محمد أكعبور ـ مرشد ديني بإقليم الصويرة، باحث في الخطاب والإعلام الديني
تقديم:
الحمد لله نعم المولى والشكر له على ما أولى عِياذا بالله ممن أدبر وتولَّى وأصلي وأسلم على من كشف الله به عنا الغُمة مُترحما على أب الأمة المغفورِ له الملكِ محمدٍ الخامس وكذا على روح قائد اللَّمة المغفورِ له الملكِ الحسن الثاني داعيا بالحفظ للنجل والحفيد الملكِ محمدٍ السادس بالسبع المثاني وله بالنصر المكين على ما ولي من أمر هذا الدين بما جاء في حديث النبي الأمين وكتاب الله رب العالمين .
خلال إعداد هذا العرض اخترت الوقوف للاشتغال على وثيقة فريدة لما تتضمنه من فوائدَ جليلة وفرائدَ عديدة تلكم هي:
خطبة الجمعة التاريخية لجلالة السلطان الإمامِ الهُمامِ المغفورِ له محمدٍ الخامس والتي ألقاها ب “المسجد الأعظم” بمدينة تطوان أواخر عام 1957.
هذا وقد قسَمت العرض الموسوم بالعنوان أعلاه إلى أربعة معالم:
1 ـ المعلم التاريخي :
حيث إن المغرب لم يكن يوما مستعمَرا ولم يكن غازيا ولا عَرف غزوا فأهل المغرب يجنحون إلى السلم وإلى أخذ العلم وهم أهل الحلم وأهل الحق والشريعة الإسلامية السنية العملية يصدق عليهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة .
والمغرب مأوى الخائفين من البطش والطغيان وهو إليهم منجى وملجى والذاكرة التاريخية للخزانة المغربية مليئة بشواهد جُلَّى عن أحداث وسير فضلى.
وبناء على هذا التقرير، فقد قدَّم شهداءَ الدين والوطن في فترة عصيبة كانت عليه نِعْم القدر باختبار حقيقي أمام الله في مدى الحفاظ على الأمانات التي طوق الله بها أعناق أولياءَ أولي أمرِ هذه الأمة في السياسة الدينية والدنيوية.
قال الله تعالى: من المومنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.
يقول المغفورُ له الملك محمدٌ الخامس تذكيرا للمؤمنين من على المنبر باستحضار روح الشهداء الأبرار والوطنيين الأخيار ممن فضلوا قبض الأرواح استشهادا على المكوث والرواح في سبيل الدين والوطن والسلطان ” ولْنذكر دائما أن شهداءنا الأبرار، الغُير الأحرار، إنما ماتوا ليحيى المغرب عزيزا مكرَّما، وفيّا محترما وقد خلفوا لنا تراثهم الكريم ومجدهم العظيم “.
كما يرد من كلام جلالة السلطان ناصرِ الأديان ومحرِّرِ الأوطان ما يجمل بنا إيراده ” وإن وطننا لينادينا لإتمام تحريره وتوحيده وحماية مجده وتخليده” وما يزال هذا المجد يخلًّد حتى الساعة في كل موقع وساحة وهذه الندوة العلمية تجلٍّ من ذلكم التخليد الذي أصبح اليوم أقوم التقليد.
2 ـ المعلم السياسي:
الوضع الذي يعيشه المغرب والعالم حيث بوادر الأطماع هو عنوان المرحلة في كل الأصقاع.
الوضع الذي تعيشه مناطق الشمال المغربي من جعل طنجة العلوية طنجة دولية بتمركز التمثيليات الديبلوماسية بها وفي هذا الوضع سيدخلها جلالة السلطان مخاطبا في الساحة وفي الجامع الأعظم بها عل التوالي:
يوم 10 أبريل1947 بخطاب سياسي بحضور الوفود الدولية القائمة بأعمال السياسة والدبلوماسية بالمنطقة الشمالية للمغرب وفي يوم 11 أبريل من نفس العام من غير فاصل زمني سيصعد السلطانُ الإمامُ المنبرَ بالجامع الأعظم هناك خطيبا في الأمة آمّا إيها في الفريضة الأسبوعية؛ صلاةِ الجمعة.
