15 أكتوبر 2025 / 09:39

مؤتمر أكاديمي حول المدينة والماء في بحر الأبيض المتوسط

محمد المهدي اقرابش، عضو أكاديمية نيم الفرنسية

ستنظم جمعية الملتقيات الأكاديمية المتوسطية (rencontres académiques méditerranéennes RIM) والتي تحمل رمز ريم ملتقى ثقافيا بعنوان ” المدينة والماء في البحر الأبيض المتوسط: رهانات وتحديات” وهو موضوع ذو راهنية حيوية ويحتل مكانة مهمة جدا في نقاشات الأوساط الأكاديمية والصالونات الثقافية ودوائر القرار بفرنسا.

قامت أكاديمية نيم الفرنسية، المؤسسة في شهر غشت سنة 1682 بموجب قرار ملكي صادرعن الملك لويس الرابع عشر، والتي أنتمي إليها , بتبني مشروع واعد وطموح على مستوى حوض البحر الأبيض المتوسط.

يتجلى هذا المشروع في إنشاء مجموعة تفكير حول بلدان شمال وجنوب البحر الأبيض المتوسط، سعيا لإبراز الروابط التاريخية والاقتصادية والثقافية والدينية التي توحد شعوب ضفتي المتوسط، وخلق تقارب حقيقي بينها.

وقد انضمت إلى هذا المشروع أكاديميات أخرى مثل أكاديمية مرسيليا، أكاديمية لوفار، مؤسسة الأمير عبد القادر ومؤسسة قصبة الجزائر وأكاديمية قرطاج التونسية بيت الحكمة.

انعقد أول مؤتمر في مدينة نيم وذلك بحضور السيد كنبيب محمد عضو أكاديمية المملكة المغربية خاصة في افتتاح هذا الملتقى المتوسطي بتاريخ 16 أكتوبر 2017.

كان موضوع المؤتمر الذي دام لمدة ثلاثة أيام، تحت عنوان:

“من ضفة إلى أخرى غرب البحر الأبيض المتوسط : الأمس، اليوم، وغداً”

وتضمّن المؤتمر اثنتين وعشرين مداخلة. كان من بينها مداخلة السيد عبد الجبار المنيرة، أستاذ مغربي في معهد كارولينسكا بستوكهولم، حيث قدّم محاضرة متميزة حول “ابن رشد وفلسفة الطبيب”.

بعد هذا المؤتمر، حظي زميلنا، السيد برنار سيمون، رئيس أكاديمية نيم الفرنسية آنذاك، بشرف الدعوة من السيد عبد الجليل لحجمري الأمين الدائم لأكاديمية المملكة المغربية لحضور الجلسة الافتتاحية للدورة الخامسة والأربعين لأكاديمية المملكة في أبريل 2018، والتي كان موضوعها “أمريكا اللاتينية كأفق للتفكير”.

ونظرًا للأزمة الصحية العالمية كوفيد 19، لم يُعقد المؤتمر الثاني إلا في عام 2022 في قصر أكاديمية بيت الحكمة التونسية، وكان ذلك بتاريخ 10 و11 و12 نوفمبر 2022، تحت عنوان: “غرب البحر الأبيض المتوسط: روابط تاريخية يجب إعادة اكتشافها”.

شارك في هذا المؤتمر أربعة وعشرون متخصصًا من ضفتي المتوسط، بروح مماثلة لما كان عليه المؤتمر الأول.

تناول المؤتمر، إضافةً إلى الروابط التي تجمع سكان ضفتي البحر الأبيض المتوسط منذ قرون، التحديات المعاصرة، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو دينية.  ولقد خُصص اليوم الثالث لموضوع التدين والروحانية والعلمانية ألقيت فيها بصفتي أكاديميا وإماما مرشدا وعضوا بمنتدى الإسلام بفرنسا، كلمة حول موضوع: “أن تكون مسلمًا في فرنسا”.

توسع “القوس المتوسطي” ليشمل أعضاء جددا، من بينهم أكاديمية أثينا (اليونان)، وأكاديمية آرل (فرنسا) وأكاديمية فيرون (إيطاليا). ونحن بصدد التواصل مع أكاديمية المملكة المغربية وأكاديمية المملكة الإسبانية للانضمام إلى هذه المؤسسة الطموحة والواعدة “ملتقى أكاديميات البحر الأبيض المتوسط”.

