سعيد الكحل
يواصل الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ، عبد الإله بنكيران، بعث رسائله إلى من يهمهم الأمر يعرض فيها “خدماته” . فالسيد بنكيران يعيش على وهم كبير مفاده أن الدولة ذكية يمكّنها ذكاؤها من فتح الأبواب أمام من ترى من الأحزاب مناسبا لمرحلة سياسية محددة ، وهو يمني النفس والأتباع بهذا الوهم. ففي كلمته خلال المؤتمر الجهوي لجهة سوس ماسة شدد على الخدمات التي يمكن أن يقدمها للدولة وللنظام الملكي في “هذه الظروف لي صعيبة .. لأننا داخلين مرحلة هي مرحلة حرب عالمية”.
وهنا يوحي لأعضاء حزبه أن الدولة لها حساباتها وإكراهاتها تسمح لها باتخاذ القرارات المناسبة ( نفتارضو أن الدولة هي لي تتقرر الخريطة الانتخابية تجيبكم الأولين علاش ؟ غادا تجيبكم أنتم علاش ؟ خاص مبرر . ملي كان مبرر راكم جيتيو . ذيك الساعة فتحت الأبواب ومُنع التدخل وأعلنت النتائج الحقيقية وحصلتم على 107 ، وأخذتم رئاسة الحكومة ). ويريد من التنبيه إلى “الظروف الصعبة” أن يوحي للدولة بالمبرر الذي على أساسه تعيد فتح الأبواب للبيجيدي في الانتخابات القادمة.
إن الرسالة التي يريد بعثها هنا هي كونُه وحزبه على استعداد لتقديم خدمات للدولة وللنظام مثل التي سبق وقدماها في 2011 . فبالنسبة لبنكيران أن الظروف التي واجهها المغرب بداية ما يسمى “الربيع العربي” والتي كانت “المبرر” الذي جعل الدولة “تفتح الأبواب” أمام البيجيدي ليتصدر نتائج الانتخابات ، هي نفسها الظروف التي يواجهها اليوم أي”الحرب العالمية” و”الظروف الصعيبة” .
تذكير بنكيران بهذين العاملين ليس اعتباطا ، ولكن يقصد من خلالهما إعلان استعداده وحزبه لـ”إنقاذ” المغرب اليوم مثلما “أنقذه” في 2011 كما جاء في أول كلمة له عند توليه رئاسة الحزب بعد نكسة 8 شتنبر (نحن ساهمنا في أن بلادنا تقضي عشر سنوات مضطربة في العالم العربي والإسلامي كله ، أن تقضي عشرة سنوات من الطمأنينة …ساهمنا في أن تمر بلادنا من مرحلة جد مضطربة جد خطيرة ليس على المواطن ، خطيرة على الدولة .. في وقت الشدة لْقاتنا بلادنا ، والحمد لله اعترفت بنا ، وصوتت علينا في المرة الأولى وفي المرة الثانية).
إنه وهمٌ كبير يعيشه بنكيران ويعمل على إقناع أعضاء حزبه به كالتالي ( العلاقة ديالنا بالملكية خاصها تطور ..ولكن في إطار التوافق والمطاوعة ماشي في إطار شد لي نقطع لك. وفي انتظار ذلك خصوصا في الظروف لي صعيبة . في الظروف مثل هذه خاصنا نشدو في الملك لأننا داخلين مرحلة هي مرحلة حرب عالمية .هاذ المرحلة خاصنا نْهَنّيوْ سيدنا ونْكونو معه ذات واحدة . وفي المستقبل لا بد نطورو هاذ الشي ديالنا مع سيدنا تدريجيا ، وخاصنا نصبرو ، هذي مرحلة ديال الصبر).
طبيعي أن يجهل بنكيران تجدّر الملكية في وجدان الشعب المغربي ووعيه ؛ فهو ابن الحركة الإسلامية التي صاغ إيديولوجيتها قطب والبنا والمودودي ، ويحدد مواقفها المرشد العام للتنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين بمصر . وتلك العقيدة الإخوانية لا تقبل بالأنظمة الملكية ولا الرئاسية . قد تتعايش معها إلى حين الإعداد للانقلاب عليها. ولعل الرسالة التي بعث بها المرشد العام إلى إسلاميي المغرب ، وخاصة حركة التوحيد والإصلاح ، سنة 1996 ، توضح بجلاء مدى ارتباط هذا التنظيم الفرعي بالتنظيم الأم الذي يضع الخطط والأهداف والإستراتيجية الواجب الالتزام بها ؛ ومن تلك الخطط : التغلغل في مفاصل الدولة واجتناب الصدام مع النظام.لا غرو أن أي تنظيم ، سياسي أو دعوي ، يبني مواقفه على فتاوى فقهية يُمليها مزاج الشيوخ المنظّرين ، لا يمكن الائتمان له أو الاعتماد عليه في بناء الدولة المدنية الحديثة.