كما سيخطب السلطانُ العالمُ من على منبر تطوان موضوعَ ورقة الاشتغال لدينا مذكرا في الخطاب الديني الجامع بالمسجد الجامع في الأمة ضد الاستعمار الجامح بأن ” الاستقلال لا يدوم إلا بصالح الأعمال والاستقرار وكذا الاستقامة على الفضيلة والأخلاق النبيلة.
موردا في الختم ” اللهم كما قلدتني أمر هذه الأمة فوفقني لإعلاء شأنها وتوحيد شملها واجعلني عند حسن ظنها بي وثقتها في.
اللهم اجعل دعوة جدي الحسن حين دعاك في هذا المكان بعد أن عمل على تعزيز الوحدة في كل مكان…..واشدد أزري بولي عهدي في كل حين….
3 ـ المعلم الاجتماعي:
التركيز على الجوامع/ القواسم الثقافية والحضارية للمجتمع المغربي.
استعمال ضمير “الأنا” الجمعية في التخاطب في المناسبات الدينية – كالجمعة -والوطنية – كعيد العرش أو العيد الفضي.
“فلْنوطد العزم على تنوير بصائرنا ولْنسدد السير في إصلاح شؤوننا …..فلْنواصل العمل لخير الوطن والدين …..ولْنُقم من الحكم أعدلَه ومن النظام أفضلَه مستشهدا بقول ربنا سبحانه “إن الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين: ؛ مسترشدا بحديث سيدنا رسول الله عليه صلوات الخلق أجمعين مما رواه الترمذي عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجالسَ يوم القيامة أحاسنُكم أخلاقا ، الموطؤون أكنافا ، الذين يألفون ويُؤلفون.
فلما تحققت تلكم اللحمة الضامنة لتكم الألفة ، صار الشعب المغربي أمة واحدة فاصطفت خلف إمامها والتفت حوله بتأطير علمائها وفقهائها وأئمتها الذين هم على ملة إمامهم الأعظم وإنما العلماءُ الأساطينُ على مذهب الأمراء والسلاطين؛ الحماة للسياسة والدين على المنهج الذي ورثوه عن النبي صلى الله عليه وسلم، مبايعة في المنشط والمكره وهو ما عليه ببلادنا العملُ ومعقود عليه مزيدٌ من الأمل لا يضرهم من خالفهم ولا يضر إلا نفسه بخروجه عن الجماعة .
إن تلكم العبارات التي أوردها المغفورُ له، السلطانُ الخطيبُ تجسد لنا الامتزاج بين الروح الدينية والوطنية وهو عصب الخطاب الديني بالمملكة المغربية تأسس اليوم بالمؤسسات وتقوى بالتشريعات والقوانين التنظيمية الصادرة في شأن المنظومة الدينية المغربية الوفية للثوابت الدينية في الأداءات الشعائرية :
والعقيدة السنية: العقيدة الأشعرية.
والسلوك السني: التصوف السني على طريقة الجنيد.
والسياسة الشرعية في تدبير أمر الرعية في الدين والدنيا: إمارة المؤمنين.
وكذا؛ الوطنية بالاختيارات الديموقراطية للمملكة المغربية والانفتاح على المحيط الجهوي والقاري والدولي على الدوام.
فالعرش العلوي المجيد يقوم على وحدة دينه وعرشه وأرضه في طوله وعرضه، لذلكم واجه ما حل به بعزم وحزم مما لم يرضه.
4 ـ المعلم الديني:
إن محمداً الخامسَ الملكَ السطانَ والعالمَ الإمامَ، لَيُتعبر بحق أبَ الأمة وزعيمَ المقاومة، بالعلم والحلم رفض كل مساومة فواجه المستعمر وكافح من أجل الاستقلال، رافضا في الوطن الاستغلال، مواجها سبل وخطط التغرير مما أقدم عليه من جميل التقرير.
