُعَلّ
    يرويه عَدْل ضابط عَنْ مِثْلِه …….. مُعْتَمَد فى ضَبْطه و نقله (19)
    فلابد أن يتصل السند بأن يسمع كل راوٍ عمن فوقه ، و أن يكون كل الرواة عدول ضابطون و لا يوجد فى الحديث شذوذ و لا علة.
    و كل شرط من هذه الشروط يطول شرحه لكننا سنقتصر على الشروط التى يجب أن تتوفر فى رواة الحديث
    1- أن لا يكون كافراً .
    2- أن يكون مكلفاً فلا يكون غير بالغ-صبى- و لا كافر و لا مجنون.
    3- أن لا يكون متلبساً بفسق.
    4- أن لا يكون متلبساً بخوارم المروءة.
    5- أن لا يكون مغفلاً
    قال ابن الصلاح :
    "أجمع جماهير أئمة الحديث و الفقه على أنه يشترط فيمن يحتج بروايته أن يكون عدلاً،ضابطاً لما يرويه.و تفصيله أن يكون مسلماً بالغاً،عاقلاً، سالماً من أسباب الفسق و خوارم المروءة،متيقظاً غير مغفل ، حافظاً إن حدث من حفظه ، ضابطاً لكتابه…"(20)
    و الضبط باختصار: الإتقان و الحفظ الجيد عند التحمل-أى سماع الحديث- و عند الأداء-أى رواية الحديث، كما جاء فى كلام ابن الصلاح.
    فحتى نقول أن رواية ابن عمر رضى الله عنهما لا تقبل روايته يجب أن يكون غير عدل أو غير ضابط ، و ابن عمر رضى الله عنهما عدل ضابط تقبل روايته لكنه كان صبياً وقت حدوث المعجزة و حتى يكون الراوي عدلاً يجب أن لا يكون صبياً فكيف تُقْبَل روايته؟
    الإجابة : العدالة تشترط عند الأداء – أى عند رواية الحديث- فقط و ليس عند سماع الحديث أو شهود القصة أو الواقعة التى يرويها ، فنعم يجب أن لا يكون الراوي صبياً لكن هذا يجب عندما يروى الحديث لمن بعده و ليس عند شهوده على معجزة انشقاق القمر أو سماع الحديث الذى يرويه ، و ابن عمر رضى الله عنهما شهد على القصة و هو صغير لكنه رواها و هو بالغ و هذا يجعل روايته صحيحة فالعدالة تشترط عند الأداء فقط – أى رواية الحديث لمن بعده.
    قال ابن الصلاح :
    " يصح التحمل قبل وجود الأهلية فتقبل رواية من تحمل قبل الإسلام و روى بعده ، و كذلك رواية من سمع قبل البلوغ و روى بعده "(21)
    فإذاً رواية ابن عمر رضى الله عنهما صحيحة بالرغم من كونه صغيراً وقت حدوث معجزة إنشقاق القمر ، فيصح سماع الصبي و شهود القصة التى يرويها
    رواية عبد الله بن عباس و أنس رضى الله عنهما :
    وجه الإعتراض : عبد الله بن عباس رضى الله عنهما ولد قبل حدوث معجزة إنشقاق القمر و أنس بن مالك رضى الله عنهما لم يكن موجوداً وقتها بل صار خادم النبي صلى الله عليه و سلم لما هاجر النبي صلى الله عليه و سلم إلى المدينة و المعجزة حدثت فى مكة .
    الــــــــــــــــــــــــــــــــــــرد:
    عبد الله بن عباس رضى الله عنهما فعلاً ولد صغيراً ، لكن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما ظل يطلب العلم و حرص على أن يتعلم من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ما فاته تعلمه من النبي صلى الله عليه و سلم ، فكان لا يسمع أن أحداً معه حديث إلا و سارع إليه و سأله عنه ، و يقول ابن عباس رضى الله عنهما :
    "إن كنت لأسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم"(22)
    و قال رضى الله عنه أيضاً: " لما قبض رسول الله قلت لفتى من الأنصار: هلمّ فلنسأل أصحاب رسول الله، فإنهم اليوم كثير. فقال: يا عجبا لك يا بن عباس!! أترى الناس يفتقرون إليك، وفيهم من أصحاب رسول الله من ترى؟؟ فترك ذلك، وأقبلت أنا أسأل أصحاب رسول الله. فان كان ليبلغني الحديث عن الرجل، فآتي إليه وهو قائل في الظهيرة، فأتوسّد ردائي على بابه، يسفي الريح عليّ من التراب، حتى ينتهي من مقيله، ويخرج فيراني، فيقول: يا ابن عم رسول الله ما جاء بك؟؟ هلا أرسلت إليَّ فآتيك؟ فأقول لا، أنت أحق بأن أسعى إليك، فأسأله عن الحديث وأتعلم منه"(23)
    فابن عباس رضى الله عنهما لم يشهد المعجزة لكنه نقلها عن صحابة آخرين ، و يصح أن يروى صحابي عن صحابي -و إن لم يذكر اسمه – فجميع الصحابة عدول ضابطون .
    أما رواية أنس بن مالك رضى الله عنهما ، فهناك ثلاثة احتمالات :
    1- أن يكون تلقاه عن باقى الصحابة رضى الله عنهم.
    2- أن يكون أخذ ذلك من النبي صلى الله عليه و سلم مباشرة.
    3- أن يكون أخذ ذلك من الجميع.
    و فى كل هذه الاحتمالات تصح الرواية ، فإنه يصح أن يروى صحابي عن صحابي آخر و كل الصحابة صادقون حافظون ، و إن كان تلقاه عن النبي صلى الله عليه و سلم تصح الرواية كذلك ، و إن كان أخذ الرواية عن الجميع فهذا يثبت أنه كان الكثير جداً يعرفون بوقوع هذه المعجزة للنبي صلى الله عليه و سلم .
    فروايتي ابن عباس و أنس رضى الله عنهم صحيحتان
    رواية جبير بن مطعم رضى الله عنه:
    قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن كثير ، حدثنا سليمان بن كثير ، عن حصين بن عبد الرحمن ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، قال : انشق القمر على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فصار فرقتين : فرقة على هذا الجبل ، وفرقة على هذا الجبل ، فقالوا : سحرنا محمد . فقالوا : إن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم .
    تفرد به الإمام أحمد من هذا الوجه ، وأسنده البيهقي في " الدلائل " من طريق محمد بن كثير ، عن أخيه سليمان بن كثير ، عن حصين بن عبد الرحمن ، [ به ] . وهكذا رواه ابن جرير من حديث محمد بن فضيل وغيره عن حصين ، به . ورواه البيهقي أيضا من طريق إبراهيم بن طهمان وهشيم ، كلاهما عن حصين عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، عن جده فذكره .فالحديث صحيح عن جبير بن مطعم أخرجه الترمذي في سننه كتاب تفسير القران باب سورة ااقمر و صحح اسناده الالباني في صحيح و ضعيف سنن الترمذي و لا ننسى قاعدة ابن الازرق اعلاه و الغريب ان ابن الازرق قال ولأظهره من تأخر إسلامه منهم وكان مكيا ، وهو ما لم يحصل ،وجبير نفسه قد تاخر اسلامه
    رواية حذيفة رضى الله عنه : روى أبو نعيم في (الدلائل) من طريق عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: خطبنا حذيفة بن اليمان بالمدائن فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ) اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمر(القمر:1) ألا وإن الساعة قد اقتربت، ألا وإن القمر قد انشق، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق، ألا وإن اليوم المضمار وغدا السباق ، فلما كانت الجمعة الثانية انطلقت مع أبي إلى الجمعة فحمد الله وقال مثله وزاد ألا وإن السابق من سبق إلى الجمعة، فلما كنا في الطريق قلت لأبي: ما يعني بقوله – غدا السباق – قال: من سبق إلى الجنة.
    قال ابن الازرق وحذيفة كان قبل الهجرة بالمدينة وليس بمكة ، وسند روايته ضعيف . فنقول العبرة بالسند ثم ان حذيفة لم يقل حضرت بل قال ان القمر قد انشق وان حرف توكيد فما الضير ان كان حذيفة نقلها من عند صحابي اخر فالصحابة كانوا يعلمون بعضهم بعضا و لا يتهمون بعضهم بعضا ولا ندري من اين جاء ان الرواية ضعيفة ربما هي العجالة كما قال فان العجلة من الشيطان
    قال ابن الازرق روى الطبراني عن ابن عباس بإسناد جيد قال: كُسف القمر على عهد رسول الله ﷺ فقالوا: سَحَر القمر ، فنزلت: ( اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولواسحر مستمر) . قلت قال الطبراني في الأوسط 8315 – حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ زَكَرِيَّا، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْقُطَيْعِيُّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: سَحَرَ الشَّمْسَ، «فَتَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ} [القمر: 2] الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ»
    لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، إِلَّا الْبُرْسَانِيُّ "
    كتاب الأوسط للطبراني خصصه لغرائب شيوخه فكيف تعل رواية فيه رواية الصحيح
    الله أكبر !
    والبرساني هذا صدوق قد يخطيء والطبراني صرح بتفرده
    والواقع أن ذكر ابن عباس في الرواية وهم وذكر الكسوف في الرواية وهم آخر
    قال عبد الرزاق في المصنف 4941 – عن بن جريج قال أخبرني عمرو بن دينار عن عكرمة مولى بن عباس قال كسف القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا سحر القمر فقال النبي صلى الله عليه و سلم اقتربت الساعة وانشق القمر إلى مستمر
    فهذا هو المحفوظ المرسل فلا ذكر لابن عباس
    ثم إن سفيان بن عيينة وهو أوثق الناس في عمرو بن دينار رواه بلفظ انشق القمر