وقد أثبت الواقع السياسي المغربي كيف ناهض حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح جهود تحديث بنيات الدولة وإرساء دعائم الدولة المدنية وإشاعة قيم الحداثة وحقوق الإنسان . فالحزب وذراعه الدعوية لم يراجعا العقائد الإيديولوجية التي تأسسا عليها وعلى رأسها “الحاكمية” ، “الولاء والبراء” ، “لا ولاية للكتابي على المسلم”و”تكفير الآخر”.
إن الإسلاميين عموما أسسوا تنظيماتهم على منازعة المَلك سلطاته السياسية بسعيهم إلى إقامة “نظام الخلافة” وتحكيم الشريعة. ولا يغرنّ أحدا تظاهرُ الإسلاميين بقبول الديمقراطية ونظام الانتخابات والتداول على السلطة ؛ فهذه كلها نُظم “علمانية” يُجمعون على تكفيرها.
وقد كشفت سيطرة طالبان على السلطة في أفغانستان بقوة السلاح حقيقة الإسلاميين الذين سارعوا إلى مباركة الانقلاب على السلطة المدنية في كابول والتعبير عن فرحتهم بتلك السيطرة. لم ينددوا بالانقلاب على الديمقراطية ولا بخرق حقوق الإنسان مثلما ما فعلوا مع قرار عزل مرسي أو قرار الرئيس قيس سعيد حل البرلمان في تونس. ولا يكتفي إسلاميو المغرب، وضمنهم حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية ، بمنازعة الملك السلطة السياسية ، بل تطاولوا على سلطاته الدينية من مستويات مختلفة ، أخطرها جاء على لسان الرئيس الأسبق لحركة التوحيد والإصلاح، الدكتور الريسوني، الذي قال في استجواب صحفي، سنة 2003، إن الملك غير مؤهل لتحمل مسؤولية إمارة المؤمنين. حينها لم يخرج بنكيران منددا بذلك الموقف أو محذرا من خطورته على أمن واستقرار المغرب.
أما الرسالة الثانية التي تُستشف من كلمة الأمين العام للبيجيدي ، فهي التحذير من “الحلف الشيعي” بقيادة إيران الآخذ في التوسع ليشمل سوريا ، العراق ، لبنان واليمن. لقد نسي بنكيران أو تناسى أن حزب العدالة والتنمية الذي كان أمينه العام في 2009 ، أصدر بيانا يتأسف فيه ، “للدواعي التي أدت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإيران”، ويعرب ، في نفس الوقت عن أمله بأن “يكون ذلك مجرد سحابة صيف وأن يعمل البلدان على استئناف العلاقة بينهما في إطار ما يقتضيه ذلك من الأخوة الإسلامية والاحترام المتبادل” .
اليوم جاء بنكيران بموقف تكتيكي يحذر فيه من الحلف الشيعي (اليوم بالخصوص العالم غادي لمستقبل غير معروف ويتكتل فيه الغرب الليبرالي والشرق الاشتراكي وبقات الأمة مجزأة .. الشيعة دايرين التحالف نتاعهم : إيران ، سوريا لبنان اليمن ، وماعرفناش فين غيمشيو . تيخص دابا دول أخرى لي الأصل ديالها سني ..خاصنا نديرو حتى حنا تحالف ديالنا . القضية ما بقاتش في إطار الرغبات التكميلية ، راه ولات حاجة ضرورية ). والدافع إلى هذا الموقف التكتيكي هو إيجاد “مبرر” للدولة لتفتح الأبواب أمام حزبه مقابل الانخراط في مواجهة المد الشيعي . خدمة باتت الدولة في غنى عنها بفضل قوة وخبرة مؤسساتها العسكرية والأمنية والاستخباراتية والدينية والسياسية في مواجهة التنظيمات الخارجة عن ثوابت الشعب المغربي .
أما الرسالة الثالثة التي يوجهها بنكيران فذات وجهين:
الوجه الأول: تحذيري يريد به تذكير الدولة/النظام بمعركة مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية ، وأن الحزب مستعد لخوض مثيلة لها إذا ما تبنت وزارة العدل مطالب الهيئات الحقوقية والنسائية برفع التجريم عن الإجهاض الإرادي والعلاقات الرضائية والإفطار العلني في رمضان ، وجرّمت في المقابل تزويج القاصرات.