ولنستمع إلى هذا المعجم الوارد في تلكم الخطبة وهو فريد في المبنى حافل بالمعنى:
البعث والإحياء والأمة والإيمان والعمل والاستقامة والإحسان والخير والشر والمسؤولية والتكليف والفضائل وشكر النعم وكفرانها.
ومن خلال تلاوة تلكم الخطبة التأصيلية نستفهم:
• التأسيس للخطاب الديني الذي يمزج القضية الوطنية والدينية وما أحوجنا اليوم إلى سماع وإسماع هذا الخطاب.
• التأسيس للإعلام الديني من خلال مشروع مجلة علمية كانت وما تزال أس الإعلام الديني بالمغرب الحديث واعتبرت مأوى الباحثين المختصين في الدراسات الأكاديمية الرصينة– هي مجلة “دعوة الحق” لإقامة الحق والتي حدد لها جلالةُ المغفورُ له جهةَ الإصدار وخَطها التحريري داعيّا لها بتحقيق سبل النجاح والتوفيق.
وهنا نورد اقتضاء وليس قضاء كلامَ جلالته طيّب الله روحَه إلى تلكم المجلة الرائدة في مجال ضبط السطر مما انضبط له الصدر مما يحفظ الشريعة الإسلامية بالمغرب في إطار الثوابت الدينية والوطنية به من كل ميل وشرِّ نيل.
يقول جلالةُ السلطان: …ولذلك سرَّنا أن تتولى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إصدار مجلة جامعة تُعنى بصفة خاصة بالإصلاح الديني كما تعالج مختلِف الشؤون الاجتماعية والثقافية.
ولنا وطيدُ الأمل في أن يلتف حولها دعاة الفكر والثقافة والإصلاح في هذه البلاد وغيرها لتؤدي مهمتها خيَر أداء.
وعسى أن تسلك مجلةُ “دعوة الحق” سبلَ النجاح والتوفيق “يوليوز 1957
وإن مما اهتديتُ إليه وهُديت وأنا مشرف على الإقفال على أن في البال العودةَ والإقبالَ خصائص تمايز خطابَ جلالةِ السلطان ما يلي:
• الفصاحة والبلاغة والاقتباس من الوحي والاستشهاد بنصوصه مركزا على القيم الدينية والوطنية والفضائل المثلى والأخلاق العلى مختتما بإقامة الأركان والفرائض مع محاكاة النصوص الدينية مذكرا الأمة – في لقاء خطابي داخل المسجد وخارجه بل وفي كل المنتديات – بماضيها وأمجادها المبنية من لدن أجدادها.
وختاما كنت في خيارات كثيرة للختم فاخترت واسطة العقد الفريد من افتتاحية “مجلة دعوة الحق “عدد : 50 من سنة 2008 للدكتور أحمد التوفيق الأستاذ المؤرخ ومعالي وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية إذ يقول ” فبرفض الملك المناضل كل مساومة على مؤسسات البلاد واستقلالها تجددت المشروعية النضالية التحريرية التي تكرست وتقوت في سجل الملكية منذ تأسيس الدولة العلوية قبل ثلاثة قرون خلت في وقت كانت فيه أجزاء من الوطن تنتظر التحرير” إلى هنا ينتهي يا سادة هذا التقرير والسلام على الشهداء البررة والرحمة على أب الأمة محررِ الأوطان جلالةِ السلطانِ محمدٍ الخامسِ ومستكملِ البنيان جلالةِ الملكِ الحسن الثاني وبالرفعة والنصر والتمكين لمواصلة العمران جلالةِ الملكِ محمدٍ السادس .
وصدق الله العظيم إذ يقول: الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور.
صدق الله العظيم والحمد لله ربنا الكريم.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=18241