    جاء في جزء سعدان 55 – حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ سُحِرَ الْقَمَرُ، سُحِرَ الْقَمَرُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا ويقولوا سحر مستمر}.
    وقال نعيم بن حماد في الفتن 1682 – حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: " انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَقَّتَيْنِ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: سِحْرٌ، فَنَزَلَتِ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر: 2] "
    ولو فرضنا أن رواية عكرمة بغير لفظ الانشقاق فروايته مرسلة مناقضة للمتصل والمتواتر في الباب
    قال روايات القصة مضطربة متنافرة ، ففي بعضها أن التحدي جاء من أهل مكة ، وفي أخرى أنه تحد من اليهود للنبي ، وأما الجبلان اللذان ظهر عليهما شقا القمر فحدث ولا حرج . قلت سبحان الله من اين جاء ان التحدي جاء من طرف اليهود و مكة كان بها كفار قريش ربما هي العجالة
    سنفترض أن هناك اختلاف فعلاً فى تفاصيل هذه المعجزة ، و أن الروايات فيها اختلاف هل ذهبت فرقتي القمر على هذا الجبل أم على هذا الجبل ، فإن الحديث يكون فيه علة ، فالرواة اختلفوا أين ذهب شقي القمر ، لكن هذه العلة لا تقدح فى صحة الحديث ، فحتى تكون العلة سبباً لرد الحديث وعدم قبوله لابد أن تكون قادحة بمعنى أن تكون فى صلب الحديث ، أما لو كانت العلة أو الإختلاف فى شئ ثانوى، و ليس فى صلب الحديث بل فى تفاصيل أخرى ،فهنا يكون الحديث صحيحاً لأن العلة لا تقدح فى صلب الحديث ، و لكن التفاصيل التى اختلف فيها الرواة يكون فيها اختلاف و نقوم بالترجيح بينها أو نتوقف فيها ، لكن يظل موضوع الحديث الرئيسى صحيحاً و هو انشقاق القمر فى عهد النبي صلى الله عليه و سلم
    قال عمر بن محمد البيقوني فى البيقونية :
    وَمَاْ بِعِلَّة غُمُوضٍ أَوْ خَفَا …. مُعَلل عِنْدَهم قَدْ عُرفاْ (24)
    قال ابن عثيمين رحمه الله فى شرحه على المنظومة:
    [ إذاً فيشترط للحديث الصحيح شروط أخذنا منها ثلاثة وهي:
    1 ـ اتصال السند.
    2 ـ أن يكون سالماً من الشذوذ.
    3 ـ أن يكون سالماً من العلة القادحة.
    ……. لذلك قلنا لابد من إضافة قيد وهو: أن تكون العلة قادحة، والعلة القادحة هي التي تكون في صميم موضوع الحديث، أما التي تكون خارجاً عن موضوعه فهذه لا تكون علة قادحة.
    ولنضرب على ذلك مثلاً بحديث فضالة بن عبيد ـ رضي الله عنه ـ في قصة القلادة الذهبية التي بيعت باثني عشر ديناراً، والدينار نقد ذهبي، ففُصلت فوجد فيها أكثر من اثني عشر ديناراً ، واختلف الرواة في مقدار الثمن ، فمنهم من قال: اثني عشر ديناراً ،ومنهم من قال: تسعة دنانير، ومنهم من قال: عشرة دنانير، ومنهم من قال غير ذلك، وهذه العلة ـ لا شك ـ أنها علة تهزُّ الحديث، لكنها علة غير قادحة في الحديث، وذلك لأن اختلافهم في الثمن لا يؤثر في صميم موضوع الحديث وهو: أن بيع الذهب بالذهب، إذا كان معه غيره، لا يجوز ولا يصح](25)
    ثانياً: ليس هناك تناقض بين من يقول أن القمر انشق و هم فى مكة ، و بين من يقول أن القمر انشق و هم فى منى ، فقولهم ( انشق القمر و نحن فى مكة ) أى قبل الهجرة إلى المدينة ، و قد جاء ذلك فى بعض الروايات : ( قبل أن نصير إلى المدينة ) و من كان فى منى يقال له فى مكة لأن منى قريبة من مكة
    جاء فى تاج العروس :
    [ و منى-كإلى-: قرية فى مكة ](26)
    فى المعجم الوجيز :
    [ مِنَى : بلدَةٌ قرب مكَّة ينزلها الحجاجُ أَيامَ التشريق .](27)
    فإذاً لا تعارض بين من يقول ( فى مكة ) و بين من يقول ( فى منى )
    ثالثاً: سنعرض لكم الروايات التى جاءت فى انشقاق القمر من طريق ابن مسعود رضى الله عنها و نأتى بمعناها ثم ننظر هل هذه الروايات متناقضة فى المعنى أم متفقة
    وصف انشقاق القمر فى الروايات عن ابن مسعود رضى الله عنهما:
    فى رواية البخارى عن ابن مسعود : " و ذهبت فرقة نحو الجبل "
    فى صحيح مسلم : " فستر الجبل فلقة ، و كانت فلقة نحو الجبل "
    هذه الروايات كلها مع روايات الآخرين ليس بينها تعارض ، فالأوصاف الواردة فى الروايات:
    1- حتى رأوا حراء بينهما.
    2- فذهبت فرقة نحو الجبل .
    3- حتى رأيت الجبل بين فرجتى القمر.
    و هذه الأوصاف كلها مع اختلاف لفظها تدل على وصف واحد فقط هو:
    قال ابن كثير فى البداية و النهاية :
    " و القمر فى حال انشقاقه لم يزايل السماء بل انفرق بائنتين ، و سارت إحداهما حتى صارت وراء جبل حراء ، و الأخرى من الناحية الأخرى، و صار الجبل بينهما "(28)
    و هذا الذى قاله ابن كثير هو معنى كل الروايات التى جاءت فى وصف انشقاق القمر
    و كذلك ظنَّ أن معنى :"دون الجبل " أى تحت الجبل !!! كما فى آخر صورة له
    و هذا غلط ، فإن معنى " دون الجبل " أى قرب الجبل ، فكلمة ( دون ) تعنى فى اللغة العربية القرب كذلك ، و منه قول المثقَّب العبدي من شعراء الجاهلية :
    فلا تعدى مواعد كاذبات …. تمرُّ بها رياح الصيف دونى
    قال الشوكانى فى فتح القدير:
    [ ( وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون ) قال المفسرون : إن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يجعل لهم الصفا ذهباً و أن ينحى عنهم جبال مكة فأتاه جبريل فقال :" إن شئت كان ما سأل قومك و لكنهم إن لم يؤمنوا بها لم يمهلوا ، و إن شئت استأنيت بهم "فأنزل الله هذه الآية ، والمعنى : وما منعنا من إرسال الآيات التي سألوها إلا تكذيب الأولين ، فإن أرسلناها وكذب بها هؤلاء عوجلوا ولم يمهلوا كما هو سنة الله سبحانه في عباده ، فالمنع مستعار للترك ، والاستثناء مفرغ من أعم الأشياء ، أي : ما تركنا إرسالها لشيء من الأشياء إلا تكذيب الأولين ، فإن كذب بها هؤلاء كما كذب بها أولئك لاشتراكهم في الكفر والعناد حل بهم ما حل بهم](1)
    و الله عز و جل قادر على أن ينفذ لهم ما طلبوا لكنه لم يحققها لهم لأنه عز و جل يعلم أنهم سيكذبون بها و لو نفذ الله عز و جل لهم هذه المعجزات و كذبوا بها سيهلكهم الله عز و جل كما أهلك من قبلهم لتكذيبهم بالآيات كقوم صالح ، فخيَّر الله عز و جل رسوله صلى الله عليه و سلم بين أمرين : إما أن ينفذ لهم ما طلبوا من المعجزات لكنه لن يمهلهم بعد ذلك و إذا كذبوا بها سيهلكهم ، و إما أن يملهم و لا يحقق لهم ما طلبوا فهم سيكذبون بهذه الآيات فى النهاية فلا يهلكهم الله عز و جل فإنه قد يظهر منهم من يؤمن بعد ذلك ، فاختار النبي صلى الله عليه و سلم الخيار الثانى كما ورد فى كلام الشوكانى رحمه الله.
    قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
    [ و كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه و سلم الآيات فمنها ما يأتيهم الله به لحكمة أرادها الله سبحانه و تعالى ، فمن ذلك أنهم سألوه أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر و أنزل قوله تعالى ( اقتربت الساعة و انشق القمر) …. و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم طلب من الآيات – التى يقترحون-رغبة منه فى إيمانهم فيجاب بأنها : لا تستلزم الهدى بل توجب عذاب الاستئصال لمن كذب بها ](2)
    قال ابن كثير تفسيره :
    [قال سنيد عن حماد بن زيد عن أيوب عن سعيد بن جبير قال : قال المشركون يا محمد إنك تزعم أنه كان قبلك أنبياء فمنهم من سخرت له الريح ومنهم من كان يحيي الموتى فإن سرك أن نؤمن بك ونصدقك فادع ربك أن يكون لنا الصفا ذهبا فأوحى الله إليه إني قد سمعت الذي قالوا فإن شئت أن نفعل الذي قالوا فإن لم يؤمنوا نزل العذاب فإنه ليس بعد نزول الآية مناظرة وإن شئت أن نستأني بقومك استأنيت بهم قال يا رب استأن بهم
    وكذا قال قتادة وابن جريج وغيرهما…..ولهذا قال تعالى ( وما منعنا أن نرسل بالآيات ) أي نبعث الآيات ونأتي بها على ما سأل قومك منك فإنه سهل علينا يسير لدينا إلا أنه قد كذب بها الأولون بعدما سألوها وجرت سنتنا فيهم وفي أمثالهم أنهم لا يؤخرون إذا كذبوا بها بعد نزولها كما قال الله تعالى في المائدة: ( قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين )](3)
    و نفس الأمر بالنسبة لآيات سورة الرعد كما قال ابن كثير فى تفسيره للآية السابعة من هذه السورة.
    قال ابن كثير:
    [يقول تعالى إخبارا عن المشركين أنهم يقولون كفرا وعنادا : لولا يأتينا بآية من ربه كما أرسل الأولون ، كما تعنتوا عليه أن يجعل لهم الصفا ذهبا ، وأن يزيل عنهم الجبال ، ويجعل مكانها مروجا وأنهارا ، قال الله تعالى) : وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا (]
    هذا و بالله التوفيق

