مجالس الصلاة على النبي في سلا، مدينة الأولياء

21 نوفمبر 2025

محمد خياري

ارتسمت أنوار الذكر في رحاب المجلس العلمي بسلا، مدينة الأولياء، يوم الخميس 28 جمادى الأولى 1447 الموافق لـ 20 نونبر 2025، فاجتمعت القلوب قبل الأجساد وتوحدت الأرواح في حضرة الصلاة على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، كان المشهد أشبه ببحر من نور تتدفق فيه أنهار الطرق الصوفية من العيساوية إلى البودشيشية ومن الشرقاوية إلى الحراثية وغيرها، كلها ترفع نداءً واحداً يملأ الآفاق: اللهم صل وسلم على سيدنا محمد، العلماء والشرفاء والنقباء كانوا كأوتار في آلة سماوية تعزف لحن المحبة النبوية فتسري في النفوس سكينة وفي الأرواح طمأنينة.

الكلمات التي أُلقيت لم تكن خطباً جامدة بل حدائق نثرية تتفتح أزهارها في القلوب وتغمر المستمعين بعبق البركة، الصلاة على النبي تحولت إلى جسر من نور يعبر به الحاضرون نحو عهد الأنوار المحمدية حيث الرحمة تتجلى والمحبة تفيض والسلام يزهر في القلوب، لم تكن المناسبة احتفالاً عابراً بل تجديداً للعهد مع الحبيب وتأكيداً أن ذكره هو الحبل المتين الذي يجمع الأمة ويوحدها، كل كلمة كانت رشفة من نهر الحنان الإلهي وكل دعاء نسمة من رياض القرب وكل صلاة بذرة نور تنمو في القلوب، هكذا غدت سلا مدينةً من نور تتلألأ فيها الأرواح وتتعانق فيها الطرق والزوايا لتعلن أن الصلاة على النبي ليست مجرد ذكر بل هي حياة وهي سرّ المحبة الذي يربط الأرض بالسماء، سلا، مدينة الأولياء والعلماء، لا تزدهر بتاريخها العريق فحسب بل بروحها التي تتجدد في كل لحظة كجسر ممتد بين الماضي المشرق والحاضر المضيء، من عهد بني يفرن والمرابطين مرورًا بالموحدين الذين تركوا بصمة يعقوب المنصور في الجامع الأعظم وصولًا إلى السعديين والعلويين الذين حملوا في شخصياتهم روح الزهد والعرفان، تتجلى سلا كمدينة تتنفس التاريخ وتزهر بالروح، الأزقة العتيقة ليست مجرد طرقات بل ممرات للذكر حيث تتردد أنغام الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وتنبض القلوب بحب لا ينطفئ,

الأصوات الخارجة من حناجر أهل الله في الزوايا تتردد في الفضاء كأنها شفاء للقلوب وأغنية سماوية تسمو فوق الهموم، تلاوة دلائل الخيرات وذخيرة المحتاج مع التهليل بالصلاة على النبي تحيط الحاضرين بسجادة من نور كأن الرحمة الإلهية تنزل عليهم كندى السماء، في هذه المدينة، السلوى ليست مجرد كلمة بل حياة روحية متجددة تنبثق من عمق الذكر وتغذي الأرواح بطمأنينة لا تضاهى، سلا تبقى منجمًا للعلماء والصالحين وملتقى للطرق والزوايا حيث تتشابك أنوار المحبة لتصنع من هذه الأرض حضرةً أبديةً للسلام، الذكر هنا ليس ترديداً للألفاظ بل هو عهد متجدد مع الحديث الشريف “إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي”، كل صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قصيدة حب يخطّها القلب وكل دعاء طائر محلّق في سماء السكينة وكل ذكر عهد أزلي مع النور، في تلك اللحظات يذوب الحاضر والماضي في وحدة روحية فيبصر المؤمن الحبيب متجلّيًا بزينته الروحية الفريدة وتستشرف النفس الحكمة والحنان وتمتزج أصداء السماء بترديد الصلاة والسلام عليه في تدفق ملهِم يطهر القلب ويبعده عن قسوة الزمان، هكذا يصبح الذكر في سلا رحلة عشق أبدية حيث تتلاقى الأرواح في حضرة النور وتذوب في محبة الحبيب لتعلن أن الصلاة عليه ليست طقساً عابراً بل هي سرّ الحياة وبهاء الوجود وسبيل الاتحاد في رحاب السلام الأبدي، سلا تبقى شاهدة على أن الذكر هو تاجها والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هي سرّ خلودها لتظل مدينة الأولياء منارةً للروح ومشعلًا للسلام وعرشًا للمحبة الإلهية.

لقد كان المجلس العلمي المنطلق كالشمس التي تبعث أشعتها الأولى في أفق الروح لتضيء الطريق أمام الزوايا والطرق الصوفية بالمدينة، ومن تلك الأشعة المباركة ستتولد أنوار لا تنطفئ طيلة هذه السنة المباركة إذ ستقوم كل زاوية وكل طريقة صوفية بتنظيم مجالس للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كأنها كواكب تدور في فلك واحد تستمد نورها من شمس المجلس العلمي وتعيد إشعاعه في فضاءات الذكر والمحبة.

التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد.

توكل كرمان.. من جائزة نوبل إلى خطاب الفتنة

عمر العمري تقدم توكل كرمان نفسها، منذ حصولها على جائزة نوبل للسلام سنة 2011، بوصفها رمزا عالميا للحرية وحقوق الإنسان، إلا أن مسارها الإعلامي والسياسي اللاحق سرعان ما كشف عن تناقض صارخ بين الشعارات والممارسة. فبدل أن تكون صوتا للحوار والسلام، تحولت إلى منبر للتحريض والتجريح، مستخدمة المنصات الرقمية لنشر خطاب عدائي يستهدف المغرب ومؤسساته […]

استطلاع رأي

هل أعجبك التصميم الجديد للموقع ؟

Loading...