وليدات المغرب

محمد علي لعموري
آراء ومواقف
محمد علي لعموري29 مايو 2021آخر تحديث : السبت 29 مايو 2021 - 4:56 مساءً
وليدات المغرب

محمد علي لعموري
يعتصر القلب ألم يدميه ويحزنه ويدعوه لكتابة هذه السطور الكاشفة لحجم الغيرة على هذا الوطن الذي تمرغنا منذ نعومة أظافرنا في ترابه المبلل بندى الانتماء والحب لكل ذرة من رمله وترابه وهوائه ومياهه العذبة التي كنا نسمع خريرها تهدر وتنسكب رقراقة باردة، كلما ارتوينا منها كلما زاد منسوب انتمائنا لهذه الجغرافيا المتنوعة الغنية والمتفردة بعبق التاريخ وتعدد التضاريس من جبال وهضاب وروابي وسهول وصحاري…

إنه مغرب التعايش والحب بين مختلف مكوناته، مغرب الشمس هنا حيث تدنو من كل ساكن أو مقيم رياح ساخنة، وأخرى خفيفة تلفح جلده وتداعب دواخله ليشعر بالفخر أنه ابن هذه التربة، وهذه الأرض الولادة التي أنجبت خيرة الرجال والنساء من زينب النفزاوية إلى فاطمة أم البنين الفهرية، إلى ابن تاشفين باني مراكش إلى مولاي اسماعيل باني مكناس..الخ وهذا مجرد مثال مما لا يتسع المجال لتعداده.

أهل المغرب لهم قصة تشبه قصة موسى مع الخضر، رحلة بحث عن الحقيقة، وعن الطابع المغربي الذي أضفى على سكان المغرب الأصليين نفحة روحية مذ دخول الإسلام مع المولى ادريس الأكبر، وما تخلل التجربة الإسلامية من تأسيس لقيم التعايش والانصهار داخل بوثقة التماسك الديني الذي وحد بين أبناء البلد الواحد، حتى لم يبق هناك تشنج بين الأمازيغي والعربي واليهودي، وكان هذا قبل أن يتسلل الضهير البربري مع الاستعمار الغاشم، ويتسلل معه التبشير، وتندس داخل النسيج المجتمعي المتماسك بعض مظاهر التشويش والتشكيك..

الإنتماء إلى الوطن يرضعه الطفل من ثدي أمه، ويشربه من ماء الحنفية، ويشتمه من رائحة الأتربة المتنوعة، ويستشعره من لفحات الرياح الآتية من الجو المعتدل الذي يميز الموقع الجغرافي للمغرب.

والدولة المغربية بمؤسساتها ونخبها ونمط الحكم المخزني الموروث منذ قرون دأبت على رص الصف ورعاية حياة المغاربة على أساس البيعة والتمسك بالحكم الملكي التليد، ومحاولة احتواء القلاقل والفتن، وبذر روح الوطنية في النفوس، فما نال الاستعمار من هوية المغرب وما عمر طويلا ليسلخ المغاربة من جلدهم ليصبحوا مسوخا مشوهة هجينة متبرئة من بيئتها وثقافتها وتاريخها. ومع ذلك وحين رحل الرجل الأجنبي، عشنا نموذج المغرب الحديث مع ملوك ما بعد الاستقلال، وبنينا السدود مع الملك الحسن الثاني، وأنشأنا البنيان المرصوص، واقتبسنا تجربة الديمقراطية بمؤسساتها وقوانينها من النموذج الفرنسي الذي بقي راعيا رسميا لديمقراطيتنا الفتية، وأنصفنا المرأة وووسعنا مجال الحريات في عهد الملك محمد السادس بعد طي صفحة أوفقير والدليمي والبصري، وجاء عهد الحموشي الذي أعاد للإدارة الأمنية نفسها المنفتح على المفهوم الجديد للسلطة وذلك بأنسنة الجهاز الأمني وتطويره بما يتناسب وحجم التحديات التي تواجه مغرب اليوم ضدا عن إرادة العنف والتدمير التي يتوعد بها أعداء المغرب هذا الوطن المستقر..

