كتبه: د. يوسف الحزيمري
كانت أول آية نزلت من القرآن الكريم {إقرأ باسم ربك الذي خلق}، منوهة بفريضة القراءة في هذا الدين الخاتم، وكان من الخطوات في بناء الدولة الإسلامية بعد الفوز في غزوة بدر، أن جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداء بعض الأسرى ممن يكتبون بتعليم عشرة من غلمان المدينة القراءة والكتابة.
لا يخفى على كل ذي لب فهيم، مكانة التربية والتعليم، في هذا الدين القويم، فقد وردت آيات قرآنية كثيرة، وأحاديث نبوية شريفة، في بيان فضل العلم والعلماء، وأنهم كالنجوم في السماء، ولهم جاه عظيم عند الله، فهم معلموا الناس الخير، كما ورد في الحديث عن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيْرَ»[1]
قال ابن قيم الجوزية: “فإنَّ معلِّمَ الناس الخيرَ لمَّا كان مُظْهِرًا لدين الربِّ وأحكامه، ومعرِّفًا لهم بأسمائه وصفاته، جعَل الله مِن صلاته وصلاة أهل سماواته وأرضه عليه ما يكونُ تنويهًا به، وتشريفًا له، وإظهارًا للثناء عليه بين أهل السماء والأرض”[2].
لقد احتفى ديننا الإسلامي بالمعلم والمؤدب، وأطر عملهم فقها وأحكاما وآدابا، وقنن العلاقة بين الفقيه والمتفقه، والعالم والمتعلم، والمؤدِّب والمؤدَّب، ويزخر تراثنا المكتوب بمصنفات جليلة في هذا المضمار، نظرا لمكانة ودور المعلم في تهيئة الناشئة أدبا وعلما وحكمة، للانخراط في الحياة الاجتماعية والعلمية والعملية، ولبناء المستقبل المشرق، فجيل اليوم رجال الغد كما يقال، فلا ينبغي أن يبخس دور المعلم، أو أن يحط من قيمته داخل المجتمع، لأننا بذلك نكون معول هدم للقيم والأخلاق، وإفساد النشئ من حيث ندري ومن حيث لا ندري.
والملاحظ اليوم في ظل العولمة المقيتة، وصناعة التفاهات وسيطرتها على وسائل التواصل، الحط من قيمة المعلم ماديا ومعنويا، ولولا الوازع الديني والأخلاقي والضمير المهني الذي يتحلى به معلمونا ومدرسونا لصلينا على التربية و التعليم صلاة الجنازة.
إن المعلم لهو أحق وأولى الناس بتمتيعه بالحصانة والتوقير داخل المجتمع، وتحسين وضعيته المادية، حتى يتفرغ للمهمة الصعبة الموكولة إليه، ألا وهي التربية والتعليم، فالمعلم ساعد الأولياء الأيمن، يشاركهم في الرسالة العظيمة التي أمرهم بها الله عز وجل في قوله تعالى: {ﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا ﻗﻮا ﺃﻧﻔﺴﻜﻢ ﻭﺃﻫﻠﻴﻜﻢ ﻧﺎﺭا ﻭﻗﻮﺩﻫﺎ اﻟﻨﺎﺱ ﻭاﻟﺤﺠﺎﺭﺓ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻼﺋﻜﺔ ﻏﻼﻅ ﺷﺪاﺩ ﻻ ﻳﻌﺼﻮﻥ اﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﺃﻣﺮﻫﻢ ﻭﻳﻔﻌﻠﻮﻥ ﻣﺎ ﻳﺆﻣﺮﻭﻥ}[ اﻟﺘﺤﺮﻳﻢ:12].
ﻗﺎﻝ ﻏﻴﺮ ﻭاﺣﺪ: ﻣﻌﻨﻰ ﻗﻮﻟﻪ -ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺫﻛﺮﻩ-: {ﻗﻮا ﺃﻧﻔﺴﻜﻢ ﻭﺃﻫﻠﻴﻜﻢ ﻧﺎﺭا}، ﺃﻱ: ﻋﻠﻤﻮﻫﻢ ﻭﺃﺩﺑﻮﻫﻢ.
فأوجب الله على الوالدين حسن تربية الأولاد على الدين والفضائل، وتجنيبهم أسباب المعاصي والرذائل، فالأولاد عند والديهم موصى بهم، فإما أن يقوموا بتلك الوصية، وإما أن يضيعوها فيستحقوا بذلك الوعيد والعقاب.
ـــــــــــــ
الهوامش:
1 أخرجه الترمذي في السنن 5/ 50، كتاب العلم (42)، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة (19)، الحديث (2685).
2 مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية، المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد، راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير، الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) – دار ابن حزم (بيروت)، الطبعة: الثالثة، 1440هـ – 2019م، (1/ 169).
المصدر : https://dinpresse.net/?p=20612