د. حمزة النهيري
أعرف عددا من الباحثين في علم الكلام وصلوا إلى نتيجة مفادها أن الدرس الكلامي المعاصر ينبغي أن يتحرر من إقصاء المعتزلة من مصطلح أهل السنة والجماعة كما أن المدرسة السلفية ينبغي أن تتخلص من إقصاء الأشعرية والمعتزلة والكرامية من مصطلح أهل السنة، ولكن تمنعهم الجرأة العلمية في إعلان ذلك وهي جرأة اتصف بها قلائل ك ابن تيمية وابن الوزير والمقبلي في تحرير مسائل العقائد..
والسبب في ذلك يرجع إلى أمور:
الأمر الأول: نص المحققين من أهل الكلام على أن المدارس الكلامية بتلويناتها هي من صميم مدارس أهل السنة كما نص على ذلك الإمام ابن فورك في مجرد مقالات أبي الحسن الأشعري حين قرر أن كل الطوئف تشيو إلى معبود واحد وهذا كاف في نفي تفكير المخالفين كما تقتضي نصوص الإمام الأشعري رحمه الله .
الأمر الثاني: أن الامام أبا الحسن الأشعري لوح وصرح في كتابه مقالات الإسلاميين إلى ذلك حين أفرد كتابه المقالات للحديث عن مقالات الإسلاميين بما فيهم المعتزلة والكرامية، رغم نصرته لمذهب أحمد وأهل الحديث حين ساق عقيدتهم مبينا أنها عقيدته التي يدين الله بها.
الأمر الثالث: أن الإمام المجدد شيخ الإسلام ابن تيمية الحراني نص على كلام مهم يجلي فيه مصطلح أهل السنة الذي يدخل فيه المعتزلة والكرامية ماعدا الروافض، وهو مايدل تصريحا وتلويحا على بدعية قول المدرسة السلفية إن الأشاعرة من أهل السنة على وجه العموم لا على وجه الخصوص إخراج المعتزلة من مصطلح أهل السنة أيضا.
وهذا نص ابن تيمية المهم من كتابه منهاج أهل السنة2/220
(فالجهمية والمعتزلة أول من قال إن الله ليس بجسم.
فكل من القولين قاله قوم من الإمامية و من أهل السنة الذين ليسوا بإمامية.
وإثبات الجسم قول محمد ابن كرام وأمثاله ممن يقول بخلافة الخلفاء الثلاثة ونفاه قول ٱبي الحسن الأشعري وغيره ممن يقول بخلافة الخلفاء الثلاثة، وقول كثير من أتباع الأئمة الأربعة أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم.
ثم قال: فلفظ أهل السنة يراد به من أثبت خلافة الخلفاء الثلاثة فيدخل في ذلك جمييع الطوائف إلا الرافضة، وقد يراد به أهل الحديث والسنة المحضة، فلا يدخل فيه إلا من يثبت الصفات لله تعالى ويقول إن القرءان غير مخلوق وأن الله يرى في الآخرة ويثبت القدر وغير ذلك من الأصول المعروفة عند أهل الحديث والسنة) . 2/212.
وهذا الكلام المهم من ابن تيمية يبين بجلاء أن مصطلح أهل السنة يراد به عند المتقدمين من يثبت خلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فيدخل حين ذلك هؤلاء كلهم في التسمية اي يدخل المعتزلة والكرامية في مدلول المصطلح.
أما الاطلاق الثاني عند أهل السنة فهو الذي روجه أهل الحديث ونصروه حيث ادعوا أنهم الطائفة الناجية المخصوصة دون غيرهم وهذا بلاشك تحجير إذا ما علمنا أن كلام الطوائف في العقائد ماعدا الرافضة اجتهادات كلامية لا تخالف القواطع.
فالقرآن هو أصل الاستدلال عند المعتزلة والإباضية والأشاعرة والكرامية وأهل الحديث، فمالذي يحمل على إخراجهم من مصطلح أهل السنة إلا التعصب المذموم المشحون بالسياسة الذي نهينا عنه في ديننا الحنيف.
تبقى الإشارة إلى أن مصطلح ٱهل السنة والجماعة تعلق بالجانب السياسي كما تعلق بالجانب العقائدي الكلامي.
ومن قرأ التاريخ عرف أن مذهب المعتزلة كان هو المذهب الرسمي للدولة الاسلامية الأموية في حقبة من الحقب، بل الأعجب من ذلك أن الشيعة الروافض الذين استثنوا من هذا المصطلح استفادوا من المعتزلة في نصرة مذهبهم مع معرفتهم بردود المعتزلة عليهم، (راجع المغني للقاضي عبد الحبار والعثمانية للجاحظ وكتاب الملل للبلخي).
فهو مصطلح سياسي عقدي، أما وجه إخراج الشيعة من هذا المصطلح مع وجود معتدلين قديما وحديثا فالسبب يرجع إلى خطهم السياسي المنحرف عن منهاج الأمة والسواد الأعظم للمسلمين ومنها قولهم المنحرف في وجوب الإمامة وركنيتها وطعنهم في عدالة الصحابة وتكفيرهم لهم، والقول بتحريف القرءان، اللهم الزيدية الذين لم ينهجوا نهج الإمامية المنحرف، بل إن الإمامية تكفر الزيدية.
ورغم وجود تيارات شيعية معتدلة مثل المرجع حسين فضل الله وتيار الخالي في العراق.. إلا أن ذلك لايشفع من جهة التاريخ والكلام والسياسة في إدخالهم في المصطلح وهم مسلمون بلاشك، وقد أثنى ابن تيمية في منهاج السنة على فقه الشيعة في الفرائض وذكر ان مذهبهم موافق لمذهب الصحابة والمحققين من أهل السنة.
الضوابط التي نص عليها ابن تيمية وأشرت إليها في ثنايا المنشور المختصر تقضي
بكون مذهبهم كان على رأس الدولة الأموية السنية ردحا من الزمن.
كون المعتزلز لاتنكر السنة النبوية.
كون مدرسة الجمهور في أصول الفقه تضم المعتزلة والأشاعرة بل إن أهل الحديث مشاركتهم في الاصول تكاد تكون ضئيلة أو منعدمة.
كون غالب علماء المذهب الحنفي معتزلة.
كون المعتزلة خرجت من حلقة الحسن البصري والأشاعرة خرجت من المعتزلة(منكم وإليكم) .
كون المعتزلة لهم بصمة على الفكر الإسلامي لغويا وعقائديا وفي مجال الرد على النصارى والملاحدة كانوا أقوم.
كونهم لاينكرون قطعيا من قطعيات الشريعة ولا شيئا معلوما من الدين بالضرورة في الاصول والفروع.
كونهم يرون ابا بكر وعمر وعثمان وعليا أئمة مرضيين، ولايكفرون الصحابة.
كون مصطلح أهل السنة والجماعة مصطلح سياسي قبل أن يكون عقائديا.
هذا وللحديث بقية والله أعلم
(مختصر معتصر من كتابي التجديد العقدي)
المصدر : https://dinpresse.net/?p=14341