استثمرنا في المشاريع الكبرى، وشيدنا ميناء طنجة منارة المتوسط، واستثمرنا في الطاقات البديلة، وطورنا قدراتنا في صناعة السيارات..الخ، ولكننا أهملنا الإنسان ! وهنا مربط الفرس.

فبعد عقود من إهمال المنظومة التعليمية، أو العبث فيها من طرف الانتهازيين واللاوطنيين ممن عبثوا بمصير أجيال من شباب كبر وكبرت معه أحلامه وأمانيه، فلم يجد من أفق سوى السراب، بات يأمل في النجاة بروحه وجلده من وطن يعبث به الوصوليون والانتهازيون، ونخب سياسية تتصارع على المصالح وتوزيع المنافع وتقسيم الكعكة، بعيدا عن احتياجات شريحة واسعة من الفقراء والمحتاجين والشباب العاطل اليائس.

هذا الجحود والإنكار من طرف الساسة، قابله المغاربة بالعزوف الكبير عن السياسة، واليوم نرى وليدات المغرب يهربون من وطن لا يعبأ بوجودهم، وطن يكره فقراءه، وطن يرمي شبابه ومراهقيه في عرض البحر، وطن لم يلتفت لصرخات المحتاجين، وطن فشل فيه كل نموذج تنموي ضاعت فيه ملايير الدراهم دون أن تجد لها من وقع على حياة المواطن البسيط سوى الضياع والكفر بالديمقراطية وبالوطنية وب”التامغرابيت”.

لقد نجح أغنياء البلد مع استفزازات أبنائهم من إثارة الأحقاد وزرع بذور الفرقة والشقاق بين أبناء الوطن الواحد، ونجح الفشل السياسي للأحزاب وللنقابات في تحقيق مكاسب للشباب العاطل عن العمل، وللأسر المعوزة إلا من مساعدات ظرفية لا تغني ولا تسمن من جوع !؟

ما شاهدناه من هروب جماعي بالصوت والصورة لأسر بأكملها، ولشباب وأطفال ونساء إلى مدينة سبتة السليبة يندى له جنين الأمة، ويبعث على الأسف والحزن والخوف من أن يتحول هذا العقوق بالوطن إلى قنبلة موقوتة يمكن للأيادي الخبيثة من المتربصين بالوطن أن تسخرها للمزيد من التشتت والتفرقة والعصيان والتمرد على كل قيم الوطن ورصيده ووحدة ترابه!

الخوف كل الخوف من أعداء الداخل، ومن تحويل التعددية وهذا التنوع إلى تناقضات يستثمرها البعض لصالح صراعاته مع السلطة حتى لو أدى ذلك إلى إثارة النعرات وتأليب الناس على الحاكم وعلى المؤسسات.

الخوف كل الخوف من هؤلاء الذين يحكموننا اليوم بعباءة الدين، متخذينه سلاحا ايديولوجيا للمزايدة وللحرد السياسي سعيا لخدمة مشروع غريب عن هوية المغرب وسرابيل الوطن.

الخوف كل الخوف من غياب الحب الواجب لهذا الوطن والذي يدفع الخاسرين والمتضررين من أبنائه إلى التحالف ضده، مع شياطين الخارج وعفاريت الداخل ممن لا يهمهم من الوطن سوى الاستغلال والنهب وتهريب الاموال إلى الملاذات الضريبية التي يكدسون فيها الثروات المنهوبة، حتى إذا جاء الطوفان، ركبوا الطائرة وهربوا من وطن غريق.

إن المغرب في حاجة إلى أبنائه كل أبنائه، وإن وطنا لا يعطي فرصا لكل أبنائه هو وطن عاق، وطن جريح، وطن غريق.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.