مقومات الداعية الناجح

ذ محمد جناي
آراء ومواقف
ذ محمد جناي2 أغسطس 2022آخر تحديث : الثلاثاء 2 أغسطس 2022 - 8:47 صباحًا
مقومات الداعية الناجح

ذ. محمد جناي
لقد سبق أن قامت حركات عنيفة تناوئ الإسلام ، وتكيد له ، وتعد العدة للقضاء عليه ، لكنها كلها قد باءت بالإخفاق ، واندثرت وبادت، وبقي الإسلام شامخا، لأن صلاحيته للبقاء والخلود تحدت كل هذه المؤامرات والمكايد، ولأن الدعاة الذين سخرهم الله لحماية هذا الدين كشفوا زيفها للمسلمين ، وبينوا عوارها ، وانتصروا بفضل الله عليها، وكان ذلك انتصارا للإسلام العظيم.

اليوم تجتمع على محاربة الإسلام قوى رهيبة مثل : الإباحية و العلمانية الإستئصالية و الصهيونية ، والهندوسية المتطرفة ، والانتهازية وغير ذلك ، وهي مسلحة بالقوة المادية والعلمية والحضارية ، ومن أجل ذلك فإنه يحتاج إلى الدعاة، ذلك لأن الميدان فارغ وهو بحاجة إلى مزيد من الدعاة الأكفاء، والداعية الكفء هو ذاك الإنسان الذي أحس بالمسؤولية، وشعر بالمخاطر التي تهدد دينه وأمته وعالمه ، ثم نمى قدراته في ميدان الدعوة والوعظ ، وعمل على التحلي بالصفات الأساسية التي تعتبر أساسا للدعوة بمفهومها التبليغي الإيجابي.

فالداعية هو المؤهل القائم بترغيب الناس في الإسلام وحثهم على التزامه بالوسائل المشروعة، وهذا يؤكد لنا أن موضوع الدعوة هو الإسلام كله عقيدة وشريعة وأخلاقا ومعاملة ، وأن المدعوين هم جميع الناس كل بحسبه، فالكافرون يدعون إلى الإسلام، والمقصرون يدعون إلى صدق الالتزام، والعصاة يدعون إلى ترك الذنوب والآثام وهكذا.

قال ابن تيمية في تعريف الدعوة :” والدعوة إلى الله هي الدعوة إلى الإيمان به ، وبما جاءت به رسله ، وبتصديقهم فيما أخبروا به ، وطاعتهم فيما أمروا به “، وعرفها بعض المعاصرين بقوله :” تبليغ الإسلام للناس وتعليمه إياهم وتطبيقه في واقع الحياة”، فالدعوة ليست حركة تلقائية عفوية، ولا مجرد وعظ للناس، وتذكير بفضائل الإسلام وآدابه فحسب – كما فهمها كثير من المسلمين ، ومارسها كثير من الدعاة في العصور المتأخرة – وإنما هي كما كانت في نشأتها الأولى حركة علمية وعملية ، تتميز في مبادئها وأهدافها ومصادرها، وترتكز على أسس وقواعد علمية مدروسة، وتنضبط بضوابط شرعية محددة، فيختار لها أقوم المناهج، وأحكم الأساليب، وأفضل الوسائل ، إذ هي عمل صفوة الخلق رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، وعمل من سبقه من رسل كرام عليهم الصلاة والسلام، وعمل من تبعه على هدى وبصيرة.

والحقيقة المرة أننا نجد تكالب عالمي ، يسعى إلى كتم هذه الدعوة وتشويه صورتها، وتجريم حملتها، والتخطيط المستمر لصدعها، ولا يعاني العمل الدعوي من هذا فحسب ، بل نجد المعاناة من بعض حملته والمنتسبين إليه ، فواحد يسيء من جهة جهله، والآخر من سوء فهمه، وآخر من ضيق أفقه، وهكذا.

وهذه المقومات تتجلى فيما يلي:

أولا: الإيمان

وهو المرتكز الأساسي الذي يصدر عنه الداعية، وهذه الصفة بديهية، لأن الدعوة إلى أمر لا يؤمن به صاحبه عمل متكلف، لا يؤثر ولا يفيد، فالداعية الناجح عليه الإيمان بالإسلام ، وأنه النظام الإلهي الوحيد ، القادر على أن يقوم بإنقاذ الإنسانية من هذا الانهيار المتوقع، وأنه يوفر للإنسان السعادة الكاملة في الدنيا، والنجاة الحقة يوم القيامة.

