الدكتور محمد وراضي
إن تبنى جمال عبد الناصر ومن معه الاشتراكية في مصر وفرضها بالقوة ـ مع أنها عرجاء ـ فإن العلمانية الرأسمالية فرضها بالقوة وزينها رئيس تونس: حبيب بورقيبة. فقد فرض نفسه على الشعب الذي دفع ثمنا غاليا للتخلص من الاستعمار الفرنسي مثل المغرب، وحدد السياسة التي على التونسيين الخضوع لها. فكان أن افتخر بخطته في الحكم، وامتدح كل ما أقدم عليه وما سوف يقدم عليه. فهو ضد الاشتراكية التي فرضها الضباط الأحرار على مصر بزعامة جمال عبد الناصر، قمتها تأمين الملكية الخاصة، وحرمان الطبقة البورجوازية من الحرية، استنادا إلى قناعات كل من لينين وستالين. مما يعني أن الحكم المطلق أرخى سدوله في كل من مصر وتونس، تحت نوعين من الحكم: حكم اشتراكي علماني مزعوم، وحكم رأسمالي – ليبرالي مزعوم؟؟؟
وخدمة للعلمانية الرأسمالية وتهجما على الدين، يقول بورقيبة: “إنكم تعلمون كيف كانت “المرأة” معتبرة من قبل في عهد الانحطاط، كما أن وضعيتها التي تجعل منها كائنا منحطا، كانت تعززها الاعتبارات الدينية.
إن الدين والقرآن قد وضعا “المرأة في منزلة سفلى، وفي مستوى أدنى، فهي أقل ذكاء وحقها في الإرث أقل من حق الرجل، ووظيفتها الوحيدة هي إنجاب الأولاد.
وقد أقدمت على هذا الإصلاح منذ بداية الاستقلال، ويرجع تاريخ القانون الذي غير حالة المرأة، والزواج، والذي يحرم تعدد الزوجات، إلى يوم 13 غشت 1956م أي أربعة أشهر بعد الاستقلال، واعتمدت في هذا على السمعة التي تم الحصول عليها أثناء الكفاح ضد السيطرة الأجنبية. وأردت أن أعمل كل هذا من بين الأعمال التي شرعنا في تحقيقها آنذاك، وليس من السهل القيام بشيء يخالف ويتعارض مع القرآن. وإني متيقن بأن عددا كبيرا من البلاد الإسلامية (عربية وغير عربية) متفقة معنا (كالمغرب). غير أنها لا تجرؤ على الإعلان بذلك. بينما فتح المواخير بحكم فردي بورقيبي، حل محل تعدد إلغاء الزوجات بنفس الحكم؟؟؟
وهناك إصلاح آخر لم تقس أبعاده كما ينبغي، وهو إغلاق جامعة الزيتونة، تلك الجامعة التي تكون أناسا هم في القرون الوسطى، ويوجد نفس الوضع في المغرب وفي مصر. يجب قبل كل شيء الذهاب إلى المدرسة، ومن شاء التخصص في علم التوحيد (= الدين) فله ذلك بعد أن يحصل على شهادة الباكالوريا كجميع الناس – وهذا شيء مشترك – لا بواسطة تعليم ديركليني (مكان في فرنسا)، وفي عهد أبلارد (عالم ديني عاش في فرنسا م1079 إلى 1142م)”.
ويستفاد من النص أن الدين والقرآن تحديدا عند بورقيبة قد وضعا المرأة في منزلة سفلى، حيث يشهد على نفسه أنه يخالف القرآن ويكفر به ويعارضه بتشريعات وضعية من عنده! إنه منع تعدد الزوجات، وألح على تسوية الرجل بالمرأة في الإرث. ثم يؤكد بأن عددا كبيرا من البلاد الإسلامية (أي عددا من حكامها) متفقة معه، إلا أن قادتها لا يملكون نفس جرأته لإعلان ما أعلنه. إنه يعتبر الأزهر والزيتونة والقرويين، لا تكون حتى الآن غير أناس مزودين بأفكار القرون الوسطى. مع أن حكام فرنسا في تونس بالذات قالوا: “كنا نظن أن جامع الزيتونة يعلم كيفية الاستنجاء والوضوء والصلاة لا غير، فإذا بالأمر على خلاف ذلك، فالعلة كلها خرجت لنا من جامع الزيتونة”؟؟؟ وهذا كلام أحد المقيمين العامين بتونس، وهو كلام أصدق من فكر ظلامي صادر عن نفس الرئيس المصاب بجهله، حيث ادعى أن في القرآن تناقضات، وأن الرسول محمدا (هكذا) كان إنسانا بسيطا يسافر كثيرا عبر الصحراء، ويستمع إلى الخرافات السائدة، ومن جملتها عصا موسى التي نقلها إلى القرآن، مما يعني أن القرآن من تأليفه! إضافة إلى أن المسلمين ألهوا محمدا؟ إنهم باستمرار يصلون عليه؟ ثم يدعي المخبول التونسي أن الفطر في رمضان عمدا مقبول؟ إذا كان في الفطر مصلحة الدولة؟ ثم إنه أخيرا يدعي أن الرسول أقر العرب على الشرك؟ هذا الشرك المستنتج من كونه يدعوهم إلى الصلاة عليه؟ بحيث إننا نجد شبه تطبيق بين إسلام علماني تونسي، وبين إسلام علماني مغربي. وهذا الإسلام العلماني المشوه، هو الذي يريد إسلاميو المغرب القضاء عليه، وإحلال الإسلام الحقيقي محله لكن العوارض والعوائق التي تحول دونهم وبلوغ مراميهم، من الصعب عليهم تجاوزها؟؟
وهكذا تصبح الفرق المثقفة عندنا قسمين: قسم علماني اشتراكي إلى حد الكفر بالدين والدعوة إلى الثورة ضد النظام القائم؟ وقسم لا يرى أي مانع من النظام العلماني الذي يجري العمل به كنظام موروث عن الاستعمار، وعند الطرقيين كليهما، لأن الأحكام الشرعية تجاوزتها الأحكام الوضعية؟ وأن الكلام في الدين ، كلام لا يخرج عن نظرة النظام المغربي إليه، يعني أن الدين هو الذي ترعاه الدولة، وتفتح الباب أمام من يتقن فهمه كما تؤيده، لا كما هو في حقيقة أمره. وحقيقة أمره، سوف نوجزها في عبارات واضحة مختصرة ؟؟
المصدر : https://dinpresse.net/?p=18342