تواصل السلطات الجزائرية تشديد قبضتها على الأقليات المسيحية، حيث يبرز الإنجيليون كأكثر الفئات استهدافا ضمن حملة قمع ممنهجة.
ومنذ عام 2017، تسارعت وتيرة إغلاق الكنائس البروتستانتية الإنجيلية، لتصل ذروتها مع إغلاق جميع الكنائس البالغ عددها 47 كنيسة.
وأكد تقرير منظمة “أوبن دورز” (Open Doors report) أن هذه الإجراءات القمعية بلغت أوجها في عام 2024، بعد إغلاق آخر أماكن العبادة المتاحة، مما اضطر المسيحيين الإنجيليين إلى ممارسة شعائرهم الدينية في الخفاء، في مشهد يعيد إلى الأذهان الفترات الأكثر ظلاما في التاريخ الديني.
وتجسد قضية القس “يوسف أورحمان”، نائب رئيس الكنيسة البروتستانتية في الجزائر، حجم القمع الذي يواجهه المسيحيون في البلاد، إذ حُكم عليه بالسجن لمدة عام في مايو الماضي بتهمة إقامة صلاة غير مرخصة، ولم يكن هذا الحكم استثناء، حيث يواجه نحو عشرين مسيحيا دعاوى قضائية مماثلة.
ويعود هذا القمع إلى سنوات طويلة، إذ صدر مرسوم في 28 فبراير 2006 يمنع أي محاولة لتحويل المسلم عن دينه، مما منح السلطات إطارا قانونيا لمنع أي نشاط ديني مسيحي علني تحت ذريعة “حماية الهوية الوطنية الإسلامية”، هذه الإجراءات قد تؤدي إلى عقوبات مشددة تصل إلى سنوات من السجن، كما حدث مع “حميد سوداد”، الذي حكم عليه بالسجن خمس سنوات بسبب منشور على مواقع التواصل الاجتماعي.
ولا يقتصر التضييق على القمع المباشر، بل يمتد إلى عراقيل بيروقراطية تُستخدم لشلّ أي تنظيم مسيحي، حيث بات الحصول على تصاريح الكنائس أمرا بالغ الصعوبة، كما تُغلق دور العبادة بذريعة “عدم الامتثال”، إضافة إلى ذلك، تمنح قوانين الجمعيات الصادرة عام 2012 السلطات صلاحيات واسعة لرفض تسجيل الهيئات الدينية استنادا إلى مبررات فضفاضة مثل “النظام العام” و”الثوابت الوطنية”.
وفي المقابل، لم تواجه الكنيسة الكاثوليكية القمع ذاته نظرا لكون معظم أتباعها من الأجانب، غير أن صمتها حيال ما يجري يثير تساؤلات عدة، إذ يُنظر إليه على أنه تواطؤ غير مباشر مع السلطات، ويتناقض هذا الحياد مع الترويج الرسمي الجزائري لحرية الدين على الساحة الدولية، في الوقت الذي تمارس فيه الحكومة قمعا ممنهجا ضد الأقليات الدينية داخل البلاد.
وتشكل الجزائر نموذجا صارخا في تصاعد اضطهاد المسيحيين عالميا، حيث تشير منظمة “أوبن دورز” إلى ارتفاع التمييز ضد المسيحيين بنسبة 25% خلال العقد الماضي، وفي عام 2024 وحده، تعرض 380 مليون مسيحي في 78 دولة للاضطهاد أو التمييز، مما يعكس أزمة عالمية تهدد حرية العقيدة.
وتكشف أوضاع المسيحيين في الجزائر عن فجوة عميقة بين المبادئ المعلنة حول حرية المعتقد والواقع القمعي الذي يعانونه، هذا الاضطهاد المستمر، الذي لا يحظى باهتمام إعلامي كاف، يستدعي تحركا دوليا عاجلا.
إن الدفاع عن حقوق الأقليات الدينية في الجزائر وغيرها بات ضرورة ملحة، فكل كنيسة تُغلق، وكل مؤمن يُسجن، يشكل تهديدا مباشرا للتعددية الدينية وحرية الاعتقاد في العالم بأسره.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=22732