ثانيا: المعرفة

إن المعرفة وحدها لا تصنع من صاحبها داعية قط، ولكنها شرط لازم لا بد منه في الداعية الذي توفرت له الصفات الأخرى ، والمعرفة التي نتطلبها من الداعية على نوعين : أولها وهي معرفة للأصول العامة لفكرته، وللخطوط العريضة فيها، وللمقاصد الأساسية التي جاء الإسلام لتحقيقها، وللكليات الكبرى التي تنتظم كثيرا من الأحكام التي يحتاجها كل مسلم مما عرف من الدين بالضرورة، وثانيها:عزم على التعرف على الفروع والجزئيات، ذلك أن الوقوف على الفروع وإدراك حكمتها يكمل معرفة الأصول والكليات، ولهذا فقد يأتيه سؤال من إنسان ما ، ولا يليق أن تتكرر اعتذاراته بعدم المعرفة .

ثالثا: الرياضة والسلوك

إن المجتمعات الإسلامية الراهنة قد انحرفت عن المستوى الذي يريده الإسلام، وغياب الإسلام عن الحكم والسيادة ضاعف في خطورة هذا الانحراف، هذا مع قوة غزو الحضارة الغربية ، ووسائلها الفعالة ، مما جعل أعراف الناس مجانبة مفاهيم الإسلام، وجعل الشهوة تستعلن، والمصلحة الشخصية والمنفعة الذاتية تستحكم، وإن هذا الوسط الصعب ينبغي أن يؤخذ في الحسبان إلى الداعية، وأن تكون له العزيمة الغلابة المصممة ، التي تحمله على أن يأخذ نفسه بشيء من الحزم ، ويروضها على مايريده الإسلام.

رابعا: الاستفادة من خبرات الآخرين

وقد أدرك هذه الحقيقة أرباب الصناعات والمهن، فأنت ترى المحامي لا يستطيع مباشرة العمل إن لم يتدرب في أول الأمر تحت إشراف بعض المحامين المتمرسين في المهنة وكذلك المدرسون وغيرهم ذلك لأن إدراك حقائق العلم أمر يختلف عن ممارسته في الحياة العملية.

خامسا: الوعي

إن الداعية الذي نريد، يجب أن يكون واعيا عصره وواقعه، مطلعا على الحضارة الغازية وثقافتها، ويجب أن يربط ذلك بفكرته الإسلامية، ويجب أن يقوده الوعي إلى مزيد من الدراسة لواقع الذين يريد أن يدعوهم.

سادسا: توفر الأخلاق الإسلامية في الداعية

وسنذكر أربعة منها لأهميتها:

الإخلاص ويتجلى ذلك عند الداعية في أن لا يريد من دعوته إلا وجه الله ، فلا يريد أن يحظى بمكانة اجتماعية مرموقة، ولا يبالي بالناس ولا بثنائهم، ولا يسعى أبدا لكسب إعجابهم، ومحبتهم، ومدحهم ثم نجد الصبر والأمل: ذلك أن طريق الدعوة ليس ممهدا معبدا، ولا مكتنفا بالورود والرياحين ، إنه على العكس طريق صعب وعر تملؤه العقبات والأشواك، إنه طريق الجهاد واحتمال الأسى والتعب، أيضا الجرأة والصمود: إن قلب الداعية إذا امتلأ إيمانا بدعوة الإسلام ، وبأن ما قدره الله واقع لا محالة، وبأن قدرة الله أكبر من كل قدرة سواها، وبأن النفع والضرر والموت والحياة ، والرزق من الله ، وبأن عليه واجب تبليغ شرع الله ، إذا امتلأ قلبه بذلك كله لم يعد يبالي بشيء، وما أشد حاجتنا اليوم إلى دعاة من هذا الطراز ، لا يبالون بالأنظمة القائمة والحضارة الغازية، وبالطواغيت المتحكمين، وإنما يعلنون دعوتهم بكل جرأة ووضوح على رؤوس الأشهاد دون خوف أو وجل ، يصدعون بالحق ، لا يخافون لومة لائم، وأخيرا الزهد والقناعة : وحب الناس لمن يتصدى للدعوة أمر ضروري حتى يحقق ما يريد ، والمعروف أن الناس عندما يرون تكالب إنسان على المال ينفرون منه، أما إذا رأوا منه زهدا بالمال ، وإعراضا عن الدنيا ، تعلقوا به أيما تعلق.

وختاما، ومما لاشك فيه أن الداعية لا يكون ناجحا موفقا مسددا في دعوته إلا بإخلاص عمله كله لله، ومتابعته لرسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أموره، وبالتزامه بالصفات والمقومات التي تجعله مستقيما في دعوته معتدلا، لا إفراط ولا تفريط.

ولا ريب أن معرفة الداعية للمقومات التي تجعله ناجحا في دعوته من أهم المهمات؛ لأن نجاح دعوته، وفوزه برضى ربه، وتوفيقه موقوف على العمل بهذه المقومات.
ـــــــــــــ
هوامش
(1): المدخل إلى علم الدعوة -دراسة منهجية شاملة لتاريخ الدعوة وأصولها ومناهجها وأساليبها ووسائلها ومشكلاتها في ضوء النقل والعقل- تأليف محمد أبو الفتح البيانوني، مؤسسة الرسالة ببيروت

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.