بعد خمس سنوات من الهدوء النسبي في شمال سوريا، عاد المشهد إلى التصعيد العسكري الحاد مع إطلاق المعارضة السورية عملية “ردع العدوان” في 27 نوفمبر الجاري.
واستهدفت العملية، التي كانت بمثابة مفاجأة كبيرة، مواقع النظام السوري في ريف حلب الغربي وإدلب الشرقي، وسرعان ما حققت تقدمًا ميدانيًا ملحوظًا، حيث سيطرت المعارضة على مساحات واسعة في أقل من 48 ساعة.
جاء هذا التحرك ردًا على تهديدات النظام بشن هجوم على إدلب، وسط تصاعد القصف الجوي والمدفعي الذي أودى بحياة العديد من المدنيين.
ويعكس التصعيد الأخير تداخلًا معقدًا للظروف الإقليمية والدولية، لا سيما مع انشغال القوى الكبرى في ملفات أخرى كالحرب الأوكرانية والتوترات الإسرائيلية-الإيرانية، حيث وجدت المعارضة السورية في هذه الأجواء فرصة سانحة لتوجيه ضربة استباقية للنظام وحلفائه، متجاوزة الهدف المعلن بحماية المناطق المحررة إلى محاولة إعادة الملف السوري إلى واجهة الاهتمام الدولي.
ولم تقتصر أهداف العملية على تحقيق مكاسب عسكرية مثل إضعاف النظام وإبعاد المليشيات الإيرانية عن مناطق المعارضة، بل تضمنت أيضًا بعدًا سياسيًا يسعى لإحياء النقاش الدولي حول الأزمة السورية التي تعاني من جمود منذ سنوات.
والتقدم السريع الذي أحرزته المعارضة، بما في ذلك السيطرة على مواقع استراتيجية مثل “الفوج 46” وقطع الطريق الدولي بين حلب ودمشق، يشير إلى تغييرات نوعية في نهجها العملياتي.
والعوامل التي ساهمت في نجاح العملية تتضمن التخطيط المحكم، التنسيق بين الفصائل في غرفة عمليات مشتركة، واستخدام الطائرات المسيّرة لأول مرة في ضرب مواقع النظام.
وتكشف هذه التحركات عن مستوى عالٍ من التنظيم والتجهيز، وهو ما أدى إلى انهيار سريع لقوات النظام في جبهات عدة، إضافة إلى أن غياب الدعم الجوي الروسي القوي كما كان في الماضي أثار تساؤلات حول موقف موسكو من التصعيد الأخير، مما أضاف غموضًا إلى المشهد.
وبالنسبة لتركيا، التي تُعتبر ضامنًا لمناطق خفض التصعيد، لم تعلن رسميًا دعمها للعملية، لكنها تبدو موافقة ضمنيًا، ربما لتحقيق مكاسب سياسية في مفاوضاتها مع النظام السوري، في المقابل، أبدت إيران التزامًا أكبر بدعم النظام عبر مشاركة مباشرة في المعارك، حيث فقدت أحد كبار قادتها العسكريين.
أما روسيا، فقد بدا موقفها غامضًا مع غياب تدخل حاسم، مما يعكس انشغالها في ملفات أخرى، خاصة الحرب في أوكرانيا.
إن الانشغال الروسي، وتراجع النفوذ الإيراني نتيجة الضغوط الإسرائيلية، والانحسار النسبي لدور حزب الله في سوريا بعد المواجهة الأخيرة مع إسرائيل، كلها عوامل ساهمت في زعزعة موقف النظام، وفي هذا السياق، تبدو المعارضة السورية في وضع يسمح لها بتحقيق مكاسب ميدانية وسياسية.
ويُؤكد التصعيد الحالي أن الأزمة السورية ما زالت تتصدر التفاعلات الإقليمية والدولية، كما أن التطورات تشير إلى أن المعارضة باتت أكثر قدرة على تحدي النظام بطرق أكثر تنظيمًا وفعالية، ما قد يؤدي إلى تغييرات محتملة في المشهد السوري.
ومع ذلك، يبقى السؤال مطروحًا حول مدى قدرة هذه العملية على إحداث تأثير طويل الأمد، وهل ستشكل نقطة تحول حاسمة في الصراع أم ستكون فصلًا جديدًا في الأزمة المستمرة.
اهم التنظيمات التي تقود الحرب ضد النظام السوري:
هيئة تحرير الشام (HTS):
هيئة تحرير الشام هي الفصيل الأبرز في العملية. كانت تُعرف سابقًا بجبهة النصرة، الفرع السوري لتنظيم القاعدة، قبل أن تنفصل عنه في 2016. وتسيطر الهيئة حاليًا على معظم محافظة إدلب وأجزاء من ريف حلب، وتدير هذه المناطق من خلال حكومة تُسمى “حكومة الإنقاذ السورية”. ورغم محاولتها تقديم نفسها ككيان محلي غير تابع لتنظيم القاعدة، ما زالت تُعتبر منظمة إرهابية من قِبل الولايات المتحدة وتركيا وروسيا.
الجيش الوطني السوري:
يتألف الجيش الوطني السوري من فصائل معارضة تدعمها تركيا، ويعمل كقوة عسكرية تحت مظلة الحكومة المؤقتة للمعارضة السورية. ويركز الجيش الوطني على محاربة قوات النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية (التي يقودها الأكراد)، لكنه لم يكن مشاركًا رئيسيًا في هذه العملية إلا من خلال بعض الفصائل المتحالفة.
فصائل أخرى:
تشمل هذه الفصائل جماعات مثل “حركة أحرار الشام” وبعض المجموعات الأصغر التي تعمل ضمن تحالفات مثل غرفة عمليات “الفتح المبين”، وهي تحالف عسكري يضم هيئة تحرير الشام وعددًا من الفصائل المعارضة الأخرى.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=21583