  • انسانس

    ثم نأتي بعد هذا الى الاحاديث , قال ابن الازرق وأما ابن عباس فلم يكن مولودا !
    فنقول له نعم لم يكن مولودا ثم ماذا هل نقدح في شهادته بمجرد أنه لم يكن موجودا و قد قال ابن عباس ” انشق القمر في زمان النبي صلى الله عليه و سلم ” رواه البخاري , فهل ابن عباس قال رأيت أو حضرت أو شاهدت , لا أبدا بل قال ” انشق القمر في زمان النبي ” وفقوله في زمان النبي يدل على أنه لم يكن حاضرا وقتها ثم لنا ان نسأل ابن الازرق ابن عباس شهادة من سينقل هل شهادة الصحابة أم شهادة غيرهم ؟ . طبعا سينقل شهادة الصحابة و ان لم سمي لنا الصحابة فجهالة الصحابة لا تضر لانهم عدول و الصحابة كانوا يعلمون بعضهم بعض و ما يتهم بعضهم بعض فمن يتهمهم الا ابن الازرق و من على شاكلته , فشهادة ابن عباس لا يستهان بها خاصة اذا كان حريصا على العلم و التعلم فقد قال قال: “لما تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قلتُ لرجل من الأنصار: يا فلان، هلمَّ فلنسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنهم اليوم كثير، فقال: واعجبًا لك يا بن عباس، أترى الناس يحتاجون إليك، وفي الناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مَنْ ترى؟! فترك ذلك، وأقبلتُ على المسألة… قال: وكان ذلك الرجل بعد ذلك يراني، وقد ذهب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واحتاج الناس إليَّ، فيقول: كُنتَ أعقلَ مني يا بن عباس”؛ [البخاري في الصحيح]. بل أنه رضي الله عنه كان ينام أمام بيت الصحابي ليتعلم منه عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: “كنتُ لآتي الرجل في الحديث، يبلغني أنه سمِعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجده قائلًا فأتوسَّدُ ردائي على بابه، فتسفي الريحُ على وجهي التراب، فيخرج فيراني، فيقول: يا بن عم رسول الله، ما جاء بك؟ ألا أرسلتَ إليَّ فآتيك؟ فأقول: أنا حق أن آتيك، فأسأله عن الحديث”؛ [الدارمي في السنن]. بل أنه كان يسأل ثلاثين صحابي في الامر الواحد ويقول عن نفسه: إِنْ كُنْتُ لَأَسأَلُ عَنِ الأَمرِ الوَاحِدِ ثَلَاثِينَ مِن أَصحَابِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم ” , عن سليمان الاحول عن طاووس , و سليمان الاحول ثقة عند العلماء و قد روى عن طاووس و طاووس كان من تلاميذ ابن عباس رضي الله عنه قال مجاهد: كان ابن عباس يُسَمَّى البحر لكثرة علمه، وقال عطاء: ما رأيت مجلسًا قط أكرم من مجلس ابن عباس، أكثر فقهًا، ولا أعظم هيبة، أصحاب القرآن يسألونه، وأصحاب العربية يسألونه، وأصحاب الشعر عنده يسألونه، فكلهم يصدر في واد واسع. اذن فشهادة ابن عباس رضي الله عنه لا يستهان بها أبدا , ثانيا قال ابن الازرق وأما ابن عمر فكان قبل الهجرة طفلا ولم يصح سند خبره .قلت و هذا تكلف و تصنع للعلم فما المانع أن يكون ابن عمر طفل و من منا لا يتذكر أحداثا ووقائع جرت له في طفولته و صباه و الحديث جاء في صحيح المسند من دلائل النبوة و ايضا حديثه أخرجه الحاكم في مستدركه كتاب التفسير و قال عنذ الذهبي في التلخيص صحيح , أما قول ابن الازرق ” أما أنس فمن أهل المدينة وكان قبل الهجرة صبيا ، فكيف حضر الواقعة ؟ . قلت كونه كان صبيا لا يضر فكم منا من يتذكر أحداثا وقعت له في صباه فضلا على أنه لم يقل أنه شهد الواقعة بل قال ” سأل أهل مكة أن يريهم اية فاراهم انشقاق القمر ” حتى و ان كان موجودا فلا يضر كما قلنا , أما قوله عن جبير ” وجبير بن مطعم كان مشركا قبل الهجرة وحديثه ضعيف أيضا .” قلت ايضا هذا جهل منه فكون جبير كان مشركا ايضا لا يضر و انما قال الخبر بعد اسلامه فمله الصدق لانه صحابي و الصحابة عدول أما سنده فهو صحيح أخرجه الترمذي في سننه كتاب التفسير و صحح اسناده الالباني في صيح و ضعيف سنن الترمذي و العجيب أن ابن الازرق قال ” ولأظهره من تأخر إسلامه منهم وكان مكيا ، وهو ما لم يحصل ” وجبير بن مطعم تأخر اسلامه فأين هي العقول ؟ أما قوله ايضا ” وحذيفة كان قبل الهجرة بالمدينة وليس بمكة ، وسند روايته ضعيف .” أيضا كذب فقد جاء في المستدرك على الصحيحين و حكم عليه بالصحة اي صحيح الاسناد
    روى الطبراني عن ابن عباس بإسناد جيد قال: كُسف القمر على عهد رسول الله ﷺ فقالوا: سَحَر القمر ، فنزلت: ( اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولواسحر مستمر) . أقول قال الطبراني في الأوسط 8315 – حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ زَكَرِيَّا، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْقُطَيْعِيُّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: سَحَرَ الشَّمْسَ، «فَتَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ} [القمر: 2] الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ»
    لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، إِلَّا الْبُرْسَانِيُّ ”
    كتاب الأوسط للطبراني خصصه لغرائب شيوخه فكيف تعل رواية فيه رواية الصحيح
    الله أكبر !
    والبرساني هذا صدوق قد يخطيء والطبراني صرح بتفرده
    والواقع أن ذكر ابن عباس في الرواية وهم وذكر الكسوف في الرواية وهم آخر
    قال عبد الرزاق في المصنف 4941 – عن بن جريج قال أخبرني عمرو بن دينار عن عكرمة مولى بن عباس قال كسف القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا سحر القمر فقال النبي صلى الله عليه و سلم اقتربت الساعة وانشق القمر إلى مستمر
    فهذا هو المحفوظ المرسل فلا ذكر لابن عباس
    ثم إن سفيان بن عيينة وهو أوثق الناس في عمرو بن دينار رواه بلفظ انشق القمر
    جاء في جزء سعدان 55 – حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ سُحِرَ الْقَمَرُ، سُحِرَ الْقَمَرُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا ويقولوا سحر مستمر}.
    وقال نعيم بن حماد في الفتن 1682 – حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: ” انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَقَّتَيْنِ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: سِحْرٌ، فَنَزَلَتِ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر: 2] ”
    ولو فرضنا أن رواية عكرمة بغير لفظ الانشقاق فروايته مرسلة مناقضة للمتصل والمتواتر في الباب
    ومما يجعلك تتعجب من هذا الباحث أنه يقول ابن عباس لم يدرك الحادثة ؟
    يعل كالمستشرقين !
    وهل ابن عباس يأخذ حادثة كهذه وهو ترجمان القرآن وابن عم النبي من أهل الكتاب مثلاً !
    وقد صح عن عامة تلاميذه القول بانشقاق القمر
    ومن تهريج ذلك الباحث طعنه في رواية الأعمش عن مجاهد في الانشقاق بحجة أن الأعمش لم يسمع من مجاهد إلا أربعة أحاديث أو خمسة أو عدد محدود
    وجهل المسكين أن حديث الانشقاق أحدها !
    لأن أحاديث الأعمش عن مجاهد كثير منها دليل السماع فيه رواية شعبة عن الأعمش
    وإليك تفصيل ذلك

