هل يستطيع تنظيم “الإخوان” التأقلم مع قرار ترامب؟

3 ديسمبر 2025

محمد زاوي

ما زال قرار دونالد ترامب، بتصنيف تنظيمات إخوانية كحركات إرهابية، يثير نقاشا واسعا في منصات الإعلام؛ وليس ذلك بغريب في حدث يخص حركة عمرت قرنا من الزمن، واقتحمت قضايا المنطقة العربية منذ ذلك الحين.. فانتهى بها المطاف منحسرة في كل بلد، بما في ذلك بلدان آوتها ووفرت لها الدعم المادي والسياسي، والحديث هنا عن بريطانيا وتركيا وقطر، بل وأمريكا أيضا وقد سمحت لجمعياتها بممارسة أنشطة ثقافية واجتماعية ومالية على أراضيها.

نحن هنا نتحدث عن خروج دولي منتظر من دورة إيديولوجية قديمة ودخول أخرى جديدة، ليس لأن الحركة فقدت قدراتها من تلقاء نفسها، وإنما بسبب الانحسار الذي تعرفه مجمعات المصالح التي راهنت عليها طيلة قرن.. لم تعد أمريكا الفاعل الوحيد في العالم، ولم تعد دولة “الأحادية القطبية” كما كان في السابق، بل تزاحمها اليوم قوى أخرى صاعدة، أبرزها الصين التي شرعت في اقتحام الشرق الأوسط، الامتداد الجيوسياسي التقليدي للولايات المتحدة الأمريكية.. ومن جهة ثانية فإن أمريكا نفسها تعرف تحولا عميقا عنوانه الأبرز: تجفيف منابع “الدولة العميقة”، الداعم الأكبر للإخوان المسلمين في أوروبا والشرق الأوسط.

هذا التحول الكبير وغير المسبوق، والذي لا يشبه نكبات “الإخوان” السابقة في مصر أو سوريا أو ليبيا أو العراق، يفرض على تنظيمات “الإخوان” وامتداداتها المباشرة وغير المباشرة إجراء نوع من المراجعة أو التأقلم.. تحتاج المراجعة إلى تفكير استراتيجي، فيما يحتاج التأقلم إلى تفكير تكتيكي. وإذا كان هذا الأخير قد أسعف “الإخوان” في مراحل سابقة من دعوتهم وممارستهم الإيديولوجية، فإنه لم يعد كذلك اليوم.. وبالتالي، فكل تفكير تكتيكي في التأقلم لا يعدو أن يكون اقترابا من “هاوية وشيكة”، فيبقى التفكير الاستراتيجي في المراجعة وحده كفيلا بدمجمهم من جديد في العالم الجديد والاستراتيجية الجديدة.

السؤال هو: هل للإخوان استعداد وأهلية لخوض هذه المراجعة؟ وكيف تتم؟ وأين؟ وبأي سقف نظري وإيديولوجي؟ وبأي أولويات؟ أسئلة لا نظن “الإخوان” يطرحونها اليوم، فأزمتهم لا تستفحل في ممارستهم فحسب، بل في النظر الذي تنبني عليه كل ممارسة.. ولما يكون هذا التنظيم مطالبا بالتأمل مليا في نظره وممارسته، فإنه يهرع إلى اصطناع خطاب “الصمود والابتلاء” خارج الشروط التاريخية لهذا الخطاب الذي لا يسوغ بحال تجاوز نكبة في التاريخ بغير تاريخ.

يتأسس فهم الإخوان، بداية، على عدم التمييز بين “التاريخ” و”ما وراء التاريخ”، يحسبون كل “تاريخ” إشارة يجب أن تُقرأ “خارج التاريخ”.. من هنا يأتي قصورهم عن رصد التحولات، ومنها التحول الذي يعرفه العالم، والذي يختلف عن انتقالهم من العمل لمصلحة قطب في الثنائية القطبية إلى العمل لمصلحة القطب الوحيد.. فلو عرف “الإخوان” ما ينتظرهم، لو اهتدوا إليه بحدس أو وعي، لسارعوا إلى إطلاق مراجعة استراتيجية تنهي الشقاق بينهم وبين دولهم، وتدمجهم حضاريا في العمل الإسلامي العام وإمكاناته الخلاقة والمدروسة والأكثر انضباطا وتنظيما ونجاعة تاريخية.. هذه مراجعة لا تنطلق من أمريكا، بل تبدأ في مصر وسوريا والأردن وفلسطين والمغرب وتونس والسودان، وفي كل بقعة لم فيها نصيب من وجود سياسي أو اجتماعي أو ثقافي.

فلنرصد وضع الإخوان اليوم رصدا مختصرا؛ حظر قانوني وعملي في مصر، ضعف قديم في لبنان، تراجع شعبية في فلسطين، هامشية في سوريا الجديدة، فقدان الحكم في السودان، حلّ في الأردن، محاصرة ومحاكمات في تونس، انخراط في استراتيجية النظام العسكري في الجزائر، تراجع القدرات الاستقطابية والإيديولوجية في المغرب (مع ما التجربة المغربية من خصوصية نتحدث عنها في مقال لاحق)، ارتباك عملي وتراجع سيطرة في ليبيا، علاقات متوترة مع دول الخليج (خاصة مع السعودية والإمارات)، إعادة ترتيب الأوراق في قطر، تراجع الدعم في تركيا، حظر شامل في أمريكا، منزلة بين المنزلتين في دول الاتحاد الأوروبي، بوادر تحول في الموقف البريطاني تبعا للموقف الأمريكي.. الخ.

هذا واقع يفرض على “الإخوان” إطلاق مراجعة شاملة في أوطانهم، مع ما تقتضيه هذه المراجعات من تغيير في الفكر والوعي والإيديولوجيا والممارسة العملية، وكذا ما تقتضيه من مصالحات مع الأنظمة السياسية وخط الشعوب.. ليست أمريكا هي ما سينقذ “الإخوان المسلمين”، بل كل خطوة يخطونها لتصحيح علاقاتهم بأوطانهم! هناك فئات حاولت القيام ببعض المراجعات، لكنها تتحرك في جوهرها بدعم أجنبي وموارد بشرية في المنفى ووعي ما قبل نظري.. تحكم هذه الثلاثية على كل مراجعة بالقصور، وإن ادعت تجاوز التأخر الفكري والنظري! والحديث هنا عن عدد من المنتديات والمؤسسات والمنابر والملتقيات الفكرية التي يعيد “الإخوان” تدوير أنفسهم وخطابهم فيها بلغة “فكرية”..

التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد.

“الإسلام الإخواني”: النهاية الكبرى

يفتح القرار التنفيذي الذي أصدره أخيرا الرئيس الأميركي “دونالد ترامب”، والقاضي ببدء مسار تصنيف فروع من جماعة “الإخوان المسلمين” كمنظمات إرهابية، نافذة واسعة على مرحلة تاريخية جديدة يتجاوز أثرها حدود الجغرافيا الأميركية نحو الخريطة الفكرية والسياسية للعالم الإسلامي بأكمله. وحين تصبح إحدى أقدم الحركات الإسلامية الحديثة موضع مراجعة قانونية وأمنية بهذا المستوى من الجدية، فإن […]

استطلاع رأي

هل أعجبك التصميم الجديد للموقع ؟

Loading...