سعيد الكحل
إن تنكّر حزب العدالة والتنمية لجهود الحكومات السابقة ومجهوداتها في وضع وإنجاز البرامج التنموية والمشاريع الإصلاحية لمختلف القطاعات، ليس من الأخلاق السياسية في شيء. فحكومة البيجيدي لم تستلم ، سنة 2012 ، دولة “مُفلسة” ولا اقتصادا منهارا ولا الخزينة العامة مثقلة بالديون وعاجزة عن تسديد الأصول والفوائد، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة الناتجة عن الأزمة المالية العالمية (2007/2008)التي هددت كيان دول أوربية لم تنقذها سوى المساعدات الخارجية.
في ظل تلك الأزمة، حافظت حكومة عباس الفاسي على وعودها بالزيادة في الأجور والترقيات بمختلف درجاتها، والتوظيف المباشر لحملة الشهادات الجامعية، وكان آخره محضر اتفاق 20 يوليو 2011 الذي وقعه الوزير الأول حينها عباس الفاسي وتنسيقيات المعطَّلين الذي يقضي بتوظيفهم على دفعات، بينما رفضه بنكيران وتنكّر للاتفاق صارخا في وجه التنسيقيات : “واش كاين شي قانون فالوظيفة العمومية كيعطيكم حق التوظيف المباشر؟”.
كما حرصت حكومة عباس الفاسي على حماية القدرة الشرائية بالإبقاء على صندوق المقاصة ودعم المحروقات، وكذا إنجاز المشاريع الكبرى مثل: خط القطار فائق السرعة TGV بين طنجة والدار البيضاء ، تمديد الطريق السريع نحو الجديدة وبني ملال، الميناء المتوسطي بطنجة..) . كان المغرب يعرف دينامية اقتصادية، حقوقية واجتماعية إلى أن حل “الخريف العربي” الذي حمل البيجيدي إلى قيادة الحكومة فبدأت الانتكاسات الاجتماعية، الحقوقية، الاقتصادية، الثقافية، والإعلامية وحتى الرياضية.
فهل يمكن لحزب العدالة والتنمية أن يقدم الحصيلة الحقيقية لتجربته الحكومية على مدى عشر سنوات ؟ فلنترك الأرقام تكشف ما يتستر عليه البيجيدي من إخفاقات وما تنكّر له من وعود .
فبالعودة إلى البرنامج الانتخابي لسنة 2011 نجده يحدد الأهداف رقميا كالتالي:
ــ رفع معدل الدخل الفردي بـ 40 % في الخمس سنوات المقبلة.
ــ التحكم في عجز الميزانية في حدود 3 في المائة من الناتج الداخلي الخام .
ــ تحسين ترتيب المغرب في مؤشر التنافسية إلى 60 ومؤشر سهولة الأعمال إلى 70 .
ــ مضاعفة مردودية الاستثمار العمومي.
ــ إصلاح ضريبي فعال : عبر تخفيف العبء من الضريبة على الدخل عن الفئات الدنيا والمتوسطة ورفع مساهمة ذوي الدخول العالية . إقرار منظومة جديدة للضريبة على القيمة المضافة في أفق إعفاء المواد الأساسية على المستويين الغذائي والطبي وتطبيق 30 % على المواد الكمالية وتثبيت وتوحيد السعر العادي على عموم المواد.
ــ تحسين ترتيب المغرب في مؤشر مناهضة الفساد العالمي إلى 40 (85 في 2010)
لنسائل قيادة حزب العدالة والتنمية والأطر التي تفخر بإعدادها للبرنامج الانتخابي: ماذا تحقق من هذه الوعود؟ لنترك الأرقام تتحدث:
1 ـ عن رفع معدل الدخل الفردي ب 40 %” في الولاية الأولى للحكومة ، يكفي أن نحيل على تقرير لمنتدى الاقتصاد والأعمال بالأمم المتحدة لسنة 2018، الذي صنف المغرب في مرتبة 122 من ضمن 187 دولة شملها التصنيف. فبعد ثماني سنوات من رئاسة البيجيدي للحكومة ، وإلى نهاية الولاية الثانية للحكومة لن يتحقق هذا الارتفاع الذي يبقى مشروطا بنسبة النمو الاقتصادي.
2 ــ عن التحكم في عجز الميزانية في 3 % ، فبعد مرور عشر سنوات على حكومة البيجيدي، تفاقم العجز رغم الظروف المناخية والدولية المناسبة ( انهيار أسعار البترول منذ رئاسة البيجيدي للحكومة فضلا عن انتظام التساقطات والمواسم الفلاحية الجيدة ). ففي عرضه أمام البرلمان يوم الاثنين 26 يوليو 2021 ، قال وزير المالية إن “مشروع الموازنة يسعى إلى تقليص عجز الموازنة إلى 6.5 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، مقابل 7.5 بالمائة بحسب المشروع المعدل لموازنة 2020”.ومعلوم أن عجز الميزانية بلغ 3,9 % من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2018 و%3,7 سنة 2019. وهذا طبيعي مادامت نسبة النمو منخفضة ، إذ حسب المندوبية السامية للتخطيط فإن نسبة النمو بلغت %3سنة 2018 و%4,1 سنة 2017.
3 ــ عن تحسين ترتيب المغرب في مؤشر التنافسية إلى 60 ومؤشر سهولة الأعمال إلى 70 . جميل أن يتحسن ترتيب المغرب ، لكن ما لم يدركه البيجيدي هو أن أثر هذا التحسن لم ينعكس على نسبة النمو التي ظلت منخفضة ومخالفة لتوقعات الحكومة ، بحيث لم تتجاوز معدل 1.6 في المائة سنة 2016 ،وفي أحسن الأحوال وصلت إلى 4.53 في المائة في 2013 و2015 ، وهي نسبة لا تكفي لتحقيق إقلاع اقتصادي . والجدير بالملاحظة هنا هو أن الترتيب قد يكون متأخرا لكن معدلات النمو قد تكون مرتفعة نسبيا والعكس صحيح . فحين كان المغرب مصنفا خارج 100 الأفضل على مستوى ممارسة الأعمال ما بين 1998 و 2008 ، كانت معدلات النمو تتراوح بين 3 و 7 في المائة ، بخلاف العشرية 2009 ــ 2019 حيث تحسن الترتيب لكن تدنت معدلات النمو.
وهذه الحقيقة نبّه إليها خطاب العرش 2019( لقد أنجزنا نقلة نوعية، على مستو ى البنيات التحتية، سواء تعلق الأمر بالطرق السيارة، والقطار فائق السرعة ، والموانئ الكبرى، أو في مجال الطاقات المتجددة، وتأهيل المدن والمجال الحضري..
ومن منطلق الوضوح والموضوعية، فإن ما يؤثر على هذه الحصيلة الإيجابية، هو أن آثار هذا التقدم وهذه المنجزات، لم تشمل، بما يكفي، مع الأسف، جميع فئات المجتمع المغربي ..ذلك أن بعض المواطنين قد لا يلمسون مباشرة، تأثيرها في تحسين ظروف عيشهم، وتلبية حاجياتهم اليومية، خاصة في مجال الخدمات الاجتماعية الأساسية، والحد من الفوارق لاجتماعية، وتعزيز الطبقة الوسطى).
يتبع …
المصدر : https://dinpresse.net/?p=15342