    أحاديث الأعمش عن مجاهد في الصحيحين كالتالي

    1_ حديث (( لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا ))

    رواه البخاري من حديث شعبة عنه

    ورواية شعبة عن الأعمش حكمها الاتصال لأنه لم يكن يروي عن شيوخه الأحاديث المدلسة

    قال ابن عدي في الكامل كتب إلي محمد بن أيوب الرازي ، أخبرني حفص بن عمر قال : سمعت أبا داود يقول : رأيت رجلا يقول لشعبة : قل حدثني أو أخبرني ، فقال له شعبة : فقدتك ، وعدمتك ، وهل جاء أحد قبلي ؟

    وآثاره في ذلك كثيرة

    2_حديث (( من الشجر شجرة بركتها كالمسلم )) رواه البخاري وقد صرح الأعمش بالتحديث عنده في كتاب الأطعمة وتابعه جماعة عند البخاري ومسلم

    3_ (( الرحم معلقة بالعرش _____)) رواه البخاري وقد توبع الأعمش عليه من قبل فطر والحسن بن عمرو في نفس الرواية
    4_ (( كن في الدنيا كأنك غريب )) الحديث رواه البخاري بتصريح الأعمش بالتحديث

    قال ابن حبان في روضة العقلاء (ص148و149)

    (( قد مكثت مدة أظن أن الأعمش دلسه عن مجاهد حتى رأيت علي بن المديني رواه عن الطفاوي فصرح بالتحديث ))

    قلت وأما العقيلي فاعتبر رواية التصريح بالتحديث معلولة

    نقل ذلك ابن حجر في النكت الظراف ولا يحضرني مصدر توثيقه( ثم وجدته في الضعفاء )

    5_ (( ائذنوا للنساء إلى المساجد بالليل ))
    رواه مسلم وقد توبع الأعمش عنده من قبل عمرو بن دينار ومجاهد من قبل بلال بن عبدالله

    6_ (( إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير )) رواه البخاري وقد صرح الأعمش بالتحديث عنده (6052)

    7_ حديث انشقاق القمر رواه مسلم من حديث شعبة عنه

    وبهذا يعلم أن ما رواه الأعمش عن مجاهد بالعنعنة لا يقبل

    وإتماماً للفائدة أورد هنا الأحاديث التي ثبت فيها تصريح الأعمش بالتحديث من مجاهد أو كانت من رواية شعبة عنه

    الحديث الأول حديث (( لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا ))

    رواه البخاري من حديث شعبة عنه

    الحديث الثاني حديث (( من الشجر شجرة بركتها كالمسلم )) رواه البخاري وقد صرح الأعمش بالتحديث عنده في كتاب الأطعمة

    الحديث الثالث (( إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير )) رواه البخاري وقد صرح الأعمش بالتحديث عنده (6052)

    الحديث الرابع حديث انشقاق القمر رواه مسلم من حديث شعبة عنه

    الحديث الخامس (( لو أن قطرةً من الزقوم ____)) رواه الطيالسي (2643) وابن ماجة (4325) من حديث شعبة عنه

    الحديث السادس (( أنذرتكم الدجال __________)) رواه أحمد (23685) وهو من حديث شعبة عنه

    الحديث السابع حديث (( كم في الدنيا كأنك غريب )) رواه البخاري وعند صرح الأعمش بالتحديث

    الحديث الثامن رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ ( 3/147) حدثني عمر بن حفص قال حدثني أبي قال ثنا الأعمش قال حدثني مجاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بجمل قد اشتراه _________))

    الحديث التاسع رواه يعقوب بن سفيان أيضاً في المعرفة والتاريخ (3/147) حدثنا ابن نمير عن أبيه عن الأعمش حدثنا مجاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن أعتى الناس على الله من قتل غير قاتله ))

    وقال يعقوب بن شيبة في مسنده: “ليس يصح للأعمش عن مجاهد إلا أحاديث يسيرة، خمسة أو نحوها، قلت لعلي بن المديني: كم سمع الأعمش من مجاهد؟ قال: لا يثبت منها إلا ما قال: “سمعت”، هي نحو من عشرة، وإنما أحاديث مجاهد عنده عن أبي يحيى القتات، وحكيم بن جبير، وهؤلاء”

    فلا تصل للعدد الذي قاله ابن المديني أو حتى غيره حتى تدخل معها ما روى شعبة عنه كبرهان على السماع

    ونظير ما فعل هذا الباحث المتعجل فعل الدكتور خالد كبير علال في نقده لعدنان إبراهيم فقد أجاد في نقاط عديدة ولكنه أسرف إسرافاً عجيباً في طعنه في فضائل علي بن أبي طالب حتى المروي في الصحيح منها وتكلف في نقدها حتى طعن في الأعمش والحكم بن عتيبة وغيرهم وينبغي أن يفرد رد على كلامه هذا فلا يجرمننا شنآن عدنان على الإنصاف والباطل لا يرد بباطل

    فلو أنه ألزم عدنان على قاعدته في الطعن في الأخبار الصحيحة والمتواترة بأن يطعن في فضائل علي بنفس طريقته خصوصاً وأن عامتها رواتها من الشيعة

    ولكنني وجدت الدكتور يتكلف الطعن على الانفراد وقال كلاماً ليس بالحسن حول حروب علي ولا حول ولا قوة إلا بالله

    ونفى أن الله يوصف ب( الشخص ) مع أن هذا حديث في الصحيحين ( لا شخص أغير من الله )

    وكما في رده على الزرادشتية نفى أن يكون للنور فضلاً على الظلمة وظاهر القرآن يناقض هذا (ليخرجكم من الظلمات إلى النور )

    وقريب من هذه الجرأة جرأة طه الدليمي الذي طعن في حديث الكساء ثم ادعى أنه من دس الشيعة وكان يكفيه بيان دلالة النصوص على دخول أمهات المؤمنين في أهل البيت وأنها أقوى وأظهر وأن حديث الكساء صح أو لم يصح فإنه لا ينفي دخول غير الأربعة الذين جللوا بالكساء كما قال تعالى : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) فليس معنى قوله تعالى ( ذلك الدين القيم ) حصر الدين القيم في هذا الحكم

    ولكنه أبى إلا الطعن في أهل الحديث وإظهارهم في صورة السذج

    قال ابن حبان في صحيحه 6976 – أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، قَالَا: حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ شَدَّادٍ أَبِي عَمَّارٍ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَنْ عَلِيٍّ فِي مَنْزِلِهِ، فَقِيلَ لِي ذَهَبَ يَأْتِي بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ جَاءَ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَخَلْتُ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْفِرَاشِ، وَأَجْلَسَ فَاطِمَةَ عَنْ [ص:433] يَمِينِهِ وَعَلِيًّا عَنْ يَسَارِهِ، وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَالَ: «{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ} [الأحزاب: 33] أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي»، قَالَ وَاثِلَةُ: فَقُلْتُ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ: وَأَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ أَهْلِكَ؟ قَالَ: «وَأَنْتَ مِنْ أَهْلِي»، قَالَ وَاثِلَةُ: إِنَّهَا لَمِنْ أَرْجَى مَا أَرْتَجِي
    وهذا غير سند مسلم ومع قوته هو إسناد شامي حيث لا تشيع
    روايات القصة مضطربة متنافرة ، ففي بعضها أن التحدي جاء من أهل مكة ، وفي أخرى أنه تحد من اليهود للنبي ، وأما الجبلان اللذان ظهر عليهما شقا القمر فحدث ولا حرج . لا أدري حقيقة متى جاء التحدي من طرف اليهود و انما كان في مكة كفار قريش فاللهم أعلم من اين جاء بها ابن الازرق
    قال أحمد في مسنده 3583 – ثنا سفيان عن بن أبي نجيح عن مجاهد عن أبي معمر عن بن مسعود : انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم شقتين حتى نظروا إليه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اشهدوا.

