إيمان شفيق
شهد المغرب في السنوات الأخيرة تصاعدا ملحوظا في الأصوات الشبابية المطالبة بإعادة النظر في مفاهيم الحرية الفردية، خاصة في مجالات الاختيارات الدينية والجسدية والشخصية. وكما كان منتظرا، فقد أثارت هذه المطالب جدلا واسعا بين التيار الديني المحافظ أو التيار الديني المتشدد، وبين التيار التقدمي الداعي إلى تحديث الخطاب الديني بما يتلاءم مع متغيرات العصر وتحدياته.
يُعد عام 2009 نقطة انطلاق لهذا النقاش الحاد، حينما برزت “حركة مالي”، أو “الحركة البديلة من أجل الحريات الفردية”، والتي أعلنت عن نيتها حينها تنظيم إفطار علني خلال نهار رمضان، احتجاجا على الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي الذي يجرّم الإفطار العلني في الشهر الفضيل. ورغم إحباط السلطات لهذه المبادرة قبل تنفيذها، إلا أنها فتحت أبواب نقاش لم يسبق له مثيل حول حدود الحريات الفردية في دولة مسلمة.
وتشير تقارير دولية، منها تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش” لعام 2022، إلى أن التشريعات المتعلقة بـ”الآداب العامة” قد تستخدم كأداة لتقييد الحريات المتعلقة بالمعتقدات الشخصية والعلاقات الرضائية والميول الفردية، مما يفرض ضغوطا قانونية واجتماعية، خصوصا على الشباب المغربي. هذا من منظور حقوقي دولي، لكن من منظور فقهي إسلامي، فإن التيار التقليدي أن الدولة تتحمل مسؤولية حماية الأخلاق العامة، مستندا إلى مقاصد الشريعة في حفظ الدين والنفس، في حين يدعو فقهاء معاصرون إلى احترام حرية الاعتقاد الشخصية، مستدلين بآيات قرآنية، منها “فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر” (الكهف، 29)، معتبرين أن الإكراه باسم الدين يخالف جوهر الإسلام.
وسط هذا التوتر بين مرجعيات متباينة، يجد الشباب المغربي أنفسهم أمام تحديات مركبة، حيث إنهم يعيشون في مجتمع محافظ ويستهلكون في الوقت ذاته ثقافة عالمية منفتحة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات التعبير مما يدفعهم إلى إعادة النظر في علاقتهم بالدين والجسد والحرية والهوية، معبرين من خلال فضاءات رقمية من قبيل “كلوب هاوس” والبودكاستات الشبابية عن رفضهم للقراءات الفقهية الجامدة، دون أن يعني ذلك رفض الدين ذاته، بل رغبتهم في فهم أرحب وأرحم يعكس واقعهم المعاصر.
كما يرى مفكرون وعلماء دين معاصرون، كالفقيه الموريتاني عبد الله بن بيه والمفكر المغربي طه عبد الرحمن، على أهمية تجديد الخطاب الديني عبر فقه يراعي الإنسان وسياقاته الحياتية المتغيرة، ويوازن بين القيم والمصالح، وبين الثوابت والمتغيرات، في أفق ثنائية فقه التوجيه وفقه المرافقة.
لا يرتبط مستقبل العلاقة بين الدين والحريات الفردية في المغرب بالصراع أو الانقسام، بقدر ما يرتبط بالتأسيس لفضاءات حوارية حرة وآمنة تستوعب الأسئلة الجوهرية التي يطرحها الشباب، وتتبنى نموذجا إسلاميا يحفظ الكرامة والاختلاف والحرية، من دون التنازل عن جوهره الروحي وهويته الحضارية.