أيمن الطيبي
هل يمكن أن يكون “الصبر” سرّ ازدهار بعض الدول وتخلّف أخرى؟
نعم، وبدرجة كبيرة. هكذا تُجيب دراسة حديثة نُشرت مؤخرًا بعنوان “الصبر والتنمية المقارنة”، حيث اعتمد الباحثون في هذه الدراسة على بيانات من 76 دولة لقياس “درجة الصبر” لدى الأفراد، أي استعدادهم لتأجيل المنافع الآنية مقابل مكاسب مستقبلية أكبر، ثم قاموا بربط هذه السمة الشخصية بمؤشرات اقتصادية وتنموية على مستوى الدولة.
وكانت النتائج واضحة: الأفراد الذين يتمتعون بدرجة أعلى من الصبر هم غالبًا أكثر ثراءً وتعليمًا. أما الدول التي يتمتّع سكانها بدرجات مرتفعة من الصبر، فتُحقّق:
1. دخلًا قوميًّا أعلى
2. استثمارًا أكبر في التعليم
3. تراكمًا أعلى لرأس المال
4. إنتاجية أقوى
– لكن اللافت أن أثر الصبر لا يتوقف عند الفرد، بل يتعاظم على مستوى الدولة بسبب التأثيرات الاجتماعية المتبادلة. فكل فرد صبور يُلهم غيره أو يُسهم في خلق بيئة تشجّع على السلوك طويل الأمد، مما يُنتج ثقافة مجتمعية تقوم على التأنّي، والتخطيط، والادخار.
– النموذج النظري الذي يبنيه الباحثون في الدراسة يُبيّن أن الصبر، إذا أصبح سلوكًا عامًا، فإنه يعزّز تراكم المعرفة، ويحسّن جودة القرارات الاقتصادية، ويقود إلى مؤسسات أكثر استقرارًا وفاعلية.
فما علاقة ذلك بالعمل السياسي؟
حين نتأمل مسارات التغيير السياسي في عدد من الدول، نلاحظ ميلًا دائمًا إلى التحولات السريعة والمطالب الفورية، وكأن إصلاح المجتمع والدولة يمكن أن يحدث بجرّة قلم أو هتاف في الشارع.
لكن الواقع يُثبت أن المجتمعات التي تنمو بصبر، وتُراكم التغيير المؤسسي والمعرفي والعسكري والاقتصادي عبر الزمن، هي الأقدر على بناء أنظمة قوية وعادلة ومستقرة.