    وهذا الخبر في الصحيحين

    وروي عن ابن مسعود من طريق مؤمل ثنا إسرائيل عن سماك عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله عند أحمد

    وقال أحمد أيضاً 13947 – ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة وحجاج حدثني شعبة قال سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك أنه قال : انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فرقتين.

    وهذا في الصحيحين أيضاً

    وقال أحمد أيضاً 16796 – ثنا محمد بن كثير قال ثنا سليمان بن كثير عن حصين بن عبد الرحمن عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال : انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فصار فرقتين فرقة على هذا الجبل وفرقة على هذا الجبل فقالوا سحرنا محمد فقالوا ان كان سحرنا فإنه لا يستطيع ان يسحر الناس كلهم

    وقال البخاري في صحيحه 3638 – حَدَّثَنِي خَلَفُ بْنُ خَالِدٍ الْقُرَشِيُّ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ الْقَمَرَ انْشَقَّ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

    وقال مسلم 7176- [2801] حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ.
    7177- […] وحَدَّثَنِيهِ بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ (ح) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ ، كِلاَهُمَا عَنْ شُعْبَةَ ، بِإِسْنَادِ ابْنِ مُعَاذٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، نَحْوَ حَدِيثِهِ.
    غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ : فَقَالَ اشْهَدُوا ، اشْهَدُوا.

    وقال الطحاوي في بيان مشكل الآثار 696 – حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ الْكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا لُوَيْنٌ، حَدَّثَنَا حُدَيْجُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْجُعْفِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَهُوَ سَلَمَةُ بْنُ صُهَيْبٍ الْأَرْحَبِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ” انْشَقَّ الْقَمَرُ، وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ”

    وقال ابن أبي شيبة في المصنف 35944- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : قامَ حُذَيْفَةُ بِالْمَدَائِنِ فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} أَلاَ إِنَّ السَّاعَةَ قَدَ اقْتَرَبَتْ ، وَإِنَّ الْقَمَرَ قَدَ انْشَقَّ ، أَلاَ وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِالْفِرَاقِ ، أَلاَ وَإِنَّ الْمِضْمَارَ الْيَوْمُ ، وَإِنَّ السِّبَاقَ غَدًا ، وَإِنَّ الْغَايَةَ النَّارُ ، وَإِنَّ السَّابِقَ مَنْ سَبَقَ إِلَى الْجَنَّةِ.

    وهذا واضح في إثباته انشقاق القمر

    وقال الطبري في تفسيره حدثنا نصر بن عليّ، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا داود بن أبي هند، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قال: ” انشقّ القمر قبل الهجرة، أو قال: قد مضى ذاك “.
    حدثنا إسحاق بن شاهين، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن داود، عن علي، عن ابن عباس بنحوه.

    فهذا الحديث المرفوع مروي من طريق عدة من الصحابة وعضده موقوف حذيفة وموقوف ابن عباس

    والتابعون مجمعون على هذا أيضاً

    قال الطبري في تفسيره حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) قال: رأوه منشقا.
    حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور وليث عن مجاهد (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) قال: انفلق القمر فلقتين، فثبتت فلقة، وذهبت فلقة من وراء الجبل، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: “اشْهَدُوا”.
    حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن أبي سنان، عن ليث، عن مجاهد ” انشقّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصار فرقتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبى بكر: اشْهَدْ يا أبا بَكْرٍ فقال المشركون: سحر القمر حتى انشقّ”.

    وقال أيضاً حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) قد مضى، كان الشقّ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فأعرض عنه المشركون، وقالوا: سِحْر مستمرّ.
    حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا سلمة، عن عمرو، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: مضى انشقاق القمر بمكة.

    فهذه الأخبار متعاضدة ولا يعرف عن السلف قول غير هذا ولم يعارض أحد هذه الأحاديث بشيء ولا الآثار وما يذكر عن الحسن في مخالفة هذا لا أصل له فخمسة أو ستة من الصحابة مع تصحيح الكافة من أهل العلم لما رووا وعدم اعتراض أحد عليهم من الطبقة واعتضاد أخبارهم بمراسيل التابعين وكون الانشقاق إلا لم ينكره إلا النظام والأصم المعروفين بكثرة الشذوذ وهما متأخران فهذا تواتر وفوق التواتر

    وقد قال الله تعالى : ( اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ) فهل يقول عاقل أن ذكر الساعة هنا يرجح أن الناس سيعرضون وليسوا معرضين غافلين الآن وقد نقل كثيرون إجماع أهل التأويل على تفسيرها بالانشقاق قبل الهجرة منهم الطبري والطحاوي والقشيري وابن عطية وغيرهم ( وهؤلاء كل واحد منهم على طريقة ومع ذلك اتفقوا على هذا النقل )

    قال الطحاوي في بيان مشكل الآثار :” فَكَانَ فِيمَا ذَكَرْنَا عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَحُذَيْفَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنَسٍ تَحْقِيقُهُمُ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ، وَمَعْنَاهُ فِي ذَلِكَ كَمَعْنَاهُمْ فِيهِ، وَلَا نَعْلَمْ رُوِيَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ غَيْرُ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُمْ فِيهِ وَهُمُ الْقُدْوَةُ وَالْحُجَّةُ الَّذِينَ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ إلَّا جَاهِلٌ، وَلَا يَرْغَبُ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ إلَّا خَاسِرٌ”

    وقال الطحاوي أيضاً :” وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ خِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْخُرُوجِ عَنْ مَذَاهِبِهِمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَالِاسْتِكْبَارِ عَنْ كِتَابِ اللهِ وَمَنِ اسْتَكْبَرَ عَنْ كِتَابِ اللهِ، وَعَنْ مَذَاهِبِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَابِعِيهِمْ فِيهِ كَانَ حَرِيًّا أَنْ يَمْنَعَهُ اللهُ فَهْمَهُ”

    وهذا كلام حسن من صاحب رأي

    وقال الواحدي في التفسير الوسيط :” روينا عن جميعهم ذلك في مسند التفسير، وجميع المفسرين على هذا، إلا ما روى عثمان بن عطاء، عن أبيه، أنه قال: معناه: سينشق القمر.
    والعلماء كلهم على خلافه وإنما ذكر اقتراب الساعة مع انشقاق القمر، لأن انشقاقه من علامات نبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونبوته وزمانه من أشراط اقتراب الساعة، قال الزجاج: زعم قوم عندوا عن القصد، وما عليه أهل العلم أن تأويله: أن القمر ينشق يوم القيامة والأمر بين في اللفظ وإجماع أهل العلم، لأن قوله: {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر: 2] يدل على أن هذا كان في الدنيا، لا في القيامة، قال المفسرون: لما انشق القمر، قال المشركون: سحرنا محمد”

    ولا يصح ما ذكره عن عطاء الخراساني ولم يذكر المفسرون الأوائل غير القول بانشقاق القمر
    لو كان انشقاق القمر قد حصل لما خفي على أحد

    ويقال : قد علمت أن انشقاق القمر مذكور في قرآن المسلمين وأنه في سورة مكية وأن قريشاً أعداء النبي صلى الله عليه وسلم ما أنكروا هذا ولا أنكره أحد من العرب الذين أسلموا لاحقاً ولما هاجر وتناظر مع اليهود ما أنكر اليهود ذلك بل لو كان النبي صلى الله عليه وسلم ادعى انشقاق القمر كذباً لكان ذلك أعظم برهان على كذبه وانصراف عنه بل _ حاشاه _ ولا يقدم العاقل على ادعاء دعاوى عظيمة تصرف الناس عنه

