عبده حقي
حين نقول إنّ المغرب هو “أجمل بلد في العالم”، فإننا لا نطلق حكماً انفعاليّاً أو مجانيا أوصفاً إنشائيّاً مؤدى عنه من الصندوق الأسود، بل نستند إلى أدلة قابلة للملاحظة والمقارنة، بعضها جغرافي طبيعي، وبعضها ثقافي إنساني، وبعضها يعكس التجربة العميقة في التعايش والروح الحضارية العريقة التي لا تتوافر بهذا القدر في أي بلد آخر.
المغرب يتوفر على سبعة أنواع من النظم البيئية (ecosystems) في رقعة جغرافية واحدة: جبال، ووديان، وسواحل أطلسية، وشواطئ متوسطية، وغابات كثيفة، وصحارى، وسهول فلاحية مترامية.
وهناك دراسة صادرة عن” معهد الموارد العالمية” صنّفت المغرب ضمن البلدان الخمسة الأولى عالميًا من حيث تنوّع المناظر الطبيعية في مساحة تقل عن 750 ألف كلم².
إن هذا المستوى من التنوّع لا يتحقّق إلا في بلدان ضخمة المساحة كالصين أو الولايات المتحدة، ومع ذلك لا تُجمع هذه النظم البيئية في مسافة لا تتجاوز 1000 كلم.
ليس من قبيل الصدفة أن تُصنِّف منظمة اليونسكو أكثر من 12 موقعاً مغربياً كتراث إنساني عالمي (من فاس ومكناس ومراكش إلى تطوان والصويرة، ومن قصر آيت بن حدو إلى مواقع ما قبل التاريخ في جبل إيغود حيث تم اكتشاف جمجمة أقدم إنسان عاقل على وجه الأرض حتى الآن تعود إلى أكثر من 300 ألف عام ).
إن هذا الرقم يجعل المغرب في صدارة البلدان العربية والإفريقية من حيث عدد المواقع المصنّفة عالميًا، ما يؤكّد أن الجمال لديه ليس جمالاً بصريًا فحسب، بل جمالاً حضارياً مُعترفاً به رسمياً من المؤسسات الدولية.
في تقرير TripAdvisor Travelers’ Choice لسنة 2024، جاءت مدينة مراكش في المرتبة الثالثة ضمن “أجمل عشر مدن في العالم”، فيما احتلّ شلالات أوزود والمدينة القديمة بمدينة فاس مراكز متقدّمة ضمن “أفضل الوجهات الطبيعية والثقافية في العالم”.
إن هذه التصنيفات قد بنيت على تقييم آلاف السيّاح من مختلف البلدان، وليست نتائج لجان دعائية أو حكومية، ما يعطيها قوة حجاجية أكبر.
وبعيداً عن المناظر الطبيعية، يقدّم المغرب ما يمكن تسميته بـِ “الجمال الحيّ”؛ إذ ما يلاحظه الزائر في سلوك الإنسان المغربي نفسه.
وفق تقرير “ مؤشر إنديجو للضيافة ” لسنة 2023، احتلّ المغرب المرتبة الثانية عالميًا من حيث قدرة السكان المحليين على خلق “تجربة ضيافة دافئة” للسياح ومختلف الزوار.
وبالتالي فإن هذه المرتبة لم تُعطَ بناءً على أسطورة أو خطاب رسمي، بل اعتماداً على استطلاعات الزوّار أنفسهم. ومتى امتزج الجمال الطبيعي بالجمال الإنساني، وجب الحديث عن تفوّق حقيقي لا يقبل الجدل.
إن ما يعزز إعلان “المغرب أجمل بلد في العالم” هو ما شهده القطاع السياحي خلال عام 2024 حيث حقق قفزة نوعية ورقمًا قياسيًا غير مسبوق في عدد الزوار. فقد بلغ مجموع السياح 17.4 مليون شخص، أي بزيادة بلغت 20% مقارنة بسنة 2023، وفق بيانات صادرة عن وزارة السياحة وعدد من المؤسسات الدولية مثل الجزيرة نت، أناضول ومجلة “سبق”.
إن هذا الارتفاع اللافت جعل المغرب أكثر وجهة جذبًا للسياح في القارة الإفريقية لسنة 2024، متقدماً حتى على وجهات تقليدية كبرى مثل مصر، بحسب مؤشرات OAG وتقارير مجلة “سبق”.
وتجدر الإشارة إلى أن ما يقرب من نصف هذا العدد (ما بين 49% و51%) هم من المغاربة المقيمين في الخارج، وهو ما يعكس جاذبية “الداخل” بالنسبة إلى الجاليات المغربية حول العالم، كما أكّدته بيانات UNWTO ووزارة السياحة المغربية، إلى جانب تقارير Al Arabiya.
إن المغرب قد شكّل عبر التاريخ ملتقى لثلاث دوائر حضارية: العربية – الإسلامية، الأمازيغية – الإفريقية، والمتوسطية – الأوروبية.
هذه التركيبة قد أنتجت نموذجاً جمالياً خاصاً لا يوجد في الشرق الأوسط ولا في بلدان أوروبا الجنوبية. ولذلك لا يتردّد باحثون أمثال فنسون كورنيل و بيير فيرميرين في الحديث عن “الطابع الجمالي المركّب للمغرب”، باعتباره حالة استثنائية لا يمكن استنساخها.