الوجه الثاني: تعبوي/تحريضي يتوخى به تعبئة أعضاء الحزب لخوض المعركة ضد مشروع قانون جنائي حداثي يترجم التزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان والقضاء على كل أشكال التمييز والعنف ضد النساء. فبنكيران مقتنع بأن مناهضة خطة إدماج المرأة أكسبت الحزب شعبية كبيرة أهلته لاحتلال صدارة الانتخابات ، ولاسترجاع تلك الصدارة بعد نكسة 8 شتنبر لا بد من استغلال مشروع القانون الجنائي لتحريض المواطنين ضد الحكومة.
لهذا اتخذ من “المرجعية الإسلامية” وفق العقيدة الإخوانية إطارا للتعبئة ، ومن العلاقات الرضائية وتزويج القاصرات مطية للتحريض ( هاذ الشي لي تنقول لكم على المرجعية باش توْعَاوْ راه كاين تيار كوْني عالمي مدعوم سياسيا عالميا، مدعوم ماليا عالميا يريد تحطيم البشرية ليسهل عليه الهيمنة عليها .. خاصْكم تقولو للناس،تبلغوا الخبر ، تشرْحو ملي تشوفو أشياء لي عبر التاريخ كانت موجودة ولكنها مستقبحة محرمة في الأديان كلها كالمثلية الجنسية .. هاذ الشي ديال المثلية الجنسية دابا أصبح له أنصار في العالم . ها أنتم تلاحظون أنه كلما تعلق الأمر بالزواج غادي وتيْتعَقّد ، وكل ما يتعلق بالعلاقات الجنسية المتحررة والمتحللة والعلنية يُدفع به) .
إن البيجيدي ، بزعامة بنكيران ، لا يمكنه خوض معارك سياسية ضد غلاء الأسعار أو تدني الخدمات الاجتماعية ، لأنه يدرك جيدا أن الشعب يحمّله المسؤولية المباشرة لهذا الارتفاع الصاروخي في الأسعار بعد قرار تحرير أسعار المحروقات وإلغاء صندوق المقاصة. فالمنْفذ الوحيد الذي يسعى لاستغلاله في التعبئة والتحريض هو مشروع القانون الجنائي. إنه يحاول تقمص دور المدافع عن “الهوية” وعن الدين عساه يعطي لأتباعه دفعة معنوية ترفع عنهم الحرج أمام الشعب بعدما أغرقوه في الفقر والغلاء. (خاصكم تتكلموا اليوم وتتكلموا أنكم ماشي ضد الحداثة .. ملي تشوفو ، تكلمو وما تخافوش ..آشنو غادي يبقى لكم ؟ ملي تسكتو انتم ؟ أنتما هما لي واعيين ، انتما هما لي قاريين ، أنتما متدينين تديّن تتقولو عن طواعية واختيار إلى أنتما ما نَضتّوش دابا وقُلتُم هاذ الشي غادي يوصل هاذ الشي للمجتمع ديالكم ) .
إن ما يتجاهله بنكيران هو كون الدستور المغربي يجعل المواثيق والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب تسمو على التشريعات الوطنية. فلا يمكن للمغرب أن يستمر في اعتماد تشريع يخرق حقوق الإنسان ويعرّض الفتيات القاصرات إلى المخاطر الصحية والاجتماعية. كما لا يمكن للدولة المغربية أن تنصّب نفسها وكيلا عن الله تعالى في معاقبة المفطرين في رمضان أو التلصص على الناس في الفضاءات المغلقة طالما لا يشكلون تهديدا للأمن العام.
كان الأولى ببنكيران أن يطالب بتوفير مقعد دراسي لكل فتاة قروية ودعْم مادي لتدريسها حتى لا تكون عبءا على أسرتها. وليعلم السيد بنكيران أنه ليس كل القاصرات يخطبهن أزواج من إيطاليا أو بلاد المهجر ، فالكثير منهن يتحولن إلى “جاريات” بمنازل أهل الزوج، وأعداد منهن يُطلقن بالأبناء ولازلن قاصرات.
إن المغرب دولة مدنية وليس دولة دينية، ودستوره يتبنى منظومة حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا. ولا خيار أمامه سوى تحيين تشريعاته وملاءمتها مع الدستور ومع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=17825