    وقد دخل في الإسلام أهل الشام وأهل فارس وأهل اليمن وأهل مصر وأهل نجد والحجار وأهل العراق ولم يستشكل أحد من أهل الصدر الأول منهم هذا مما يدل على أنه عرف في الآفاق ولكنه لما طال العهد جحده بعض النصارى وغيرهم من باب المناكاة كما جحدوا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في كتبهم
    ه الْآيَة كَانَت آيَة ليلية وَالنَّاس على عَادَتهم المستمرة الْغَالِب عَلَيْهِم النّوم وَمن كَانَ مِنْهُم منتبها كَانَ مِنْهُم من قد انْصَرف عَن ذَلِك بِبَعْض أشغالهم وَكَانَ مِنْهُم أَيْضا من رَآهُ على مَا حكيناه عَن أهل آفَاق مَكَّة وَأَيْضًا فَلَعَلَّهُ إِنَّمَا كَانَ ذَلِك فِي أول طُلُوع الْقَمَر وَلَا شكّ أَن النَّاس تخْتَلف رُؤْيَتهمْ للقمر وَغَيره من الْكَوَاكِب بِحَسب اخْتِلَاف ارْتِفَاع الْبِلَاد والأقاليم وإنخفاضها فَلَيْسَ كل من فِي معمور الأَرْض يرَاهُ فِي وَقت وَاحِد بل يخْتَلف ذَلِك فِي حَقهم فقد يطلع على قوم قبل أَن يطلع على آخَرين وَقد يطلع على قوم لَا يُشَاهِدهُ الْآخرُونَ وَقد يحول بَين قوم وَبَينه سَحَاب أَو جبال
    وَلِهَذَا تَجِد الكسوفات فِي بعض الْبِلَاد دون بعض وَيكون فِي بَعْضهَا جزئية وَفِي بَعْضهَا كُلية وَفِي بَعْضهَا لَا يعرفهَا إِلَّا المشتغلون بِعلم ذَلِك وَلَا يحس بهَا غَيرهم لَا سِيمَا وَهَذِه آيَة كَانَت بِاللَّيْلِ وَالْعَادَة من النَّاس مَا تقدم من الهدوء والسكون وإيجاق الْأَبْوَاب وَقطع التَّصَرُّف وَلَا يكَاد يعرف شَيْئا من آيَات السَّمَاء إِلَّا من رصد وأهتبل”
    قال ابن عبد البر:
    ” قد روي هذا الحديث – يعني حديث الانشقاق – عن جماعة كثيرة من الصحابة، وروى ذلك عنهم أمثالهم من التابعين، ثم نقله عنهم الجم الغفير إلى أن انتهى إلينا، وتأيد بالآية الكريمة “.
    قال ابن تيمية في الجواب الصحيح :” وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَأَلَ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ مَا يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ، فَقَالَ: كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِـ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1] وَ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1] .
    وَمَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ فِي مُطَّرِدِ الْعَادَةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنِ انْشَقَّ لَأَسْرَعَ النَّاسُ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ إِلَى تَكْذِيبِ ذَلِكَ فَضْلًا عَنْ أَعْدَائِهِ مِنَ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ، لَا سِيَّمَا وَهُوَ يَقْرَأُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فِي أَعْظَمِ مَجَامِعِهِمْ.
    وَأَيْضًا فَمَعْلُومٌ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنْ أَحْرَصِ الْخَلْقِ عَلَى تَصْدِيقِ النَّاسِ لَهُ وَاتِّبَاعِهِمْ إِيَّاهُ، مَعَ أَنَّهُ كَانَ أَخْبَرَ النَّاسَ بِسِيَاسَةِ الْخَلْقِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْقَمَرُ انْشَقَّ لَمَا كَانَ يُخْبِرُ بِهَذَا، وَيَقْرَأُهُ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ وَيَسْتَدِلُّ بِهِ، وَيَجْعَلُهُ آيَةً لَهُ، فَإِنَّ مَنْ يَكُونُ مِنْ أَقَلِّ النَّاسِ خِبْرَةً بِالسِّيَاسَةِ لَا يَتَعَمَّدُ إِلَى مَا يَعْلَمُ جَمِيعُ النَّاسِ أَنَّهُ كَاذِبٌ بِهِ فَيَجْعَلُهُ مِنْ أَعْظَمِ آيَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِهِ، وَيَقْرَأُهُ عَلَى النَّاسِ فِي أَعْظَمِ الْمَجَامِيعِ”
    هذا و صل على سيدنا محمد

