عبد الرحيم الوهابي
كتاب (خبايا الزوايا في مكة والمدينة) للعلامة المحدث، المدرّس، المؤرخ نور الدين أبو البقاء/ أبو الأسرار حسن بن علي بن يحيى العجيمي الحنفي، اليمني الأصل المكي دفين الطائف (1049- 1113هـ/ 1639-1702م)، رصد للوضع الصوفي وللحركة العلمية بالمجتمع المكي في القرن الحادي عشر ومطلع القرن الثاني عشر، قبيل دعوة ابن عبد الوهاب.
أحصى فيه الزوايا القائمة حينئذ بمكة المكرمة إضافة إلى التكايا وبعض الأضرحة، ومنها ضريح الشيخ عبد الرحمن بن أحمد الإدريسي المكناسي ثم المكي الملقب بالمحجوب.
وله رسالة أخرى في الموضوع استوعب فيها طرق الصوفية الموجودة في عصره. بعث بها إلى أبي سالم العياشي وضمنها رحلته (ماء الموائد)، ونقلها مختصرة بن الطيب القادري في (نشر المثاني).
وكتاب (خبايا الزوايا) يمكن اعتباره أيضا معجما لمن تلقى أو لقيه واجتمع به من المشايخ من قاصدي بيت الحرام، إجازة علمية وسندا صوفيا. شيوخه حجازيون ومصريون وشوام وهنود، ومغاربة. ممن وفد حاجا أو مجاورا أو مقيما أو طلبا للعلم والإجازة.
وهو كما يقول في مطلع خطبة الكتاب: “فإني لما من الله علي بجمع هذا الكتاب المبارك سميته بعد أن كمل (خبايا الزوايا)، لأنه اشتمل ذكر ما تيسر من الزوايا المعمورة بمكة المشرفة واحتوى على تراجم بعض الأكابر المشهورين الذين لقيتهم من شيوخ السماع أو القراءة أو الإجازة، ومن لقيته من شيوخ التصوف.
وأخذت عنه لبسا أو تلقينا أو صحبة، وفيه تراجم شيوخ الإجازة الخاصة أو العامة ممن لم أجتمع بهم إلى وقت كتابة هذا الكتاب”.
وهذا ليس معجمه الوحيد فله (إسدال الستر الجميل على ترجمة العبد الذليل) مخطوط، وهو على قدر كراسة ترجم فيها لنفسه وذكر مقروءاته على مشايخه فيها تفصيلا. وألف ثبتا باسم شيخه البنباني أسماه (إهداء التهاني بإجازة نصر البنباني). وتصانيف العجيمي عديدة.
من المصنفات التي أحصاها المحقق للمؤلف كتاب (كفاية المتطلع) لكنه كما يذكر العلامة عبد الحي الكتاني في (فهرس الفهارس): “كفاية المستطلع لما ظهر وخفي من مرويات شيخنا أبي علي الحسن بن علي العجيمي الحنفي أو كفاية المستطلع ونهاية المتطلع وهو في مجلدين.. ألفه في أسانيد النور العجيمي تلميذه الفاضل العلامة تاج الدين أحمد الدهان المكي. وقد وقفت على مجلد منه بمكة المكرمة واستفدت منه. . نرويه وكل ماله بأسانيدنا إلى العجيمي”. ونسخته ضمن مكتبته التي ألحقت بخزانة الرباط.
ولي ملاحظات على هذا التحقيق لما أعتبره إجحافا لحق بالمترجَمين المغاربة:
1- تصحيف الأسماء: أسماء الشيوخ المغاربة أغلبها لحق بها تصحيف ولا أظن أن ذلك من المؤلف فلا يمكنه الغلط في أسماء من تلقى عنهم ووعى أسماءهم قبل أسانيدهم. فربما كان ذلك من النساخ، لكن المحقق تقع على عاتقه مهمة النهوض بضبط الأعلام. إذ الفشتالي أصبح القشتالي أو الفشتاذي. وميارة / ميادة، والآيسي/ اللآنسي، وابن ناصر/ ناصر، ورضوان الجنوي/ جنوا.
2- عدم ضبط أسماء وكنى الأعلام: عدد من الأعلام المغاربة اشتهروا بكناهم وليس بأسمائهم. ولم يشر المحقق إليها مثلا: محمد بن محمد بن سليمان المغربي لا يعرف إلا بالروداني. والعياشي بأبي سالم وليس بعبد الله.
