سعيد الكحل
هذا العنوان مستوحى من عنوان لمقالة نشرتها سمية بنخلدون بتاريخ 3 أكتوبر سنة 2011 كالتالي: “هل تغيرت أحكام الشريعة الإسلامية المتعلقة بالأسرة؟”. كانت مناسبة مقالة السيدة بنخلدون حينها مبادرة حكومة عباس الفاسي برفع تحفظات المغرب عن الاتفاقيات المتعلقة بالقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة ، وخاصة مقتضيات المادتين 9 و16 من الاتفاقية. لحظتها كتبت السيدة بنخلدون “إن الموضوع على قدر كبير من الخطورة: فالمبادرة غير ديمقراطية وفيها استخفاف بمؤسسات الشعب وهي أيضا عدوان شنيع على الأسرة المغربية وقيمها الإسلامية التي لن تتنازل عنها لمجرد مناورات بهلوانية ..نتمنى أن يخرج المجلس العلمي الأعلى عن صمته ويوضح الموقف مما جرى ..أما الشعب المغربي وقواه الحية المؤمنة بالديمقراطية والمعتزة بقيم الإسلام وشريعته السمحة فلن يخذلوا المغرب وسيكونون بالمرصاد لكل المساعي العابثة بأمنه واستقراره “.
طبعا مقالة بنخلدون جاءت في سياق الهجوم الشرس الذي شنه حزب العدالة والتنمية وذراعه الدعوية حركة التوحيد والإصلاح التي أصدرت بيانا في14 شتنبر 2011 يندد بقرار الحكومة التي رفعت تحفظاتها عن الاتفاقية لأن موادها ، حسب الحركة ( تتعارض مع أحكام الإسلام وتتناقض مع أحكام الدستور وتخالف صراحة بنود مدونة الأسرة وتجهز على مكتسبات ثابتة للمرأة). وما غاظ الحركة والحزب هو إقرار الاتفاقية بالمساواة بين الجنسية في كل المجالات ، وكذا حث الدول على وضع تشريعات تضمن حقوق النساء وترفع عنهن كل أشكال التمييز والاستغلال.
مناسبة التذكير بهذه المواقف هي المبادرة التي تترأسها السيدة بنخلدون وأطلقها منتدى الزهراء التابع لحزب العدالة و التنمية، يوم 15 مارس 2021، بغاية حث البرلمانيين على تعديل المادة 49 من مدونة الأسرة والمتعلقة بتدبير الأموال المكتسبة خلال الحياة الزوجية؛ وذلك تحت شعار: اللي شركناه بالفضل نتقاسموه بالعدل. اليوم فقط أدركت بنخلدون ومعها القطاع النسائي للبيجيدي ولحركة التوحيد والإصلاح ضرورة تعديل هذه المادة لضمان حق الزوجة فيما تراكم من ممتلكات خلال فترة الزواج. وهذه مناسبة لنطرح على السيدة بنخلدون ومعها البيجيدي والحركة نفس السؤال الذي طرحته عام 2011 “هل تغيرت أحكام الشريعة الإسلامية المتعلقة بالأسرة؟”. فما الذي تغير حتى تغير بنخلدون والحركة ومعهما البيجيدي الموقف من اقتسام الممتلكات الزوجية؟ لا بأس من تذكير السيدة بنخلدون ببعض مواقف الحركة وفقهائها حتى توضح لنساء البيجيدي حقيقة تغيير المواقف:
1 ــ جاء في الكتيب الذي أصدرته حركة التوحيد والإصلاح سنة 2000 تحت عنوان”موقفنا مما سمي مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية” حول مطلب تقسيم الممتلكات الزوجية ما يلي ( وهذا المقترح يتعارض تعارضا بيّنا مع قوله تعالى (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسالوا الله من فضله).النساء:32… وهو يتعارض أيضا مع الشريعة التي تنهى عن أكل أموال الناس بالباطل ، كما سيؤدي إلى هدم أحكام المتعة والنفقة في العدة والنفقة على الأولاد ونظام الإرث … وهذا الاقتراح يتجاهل أن الإسلام يجعل للمرأة ذمة مالية كاملة ومستقلة في الأموال التي ورثتها أو كسبتها بطريق مشروع..
هذا الاقتراح سيؤدي إلى تحويل العلاقات الزوجية التي ينبغي أن تقوم على أساس المودة والرحمة والمكارم إلى مجال للمشاحة والصراع … ومما يمكن أن يؤدي إليه تطبيق هذا الاقتراح .. اللجوء إلى اختلاق الأسباب للمطالبة بالتطليق كلما نمت ثروة الزوج وازدهرت … ومن الواضح أن ذلك يتنافى مع علاقات المعروف والمكارمة التي أقام عليها الإسلام بناء الأسرة ، إذ جرى العرف على اعتبار ما تقوم به المرأة تطوعا ولا يستساغ أن تتحول إلى أجيرة في بيتها تتلقى مقابلا عن خدمة الزوج والأبناء، الأمر الذي يتعارض مع تصور الإسلام لأدوار ووظائف عناصر الأسرة) . هذا هو موقف حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية من مسألة تقسيم الممتلكات الزوجية التي جاء بها مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية.