  • محمدمحمد

    الرد على ابن الازرق الانجري
    أولا , ابن الازرق استدل باية ( وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ۚ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا ۚ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ) .و لا ندري ما وجه الاستدلال بالاية اصلا و الجميل أنه نقل تفسير الطبري للاية الكريمة و قبل أن نجيب عن معنى الاية نريد أن نسأل ابن الازرق لماذا لم تعرض تفسير الطبري للاية الكريمة ” اقتربت الساعة وانشق البقمر ” قال الطبري في تفسير الاية ” يقول جل ثناؤه ” وانفلق القمر و كان ذلك فيما ذكر على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو بمكة قبل هجرته الى المدينة و ذلك أن كفار أهل مكة سألوه اية فأراهم صلى الله عليه و سلم انشقاق القمر اية حجة على صدق قوله و حقيقة نبوءته فلما أراهم ذلك أعرضوا و كذبوا و قالوا هذا سحر مستمر سحرنا محمد فقال جل ثناؤه ” ان يروا اية يعرضوا و يقولوا سحر مستمر ” و بنحو ما قلنا في ذلك جاءت الاثارو قال به أهل التأويل . انتهى الطبري , فنلزمه بما ألزمنا به
    فضلا على أن سياق الاية يدل على الماضي ” وانشق القمر ” فهي تدل على الماضي وظاهر القرآن يدل على أن الآية وقد وقعت فالله يقول ( وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر ) فهذا دليل على أن المشركين رأوا آية وقالوا سحر مستمر وهذا هو ظاهر الأحاديث فتأويل الآية بأن القمر سينشق مخالف للسياق والأخبار المتواترة واتفاق السلف
    قال السمعاني في تفسيره :” وَقَوله إِن مَعْنَاهُ سينشق الْقَمَر. قُلْنَا: هَذَا عدُول عَن ظَاهر الْآيَة، وَلَا يجوز إِلَّا بِدَلِيل قَاطع، وَلِأَن الله تَعَالَى قَالَ:
    {وَإِن يرَوا آيَة يعرضُوا ويقولوا سحر مُسْتَمر} وَهَذَا دَلِيل على أَنهم قد رأوها، وَلِأَنَّهُ سَمَّاهُ آيَة، وَإِنَّمَا يكون آيَة إِذا كَانَت فِي الدُّنْيَا؛ لِأَن الْآيَة هَاهُنَا بِمَعْنى الدّلَالَة وَالْعبْرَة”
    وقال أبو حيان في تفسيره :” وَالْأُمَّةُ مُجْمِعَةٌ عَلَى خِلَافِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَانْشَقَّ الْقَمَرُ مَعْنَاهُ: أَنَّهُ يَنْشَقُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَرُدُّهُ مِنَ الْآيَةِ قَوْلُهُ: وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ. فَلَا يُنَاسِبُ هَذَا الْكَلَامَ أَنْ يَأْتِيَ إِلَّا بَعْدَ ظُهُورِ مَا سَأَلُوهُ مُعَيَّنًا مِنِ انْشِقَاقِ الْقَمَرِ. وَقِيلَ: سَأَلُوا آيَةً فِي الْجُمْلَةِ، فَأَرَاهُمْ هَذِهِ الْآيَةَ السَّمَاوِيَّةَ، وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ الْآيَاتِ، وَذَلِكَ التَّأْثِيرُ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ.”
    لقد صرح القرآن تصريحا بينا في الحديث عن معجزة انشقاق القمر، وذلك في سورة القمر في قوله سبحانه وتعالى: )اقتربت الساعة وانشق القمر(، وهذا قول القرآن، وما أصح من كتاب الله كتاب، والطعن في حرف واحد منه طعن فيه بأكمله.
    حكى الإمام الشوكاني أقوال المفسرين في هذه الآية قائلا: “قوله: )وانشق القمر( أي: وقد انشق القمر، وكذا قرأ حذيفة بزيادة قد، والمراد: الانشقاق الواقع في أيام النبوة، معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى هذا ذهب الجمهور من السلف والخلف، قال الواحدي: وجماعة المفسرين على هذا إلا ما روى عثمان بن عطاء عن أبيه أنه قال: المعنى: سينشق القمر، والعلماء كلهم على خلافه، قال: وإنما ذكر اقتراب الساعة مع انشقاق القمر؛ لأن انشقاقه من علامات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ونبوته وزمانه من أشراط اقتراب الساعة.
    قال ابن كيسان: في الكلام تقديم وتأخير، أي: انشق القمر واقتربت الساعة.
    قال ابن كثير: قد كان الانشقاق في زمان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كما ثبت ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة، قال: وهذا أمر متفق عليه بين العلماء، أن انشقاق القمر قد وقع في زمان النبي – صلى الله عليه وسلم – وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات.
    قال الزجاج: زعم قوم عندوا عن القصد وما عليه أهل العلم أن تأويله القمر ينشق يوم القيامة، والأمر بين في اللفظ وإجماع أهل العلم؛ لأن قوله: )وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر( يدل على أن هذا كان في الدنيا لا في القيامة انتهى. ولم يأت من خالف الجمهور وقال: إن الانشقاق سيكون يوم القيامة إلا بمجرد استبعاد، فقال: لأنه لو انشق في زمن النبوة لم يبق أحد إلا رآه؛ لأنه آية والناس في الآيات سواء، ويجاب عنه بأنه لا يلزم أن يراه كل أحد لا عقلا ولا شرعا ولا عادة، ومع هذا فقد نقل إلينا بطريق التواتر، وهذا بمجرده يدفع الاستبعاد ويضرب به في وجه قائله.
    والحاصل: أنا إذا نظرنا إلى كتاب الله فقد أخبرنا بأنه انشق، ولم يخبرنا بأنه سينشق، وإن نظرنا إلى سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقد ثبت في الصحيح وغيره من طرق متواترة أنه قد كان ذلك في أيام النبوة، وإن نظرنا إلى أقوال أهل العلم فقد اتفقوا على هذا، ولا يلتفت إلى شذوذ من شذ، واستبعاد من استبعد.
    وقال الطاهر ابن عاشور: وجمهور المفسرين على أن هذه الآية نزلت شاهدة على المشركين بظهور آية كبرى ومعجزة من معجزات النبي – صلى الله عليه وسلم – وهي معجزة انشقاق القمر.
    وقال بعد أن ذكر روايات الحديث: وعلى جميع تلك الروايات، فانشقاق القمر الذي هو معجزة، حصل في الدنيا.
    بهذا تثبت معجزة الانشقاق بالقرآن الكريم، وذلك أيام بداية الإسلام، وليس المقصود انشقاقه في يوم القيامة.
    وتدل الآية على وقوع هذه المعجزة في الماضي من وجوه كثيرة؛ منها:
    أن الفعل “انشق” ماض، وقد وضعت العرب الفعل الماضي لما وقع، بحيث لا يفهم عند الإطلاق، وانقطاع القرائن غير حصوله في الزمان الغابر، ولا يريد القائل غير الماضي إلا أن يكون مدلسا ملبسا، أو يدع قرينة في كلامه تبين ما أراد، أو يكون هنالك قرينة، فإذا ما قال قائل: “سافر، وهلك فلان” لم يفهم منه غير أن ذلك وقع فعلا.
    وإذا قال القرآن: )ولقد أرسلنا نوحا( (هود: ٢٥) وإبراهيم وموسى وعيسى وفلانا وفلانا من الأنبياء إلى أقوامهم فقالوا لهم: كذا وكذا، لم يفهم السامعون غير أن ذلك قد وقع في الأزمان الذاهبة، وهذا حاصل في قوله تعالى: )اقتربت الساعة وانشق القمر( فيجب أن نفهم أن ذلك قد حصل فعلا.
    فإذا أريد بالفعل الماضي الاستقبال جيء بقرينة في الكلام خارجية صريحة. فمثلا لما قال سبحانه وتعالى: )أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون (1)( (النحل) وكان المراد الأمر الذي لم يأت. قال: )فلا تستعجلوه(، فقوله: )فلا تستعجلوه( دليل على أنه أمر لم يحصل بعد. ونظائر ذلك في القرآن والكلام كثير.
    لئن جاز أن تؤول هذه المعجزة – وهي انشقاق القمر – لجاز أن نؤول معجزات الأنبياء الواردة في القرآن. وجاز أن يصل التأويل إلى ما ذكره القرآن من أن عيسى – عليه السلام – كان يحيي الموتى، ويبرئ الأكمه والأبرص، ويكلم الناس في المهد، وأن يصل التأويل إلى عصا موسى – عليه السلام – ويده، وإلى ناقة صالح عليه السلام، وإلى إلقاء إبراهيم – عليه السلام – في النار ونجاته منها، وإلى إلقاء يونس – عليه السلام – في بطن الحوت، وإلى معجزات داود – عليه السلام – وسليمان الكونية العجيبة، فإذا لم يكن من الصعب تأويل انشقاق القمر لم يكن أصعب منه تأويل معجزات هؤلاء الأنبياء، فما أسهل أن يقال: عن إحياء عيسى للموتى عبارة عن هدايته الضالين الكافرين، وإنه كان يبرئ الأبرص والأكمه بمهارته في الطب، أو يكون المراد بالأبرص والأكمه فاسدي الأخلاق، وإبراؤهم عبارة عن تقويمهم. وهكذا إلى أن تأتي على بقية المعجزات.
    إن من جوز تأويل انشقاق القمر أو أوله فعلا لزمه ذلك لا محالة، ونحن نعلم – مع مؤول انشقاق القمر – أن هذا فاسد بالإجماع والضرورة.
    ولا نظن أن ذلك المخالف يخالف أن قوله: )وانشق القمر( مع الأحاديث المروية فيه أدل على ما نقول من قوله في عيسى: إنه كان يحي الموتى، ويكلم الناس في المهد على ظاهرها.
    كل الآيات التي بعد الآية المذكورة تدل دلالة صريحة على أن القمر قد انشق حقيقة؛ معجزة له صلى الله عليه وسلم، وأن المشركين كلما رأوا آية أعرضوا وكذبوا، فالتكذيب والإعراض دأبهم، فالآية التي بعد )وانشق القمر( صريحة فيما تقول، وليس بجائز أن نذهب بالكلام عن سبيله المألوف المعروف، وفهم الكلام يلزم أن يراعى فيه أول السياق وآخره، ولا يجوز بحال أن يعرض عما قبله وما بعده، ولا يفهم غرض القائل من قوله إلا بما بعده وما قبله غالبا، فيجب الاعتماد على ذلك.
    إن قوله سبحانه وتعالى: )وانشق القمر( معطوف على )اقتربت الساعة( والأول في لفظة ماضي، ومعناه كذلك يقينا، كما قال في سورة الأنبياء: )اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون (1)( (الأنبياء). وقال صلى الله عليه وسلم: «بعثت أنا والساعة كهاتين»، إذا يجب أن يكون المعطوف عليه مثله ماضيا لفظا ومعنى، ولا نحسب أنه يجوز في كلام العرب أبدا أن يقال: قام فلان، وقعد فلان، ويكون الأول ماضيا لفظا ومعنى، والآخر ماضيا لفظا مضارعا معنى، فما أعسر أن يوجد ذلك في الكلام، وكذا لو قيل ذهب فلان إلى الحجاز، وذهب فلان إلى اليمن، لما جاز أن يكون الأول ماضيا دون الثاني، وهذا أمر بين مشهور، فكذلك فعلا الآية: )اقتربت الساعة وانشق القمر( يجب أن يكونا ماضيين معناهما ولفظهم.
    ثم جاء أن حذيفة بن اليمان الصحابي المشهور كان يقرأ: (قد اقتربت الساعة وانشق القمر) وهكذا لا يمكن أن يحمل على الاستقبال؛ لأن (قد) تحقق وقوعه، وتبعده عن الاستقبال.
    هذه الأمور تدل دلالة يقينية على أن القمر قد انشق معجزة له – صلى الله عليه وسلم – من جملة معجزاته المادية الكونية الكثيرة.
    اذن فهي قد وقعت في زمن رسول الله صلى الله عليه و سلم
    قوله تعالى : (وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا)