3- عدم ضبط الأعلام الجغرافية: فمثلا في ترجمة إبراهيم الآيسي السوسي رغم ورود أصله المغرب. عرّف المحقق بلاد سوس أنها بلدة بخوزستان فيها يزعم قبر دانيال عليه السلام. ص195 الهامش 4.
4- ذكر المحقق أن من خطوات التحقيق الترجمة للأعلام بشكل مختصر. لكنه في حصره لمصادر التراجم المغربية بقيت أغلبها دون إحالة باستثناءات قليلة أحال فيها المحقق على مصادر مشرقية. ولم يستخدم من المغربية غير فهرس الفهارس ورحلة العياشي. مع العلم أنهم من أشهر العلماء المغاربة ورجالاته ومصادر تراجمهم مما يصعب حصره. ومنهم من أفرد بالتأليف واختص بالتعريف. فإذا كان الحال هكذا مع الكبير من الفحول فكيف بالصغير المهمول.
5- لم يقف المحقق على تراجم المغاربة للعجيمي، وأقوالهم فيه. وورد اسمه في الفهارس المغربية شيخا وشيخا للشيوخ أو ضمن عمود السند.
ونشير على وجه الاختصار وليس الحصر:
– لفهرس محمد الصغير الفاسي (المنح البادية: 1/134) وكان الخامس عشر ممن ترجم له من شيوخه، وأنه كتب له بخطه المسلسل بالأولية وأجازه وولده.
– وكذلك محمد بن علي الورزازي نزيل تطوان في فهرسة (ص 141) ذاكرا أنه كتب له الإجازة من مكة.
– وترجم له الإفراني في (صفوة من انتشر: 286) ووصفه بقوله: “من أهل المشاركة في العلوم الشرعية ومن المبرزين في الأذواق الصوفية..
وقد ذكر من فوائده أبيو سالم (العياشي) في رحلته جملة صالحة من هذا النمط”:
– ومحمد بن الطيب القادري في (نشر المثاني: 3/136-142) و(التقاط الدرر: 284) و(الإكليل والتاج: 214)، ومما قال فيه: “شيخ عالم من شيوخ الصوفية، علامة مشارك في العلوم الشرعية، جبل على العبادة في أول نشأته، صحب من أدرك من مشايخ الحرمين وانتفع بصحبتهم وخدمتهم.. أخذ عنه غير واحد من المغاربة والمشارقة وعظم صيته”.
– والكتاني (فهرس الفارس: 2/810-813)، ترجمة رقم 453. ومما ورد في الترجمة له: ” هو أبو الأسرار حسن بن علي بن محمد بن عمر العجيمي، المكي الدار، مسند الحجاز على الحقيقة لا المجاز، الفقيه الصوفي، المحدّث العارف، أحد من رفع الله به منار الحديث والرواية في القرن الحادي عشر وأول الثاني. تعاطى هذه الصناعة بتلهف فصار قطب رحاها، وعليه مدارها. روى عن أكابر علماء عصره بالشام، والمغرب والحجاز، والهند واليمن، ومصر … وغيرهم ممن حوته رسائله، وأثباته، وإجازاته وهي كثيرة. قال عنه أبو سالم العياشي في رحلته: جد في طلب علم الحديث كل الجد، وبلغ في الاعتناء به غاية الجد.. ولا يقدم أحد من علماء الآفاق على الحرمين الشريفين إلا جد في لقائه والأخذ عنه، ورزق في ذلك سعادة وإقبالاً من المشايخ، فكثرت بذلك مروياته واتسعت مسموعاته”.
ذكر الكتاني أنه اجتمع للعجيمي من أشياخ المغرب عشرة ممن أجاز له وهذا نادر في ذلك الزمن وبعده. لكن العجيمي أحصى في (خبايا الزوايا) ستة عشر وليسوا بعشرة. ومن اللطائف أن يجتمع لمشرقي ما لم يجتمع لغيره حيث أنه أجيز من الشيخ عبد القادر الفاسي والتقى وتلقى عن الشيخ امحمد بن ناصر، وعن الشيخ محمد المرابط وهو ابن امحمد ابن أبي بكر الدلائي.
وهؤلاء الثلاثة هم من قيل فيهم القولة الشهيرة: “لولا ثلاثة لانقطع العلم بالمغرب، لكثرة الفتن التي ظهرت فيه، وهم سيدي محمد بن ناصر في درعة وسيدي محمد بن أبي بكر الدلائي في الدلاء، وسيدي عبد القادر الفاسي في فاس”.
_______
رابط صفحة الكاتب على فيسبوك
المصدر : https://dinpresse.net/?p=23299