2 ــ في 1 يناير 2000 أصدر الدكتور الريسوني ــ رئيس حركة التوحيد والإصلاح حينها ــ بيانا اعتبر فيه “اقتسام الثروة التي امتلكها الزوج أثناء الحياة الزوجية عند وقوع الطلاق ، وفيه ما فيه من إباحة أكل أموال الناس بالباطل ، وهدم أحكام المتعة والنفقة في العدة ، والنفقة على الأولاد ، ونظام الإرث والإضرار بأعضاء الأسرة الآخرين الذين ساهموا في تكوين الثروة بالإضافة إلى ما يؤدي إليه ذلك نظراً لضعف الوازع الديني والأخلاقي من فسح مجال واسع لاختلاق الأسباب للمطالبة بالتطليق كلما نمت ثروة الزوج أو الزوجة، ولتحايل أرباب الأسر على أنفسهم وأولادهم لمحاولة”.
اليوم يطالب القطاع النسائي للبيجيدي وللحركة بضرورة تعديل المادة 49 من المدونة حتى تضمن للنساء ، خاصة في حالة الطلاق أو الترمل ، حقهن في الممتلكات الزوجية . فهل تغيرت أحكام الشريعة أم أن الواقع فرض على البيجيديات تجاوز أحكام الشريعة؟ وماذا عن التحذيرات التي حذر منها الريسوني في حالة تشريع اقتسام الممتلكات؟ فمن كان إذن، يسعى لرفع الظلم الاجتماعي والاقتصادي عن النساء ؟أليس التيار الحداثي/ الديمقراطي؟ ومن كان يضغط لتكريس هذا الظلم والاستغلال في حق النساء؟ أليس التيار الإسلاموي بقيادة البيجيدي؟ ومن كان إذن ، يُصرّ على تكريس أكل أموال النساء بالباطل؟ أليس البيجيدي وحركة التوحيد والإصلاح وفقهائهما؟
لقد فرض الواقع نفسه على نساء البيجيدي اللائي خرجن ضد مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية يوم 12 مارس 2000، في مسيرة بالدار البيضاء مطالبات بالتخلي عن المشروع والإبقاء على وضعية القهر والاستغلال والظلم في حق النساء. إذ كشفت إحصائيات وزارة العدل لسنة 2015 أن 0,5 في المائة فقط من العقود المستقلة لتدبير الأموال المكتسبة تم إبرامها منذ دخول القانون حيز التطبيق ؛ فيما بينت الدراسة الميدانية التي أجراها منتدى سمية بنخلدون “أن العدول واجهتهم صعوبات في إثارة موضوع إبرام هذا العقد عند توثيق الزواج ، وأن المطلقات أو الأرامل عانين من عدم الإنصاف نظرا لعدم توثيق مساهماتهن، مما ترتب عنه صعوبة الإثبات والتالي ضياع حقوقهن وتعرضهن للهشاشة الاقتصادية والاجتماعية، وأن مجموعة من النساء صرحن أن لحظة إبرام عقد الزواج، غير مناسبة لإثارة موضوع الأموال المكتسبة في السياق الثقافي والاجتماعي للزواج ببلادنا”. أمام ضغط الواقع الاجتماعي غيرت نساء البيجيدي موقفهن.
هكذا تريد بنخلدون بمبادرتها هاته “إدراج تعديل المادة 49 من مدونة الأسرة في الأجندة السياسية لصانعي القرار ضمانا لحقوق طرفي العلاقة الزوجية، ورفعا للعنف الاقتصادي الذي تتعرض له المرأة من جراء حرمانها من حقوقها المالية خاصة عند الطلاق أو الترمل، وإرساء لقواعد أكثر إنصافا لتدبير الأموال المكتسبة خلال فترة الزواج”. الأمر الذي يدعو إلى إثارة الملاحظات التالية:
أ ــ إن السيدة بنخلدون أقدمت على مبادرتها دون الرجوع أو استشارة فقهاء الحزب والحركة الذين سبقوا وأفتوا بأن اقتسام الممتلكات الزوجية هو “أكل أموال الناس بالباطل” ؛ مما يجعل مبادرتها إما تعطيل للفتوى إياها ، أو صحوة ضمير إزاء معاناة النساء المطلقات والأرامل وحرمانهن من حقوقهن.
ب ــ إن الدكتور الريسوني المشهور بالفقيه المقاصدي ، جاءت مبادرة بنخلدون لتثبت افتقاره إلى الأهلية الفقهية/العلمية لاستنباط مقاصد الشريعة في مسألة اقتسام الممتلكات الزوجية التي حرّمها وحرَم النساء من حقوقهن.
ج ــ إن النهوض بأوضاع المرأة والقضاء على كل أشكال العنف والتمييز ضدها معركة تخوضها وتكسبها الحركة النسائية التقدمية/اليسارية/ الحداثية ، بينما تناهضها وتستفيد منها نساء الحركة الإسلاموية . ولعل السيدة سمية بنخلدون إحدى المناهضات لمشروع الخطة وأبرز المستفيدات منه.
د ــ الاستغلال الإيديولوجي والسياسوي للدين يحوّله إلى أداة لتكريس الاستغلال والظلم في حق النساء ، مما يجعل مسألة تحريرهن من هذا الاستغلال الإيديولوجي للدين أمرا ضروريا لكل نهضة مجتمعية.
هذه تذكرة للسيدة سمية بنخلدون ولكل نساء البيجيدي (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) ، بأن للواقع سطوته وللمجتمع حركيّته الدؤوبة إما ننفتح عليها فنجاريها ونستوعبها وإما ننغلق فنتخلف عنها.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=13896