    وقوله تعالى : ({وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا} [الإسراء: 90] (90) {أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا} [الإسراء: 91] (91) {أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا} [الإسراء: 92] (92) {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا})
    والاستدلال بهذا رأس شغبهم
    فمن الناس من أجابهم بأن المراد بالآيات هنا الآيات التي يقترحها المشركون وانشقاق القمر لم يكن عن اقتراح
    وهذا جواب فيه ضعف ويقال أن الألف واللام هنا للعهد الذهني وليس للعموم كقوله تعالى ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم )
    فالمراد آيات معينة اقترحها المشركون تعنتاً وقد علم الله عز وجل أنه أظهر من البينات ما يقطع دابر كل مبطل وأن ذلك على سبيل التعنت وأنهم سيؤمنون بعد ومن لا يؤمن يهلك ولا يتمكن من إيقاف الدعوة
    وقد قال الله تعالى : (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ)
    فأراد الله عز وجل بآية انشقاق القمر أن يبصر كل عاقل حقيقة تعنتهم فإنهم لما رأوا آية حقاً قال أبصارنا مسحورة فما فائدة الآيات بعدها التي يقترحونها والحال هذه
    فقد يقول القائل أن انشقاق القمر حصل قبل هذا كله للتنبيه على تعنتهم ثم بعد ذلك نزلت الآيات في بيان أنه لو أجيبوا إلى ما سألوا وكذبوا فإنهم سيهلكون بعذاب عام فكانت الرحمة ألا يجابوا إلى ما سألوا ويترك بيان الحق إلى سبل أخرى وقد استبان قبلها أصلاً
    ثم يقال أن الآية الحسية تكون بإرادة الله عز وجل لا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا بمشتهاه فقوله ( هل كنت إلا بشراً رسولاً ) تنبيهاً على أنه ليس بشاعر ولا ساحر ولا ملك فهؤلاء ينسبون الأمر لأنفسهم والنبي صلى الله عليه وسلم ظهرت منه آيات حسية مسجلة في القرآن
    قال الله تعالى : ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) وهذه كانت رمية من النبي صلى الله عليه وسلم أصابت أعين جميع المشركين
    قال الطبري في تفسيره 15823- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن قيس، ومحمد بن كعب القرظي قالا لما دنا القوم بعضهم من بعض، أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من تراب فرمى بها في وجوه القوم، وقال: “شاهت الوجوه! “، فدخلت في أعينهم كلهم، وأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتلونهم ويأسرونهم، وكانت هزيمتهم في رمية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) ، الآية، إلى: (إن الله سميع عليم) .
    15824- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وما رميت إذ رميت) ، الآية، ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أخذ يوم بدر ثلاثة أحجار ورمى بها وجوه الكفار، فهزموا عند الحجر الثالث.
    وأيضاً الريح التي أصابت المشركين يوم الأحزاب يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9)
    وهذه آية صريحة في آية حسية وحدث تاريخي اتفق عليه جميع أصحاب السير وأن ذلك الجمع الذي حاصر المدينة ما أكفأهم عنها إلا تلك الريح الشديدة
    فلا مجال لإنكار الآيات الحسية والحال هذه
    قال ابن عاشور عند تفسيره لهذه الآية: “والمعنى: أننا نعلم أنهم لا يؤمنون كما لم يؤمن من قبلهم من الكفرة، لما جاءتهم أمثال تلك الآيات، فعلم الناس أن الإصرار على الكفر سجية للمشرك لا يقلعها إظهار الآيات، فلو آمن الأولون عندما ظهرت لهم الآيات لكان لهؤلاء أن يجعلوا إيمانهم موقوفا على إيجاد الآيات التي سألوها، قال سبحانه وتعالى: )إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون (96) ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم (97)( (يونس).
    والأظهر: أن هذا تثبيت لأفئدة المؤمنين؛ لئلا يفتنهم الشيطان، وتسلية للنبي – صلى الله عليه وسلم – لحرصه على إيمان قومه، فلعله يتمنى أن يجيبهم الله لما سألوا من الآيات، ولحزنه من أن يظنوه كاذبا.
    وقال الشيخ الشعراوي: قوله سبحانه وتعالى: )وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون(، والآيات: جمع آية، وهي الأمر العجيب الذي يلفت النظر ويسترعي الانتباه، وهذه الآيات إما أن تكون آيات كونية نستدل بها على قدرة المدبر الأعلى سبحانه، مثل المذكورة في قوله تعالى: )ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون (37)( (فصلت).
    وقد تكون الآية بمعنى المعجزة التي تثبت صدق الرسول – صلى الله عليه وسلم – في البلاغ عن ربه تعالى، وقد تكون الآيات بمعنى آيات القرآن الكريم، والتي يسمونها حاملة الأحكام.
    فالآيات إذن ثلاثة: كونية، ومعجزات، وآيات القرآن. فأيها المقصود في الآية: )وما منعنا أن نرسل بالآيات(؟
    الآيات الكونية – وهي موجودة – لا تحتاج إلى إرسال. الآيات القرآنية وهي موجودة أيضا. بقي المعجزات وهي موجودة، وقد جاءت معجزة كل نبي على حسب نبوغ قومه، فجاءت معجزة موسى – عليه السلام – من نوع السحر الذي نبغ فيه بنو إسرائيل، وكذلك جاءت معجزة عيسى مما نبغ فيه قومه من الطب.
    وجاءت معجزة محمد – صلى الله عليه وسلم – في الفصاحة والبلاغة والبيان؛ لأن العرب لم يظهروا نبوغا في غير هذا المجال، فتحداهم بما يعرفونه ويجيدونه؛ ليكون ذلك أبلغ في الحجة عليهم.
    إذن: فما المقصود بالآيات التي منعها الله عنهم؟
    المقصود بها: ما طلبوه من معجزات أخرى، جاءت في قوله سبحانه وتعالى: )وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا (90) أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا (91) أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا (92) أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا (93)( (الإسراء).
    والمتأمل في كل هذه الاقتراحات من كفار مكة يجدها بعيدة كل البعد عن مجال المعجزة التي يراد بها في المقام الأول تثبيت الرسول، وبيان صدق رسالته وتبليغه عن الله، وهذه لا تكون إلا في أمر نبغ فيه قومه ولهم به إلمام، وهم أمة كلام وفصاحة وبلاغة، وهل لهم إلمام بتفجير الينابيع من الأرض؟ وهل إسقاط السماء عليهم كسفا يقوم دليلا على صدق الرسول؟ أم أنه الجدل العقيم والاستكبار عن قبول الحق؟
    إذن: جلس كفار مكة يقترحون الآيات، ويطلبون المعجزات، والحق – سبحانه وتعالى – ينزل من المعجزات ما يشاء، وليس لأحد أن يقترح على الله، قال تعالى: )قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون (16)( (يونس).
    فالحق – سبحانه وتعالى – قادر أن ينزل عليهم ما اقترحوه من الآيات، فهو سبحانه لا يعجزه شيء، ولا يتعاظمه شيء، ولكن للبشر قبل ذلك سابقة مع المعجزات.
    يقول سبحانه وتعالى: )وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا (59)( (الإسراء)، )مبصرة(، أي: آية بينة واضحة.
    لقد طلب قوم ثمود معجزة بعينها فأجابهم الله وأنزلها لهم، فما كان منهم إلا أن استكبروا عن الإيمان، وكفروا بالآية التي طلبوها، بل ظلموا بها؛ أي: جاروا على الناقة نفسها، وتجرأوا عليها فعقروها.
    وهذه السابقة مع ثمود هي التي منعتنا من إجابة أهل مكة فيما اقترحوه من الآيات، وليس عجزا منا عن الإتيان بها.
    وقوله تعالى عن الناقة أنها آية )مبصرة(؛ لبيان وضوحها، كما في قوله سبحانه وتعالى: )وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا (12)( (الإسراء)، فآية النهار هي المبصرة؛ لأن أشعتها هي التي تسبب الإبصار.
    ثم يقول سبحانه وتعالى: )وما نرسل بالآيات إلا تخويفا( أي: نبعث بآيات غير المعجزات؛ لتكون تخويفا للكفار والمعاندين، فمثلا الرسول – صلى الله عليه وسلم – اضطهده أهل مكة، ودبروا لقتله جهارا وعلانية، فخيب الله سعيهم، ورأوا أنهم لو قتلوه لطالب أهله بدمه، فحاكوا مؤامرة أخرى للفتك به بليل، واقترحوا أن يؤتى من كل قبيلة بفتى جلد، ويضربوه ضربة رجل واحد.
    ولكن الحق – سبحانه وتعالى – أطلع رسوله – صلى الله عليه وسلم – على مكيدتهم، ونجاه من غدرهم، فإذا بهم يعملون له السحر؛ ليوقعوا به، وكان الله لهم بالمرصاد، فأخبر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بما يدبر له، وهكذا لم يفلح الجهر، ولم يفلح التبييت، ولم يفلح السحر، وباءت محاولاتهم كلها بالفشل، وعلموا أنه لا سبيل إلى الوقوف في وجه الدعوة بحال من الأحوال، وأن السلامة في الإيمان والسير في ركابه من أقصر الطرق.
    إذن، للحق – سبحانه وتعالى – آيات أخرى تأتي لردع المكذبين عن كذبهم، وتخوفهم بما حدث لسابقيهم من المكذبين بالرسل، حيث أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، ومن آيات التخويف هذه ما جاء في قوله سبحانه وتعالى: )فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (40)( (العنكبوت).
    فكل هذه آيات بعثها الله على أمم من المكذبين، كل بما يناسبه.
    وبما ذكرناه يتضح أن معجزة انشقاق القمر لم تخالف القرآن الكريم في قوله سبحانه وتعالى: )وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون( وذلك بما أوضحناه من خصوصية هذه الآية بما اقترحه المشركون من آيات بعدها.
    وإن قيل: إن هذه الآية – أي معجزة انشقاق القمر – مما طلبه المشركون من النبي – صلى الله عليه وسلم – فهو يدخل تحت هذه الآية.
    نقول: نعم؛ هذا صحيح، لكن طلبوا آية، ولم يحددوا عينها، أما هذه الآية فهي خاصة بما حدد، كما وضحنا.
    وبهذا يتبين أن معجزة انشقاق القمر ثابتة بالقرآن الكريم ثبوتا قطعيا في سورة القمر، ولم يعارضه قول الله سبحانه وتعالى: )وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون(؛ لأن هذه الآية خاصة بما اقترحه المشركون على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من آيات يريدونها دليلا على صدق رسالته، مثل تفجير الينابيع من الأرض، والرقي في السموات وغيرها، لكن الانشقاق لم يكن مقترحا به لتعمه الآية، وإنما حدث بناء على رغبة المشركين في رؤية آية تدل على صدق النبي صلى الله عليه وسلم، فلا إشكال ولا معارضة بين المعجزة والآية.