دين بريس ـ خاص بالموقع
تناول الدكتور مصطفى بوسدر، الأستاذ الباحث في الفيزياء الفلكية والمسؤول عن القبة الفلكية بجامعة محمد الخامس، في محاضرته بالندوة الوطنية الرابعة للإعجاز العلمي في القرآن والسنة التي نظمت بكلية العلوم الاحد الماضي بالرباط، العلاقة بين الزمن والإدراك البشري من منظور قرآني وعلمي، مستعرضا الآية الكريمة: “حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر” (البقرة: 187) كنموذج دقيق يربط بين الظواهر الكونية وإدراك الإنسان للزمن.
وتناول الدكتور “بوسدر” تاريخ قياس الزمن، مبينا أن البشر اعتمدوا على الظواهر الفلكية منذ القدم، حيث كانت الشمس والقمر أساس ضبط الأيام والشهور، وهو ما عبر عنه القرآن في قوله: “هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب” (يونس: 5)، وتطورت وسائل قياس الزمن من الساعات الشمسية والمائية إلى الساعات الذرية التي تعتمد على اهتزازات الذرات، مما يعكس سعي الإنسان نحو تحقيق دقة متناهية في ضبط الزمن، وهو ما يتلاقى مع المفاهيم القرآنية التي أسست لهذا التوجه منذ قرون.
ومن منظور الفيزياء الحديثة، أوضح الباحث أن الزمن لم يعد ينظر إليه على أنه كيان مستقل، بل باعتباره بعدا رابعا مرتبطا بالمكان فيما يعرف بنسيج “الزمكان”، حيث يتداخل الزمن مع الأبعاد المكانية كما تطرح النسبية العامة لأينشتاين، وفي السياق نفسه، استحضر مفهوم “الخيط الأبيض والخيط الأسود” في الآية كقاعدة تصورية للتحولات الزمنية والضوئية، مما يعكس التفاعل بين المكان والزمن..
وتعمّق الباحث في تفسير العلاقة بين القرآن والفيزياء النظرية من خلال “نظرية الخيوط”، التي تعد من أكثر المحاولات طموحا لتوحيد ميكانيكا الكم مع النسبية العامة، إذ تفترض أن الجسيمات الأولية ليست نقاطا بلا أبعاد، بل خيوط أو أوتار دقيقة تهتز بترددات مختلفة، مما يحدد خصائصها الفيزيائية مثل الكتلة والشحنة، وبين أن هذه النظرية تفترض وجود أبعاد إضافية تتجاوز الأبعاد الأربعة التقليدية، حيث تكون هذه الأبعاد مطوية داخل بنيات رياضية مما يعيد تشكيل فهمنا للكون على نطاق أوسع.
وفي هذا السياق، استشهد الباحث بالآية “والسماء ذات الحبك” (الذاريات: 7)، مشيرا إلى أن لفظ “الحبك” في اللغة يحمل معاني التشابك والنسيج المتقن، وهو ما يتشابه مع التصور الفيزيائي لنظرية الخيوط، حيث ينظر إلى الكون على أنه نسيج من الأوتار المتشابكة التي تهتز في أبعاد متعددة، مشكلة بذلك القوانين الفيزيائية التي تحكم الكون، وأوضح أن مفهوم “نسيج الزمكان” في النسبية العامة يتقاطع مع هذا الوصف، حيث يتمدد الفضاء حسب الاية القرانية (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون)، وفقا لتأثيرات الكتلة والطاقة، مما يعزز الفرضية القائلة بأن الكون ليس فراغا ساكنا، بل بنية ديناميكية من الخيوط المتشابكة.
وختم الدكتور “بوسدر” محاضرته بالتأكيد على أن آية “حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر” لا تقتصر على تحديد بداية الصيام فحسب، بل تعكس دقة القرآن في وصف العلاقة بين الزمن والإدراك البشري، ومن خلال ربطها بالمفاهيم الحديثة مثل نسيج الزمكان و”نظرية الخيوط”، يتضح أن التصورات القرآنية تتلاقى مع التطورات الفيزيائية الكبرى، مما يرسخ عمق الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، ويفتح المجال لمزيد من الدراسات التي تعيد استكشاف العلاقة بين النصوص القرآنية والمفاهيم العلمية المتقدمة.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=23680