د. الناجي لمين. أستاذ في دار الحديث الحسنية. الرباط
عند ما يتأمل الباحث في نظر رموز مدرسة المنار إلى الأحكام الشرعية يجدهم لا يختلفون من حيث النتيجة عن القائلين بتاريخانية الشريعة، لأن النتيجة واحدة، وهو نزع القداسة عن الدين الموروث. وكل من الفريقين يتوسل لذلك بالكذب على العلماء، ويبحث عن المظاهر والآراء الشاذة في تاريخ المسلمين، والروايات التاريخية الهالكة، والنصوص المتشابهة في مقابل المُحْكمة.
انظروا أيها الإخوة إلى الدكتور القرضاوي ما ذا يقول: “حينما ننظر إلى الفقه الإسلامي نجد أن الأولين كانوا أكثر تيسيرا وتخفيفا على الناس ممن بعدهم، كل عصر يزيد في التشديد على العصر الذي قبله، من باب الاحتياط..”.
هذا الكلام كذب في كذب، وظلمات من الجهل بعضُها فوق بعض؛ لأن الشريعة التي ورثناها هي المذاهب الأربعة، والمسائل الأساسية فيها هي ميراث عن الصحابة والتابعين، مع العمل المتوارث من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وما أضافه مالك والشافعي وأبو حنيفة مثلا قليل. وخلافهم في مسألة معينة هو ناتج على الأغلب عن الخلاف بين الصحابة.
والأتباع التزموا ما قاله هؤلاء الأئمة الثلاثة وأصحابهم الكبار، فالخلاف في المذهب الواحد في مسألة معينة هو ناتج عن الخلاف بين أئمة المذهب. وحتى عندما تنزل النوازل ولا يجد الأتباع فيها نصوصا في مذهبهم، يُخَرجونها على أصوله وفروعه، ويميزونها عن أقوال الأئمة؛ فالحنفية يسمونها الواقعات، والشافعية والمالكية يسمونها الوجوه. فما قاله الإمام أو أصحابه يسمى القول، وما خرجه الأتباع يسمى الوجه.
هذا من حيث الإجمال وأما التفصيل فلا يتحمله هذا المنشور. وقد أضطر إليه إذا كثر اللغط، والخطاب العاطفي.
نعم فقهاء المذاهب يفتون أحيانا في بعض النوازل للضرورة بخلاف ما عليه المذهب أصولا وفروعا، لكنهم ينبهون على ذلك، ويُفردون لها كتبا خاصة، ولا يخلطونها بالمتون المعتمدة، بل لا تعد من المذهب ولا يُفتَى بها. والمذهب الرائد في ذلك هو المذهب المالكي.
والله أعلم.