وسيُعقد المؤتمر الثالث ابتداء من يوم الأربعاء 15 إلى غاية يوم الجمعة 17 أكتوبر2025، بتنظيم من أكاديمية مرسيليا؛ تحت عنوان المدينة والماء حول البحر الأبيض المتوسط: رهانات وتحديات”. فلطالما كان الماء مرادفًا للحياة، والابتكار، والتقاسم. ومع ذلك، فإن ما كان يومًا وفرة أو موردًا مُتحكمًا فيه، أصبح اليوم مصدر هشاشة.

فالمناخ يختل، والتوترات تتصاعد، والمدن تتمدّد، ومسألة الماء، التي كانت يومًا تحت السيطرة، أصبحت قضية حرجة.

لهذا يكرّس المؤتمر العلمي أشغاله لهذا الموضوع تحت إشراف اتحاد اللقاءات الأكاديمية المتوسطية (RIM)، مستضيفا مؤرخين، وجغرافيين، ومهندسين معماريين، وعلماء، واقتصاديين، ومهندسين، ومفكرين، وصناع قرار عموميين لفهم أفضل لما يكشفه الماء عن مجتمعاتنا الماضية، وهشاشتنا الحاضرة، ومسؤولياتنا المستقبلية.

هذا المؤتمر موجّه إلى جمهور واسع يضم باحثين يدرسون تعقيد الأنظمة الحضرية، وطلاب وتلاميذ يسعون لفهم العلاقة بين المعرفة وقضايا المجتمع، ومواطنين وفاعلين محليين يرغبون في استشراف مستقبل تنموي مستدام.

فالماء، بوصفه خيرًا مشتركًا، يطرح تساؤلات حول العدالة، والتقنية، والثقافة والدين بل وحتى حول شعرية أو شاعرية العالم الذي نريد أن نبنيه.

لا يهدف هذا اللقاء إلى تقديم أجوبة نهائية، بل إلى فتح آفاق جديدة، وإثارة النقاشات، وتغذية تفكير جماعي من خلال تقاطع التخصصات والتجارب والآراء.

وفي سياق يتّسم بعدم اليقين، يطمح المؤتمر – بتواضع – إلى المساهمة في إعادة التفكير في مكانة الماء في المدن المتوسطية، اليوم وغدًا.

وستنظم أمسية ثقافية وموسيقية يوم غد الأربعاء يتم فيها إلقاء نصوص دينية وأدبية وشعرية موضوعها الماء وتحديات العصر وقد انتخبتُ شخصيا آيات قرآنية من سورة هود والتي تتناول قصة نوح عليه السلام وصنعه للسفينة ونجاته ومن آمن معه من الطوفان. وتتساوق هذه الآيات الكريمة مع نص إنجيلي مقترح في الموضوع نفسه من العهد القديم ومن العهد الجديد.

أما من الناحية الأدبية والشعرية فقد انتخبت اللجنة العلمية التي كنت ضمنها نصوصا لأدباء أذكر منهم: جون جيونو الفرنسي، والشاعر هوميروس، وبول فاليري الفرنسي، والشاعر الإيطالي رفاييل آلبرت، والكاتب آلبرت لوندر الفرنسي، والروائي العالمي آلبرت كاميو، والشاعر بيير دو ماربوف الفرنسي وغيرهم.

وسأتولى تلاوة الآيات القرآنية دون موسيقى بطبيعة الحال وقراءة النصوص العربية ثم ترجمتها وشرحها باختصار بإيقاع موسيقي على آلة العود العربي الأصيل، بأداء الأستاذ السيد جهاد البدوي أحد أعضاء ومؤسسي أوركسترا دار العود بأكاديمية المملكة المغربية. والنصوص الأخرى سيلقيها الفنان والكوميدي السيد باتريك براسور على إيقاع موسيقي من أداة الأستاذة عازفة الكمان السيدة كارول روت دوفان.

انتخبت لهذه التظاهرة نصوصا مختصرة لابن خفاجة ولجلال الدين الرومي وجبران خليل جبران ولمحمد غزي التونسي. وستختتم الأمسية الثقافية بقصيدة من تأليفي نظمتها بمناسبة هذا الحفل الثقافي