ماذا تبقى من حركة عشرين فبراير؟

محمد علي لعموري
آراء ومواقف
محمد علي لعموري14 فبراير 2021Last Update : الأحد 14 فبراير 2021 - 4:09 مساءً
ماذا تبقى من حركة عشرين فبراير؟

محمد علي لعموري
في عام 2011 عرفت البلاد العربية -بدءا من تونس- حراكا شعبيا جارفا لم تشهده من قبل، انفجرت قنبلته بتونس الخضراء، وامتدت شرارته لتطال مصر حسني مبارك، ثم ليبيا القذافي، واليمن “السعيد” في عهد عبد الله صالح.

في نفس التوقيت كانت هناك حركة واعدة تستعد للنزول إلى الشارع بتاريخ 20 فبراير من عام 2011.

خرجت جماهير غفيرة تطالب بمحاربة الفساد وتلبية مطالبهم المشروعة مثل الحرية والشغل والعيش الكريم.

نجح حراك 20 فبراير في إثارة انتباه القصر، الشيء الذي نتج عنه خطاب الملك في 9 مارس، والذي نقلته القنوات الوطنية والدولية، فكان خطابا تاريخيا يدشن لمرحلة دستورية جديدة.

الخطاب الملكي جاء استجابة لمطالب الحراك، دعا فيه العاهل المغربي إلى مراجعة الدستور بتشكيل لجنة مختصة لذلك ،كما دعا إلى إجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها.

ولامتصاص الغضب الشعبي أعطى الملك لرئيس الوزراء حينئذ السيد عباس الفاسي لفتح قنوات التوظيف المباشر بالنسبة لأصحاب الشواهد العليا المعطلين.

تشكل دستور جديد بعد استفتاء نوعي، ومرت الإنتخابات في أفضل الظروف تحت مراقبة دولية شهدت على نزاهتها، وعبرها صعد الإسلاميون في المغرب إلى الحكم إلى جنب الملك.

سابقة امتصت غضب الشارع، وذوبت جليد النقاش العمومي حول قضايا تهم الشباب المغربي، ولفتت انتباه دول الجوار وكذا المراقبين الدوليين، حتى زعم المعجبون بقدرة الدولة المغربية على احتواء الشارع بكون المغرب يصنع نموذجه الديمقراطي باشراك الإسلاميين في الحكم عكس ما وقع في الجزائر في التسعينيات من القرن الماضي من إجهاض للديمقراطية نتجت عنه العشرية الدموية التي يعرفها الجميع، وعكس ما وقع في مصر بعد سقوط مبارك وصعود الإخوان لمدة سنة قبل أن ينزلهم تحالف الشارع مع الجيش من سدة الرئاسة والحكم التي لم تتجاوز السنة. أما باقي دول الجوار فتعرفون ماذا وقع في ليبيا من دمار وخراب وقتل وسحل للعقيد معمر القذافي، واليمن الذي أدته ثورته المضادة إلى مقتل زعيمهم عبد الله صالح، وتونس التي هرب منها بن علي إلى السعودية تاركا البلد يصارع من أجل بناء نموذج التعايش بين الإسلاميين والعلمانيين دون القول أن الديمقراطية قد استتبت.

بالعودة إلى حركة عشرين فبراير، فإن المستفيدين من التغيير كانوا هم إسلاميو المؤسسات الذين تريثوا ولم ينزلوا إلى الشارع لكن بالمقابل قطفوا ثمار الحراك في الإنتخابات.

إسلاميو الحراك المتجسدون في جماعة العدل والإحسان المحظورة والتي كانت القوة الضاربة في الشارع مع قوى اليسار بمختلف أطيافه ، والشباب المعطل ومكونات النضال من أجل الدفاع عن الحريات الفردية كلها ألوان متنوعة شكلت لحمة حركة عشرين فبراير، لكن الغالب فيها كان هو صوت الحركات الإسلامية والشباب المعطل الذي لم تعد له من ايديولوجية سوى الخطاب الإسلاموي الذي طغى وجعل الإسلاميين المنتظمين داخل المؤسسات يفوزون بأغلب المقاعد البرلمانية.

حكم الإسلاميون ولم يوفقوا في تلبية مطالب الشباب، بل اشتغلوا على الإكتساح والإنتشار داخل دواليب الحكم من أجل تثبيت الأرجل والتغلغل في مفاصل الدولة خدمة لمشروع التمكين.

مرت ولايتهم الأولى عبارة عن خطاب طمأنة للقصر أنه يمكن الإعتماد عليهم، وذلك باثبات حسن النية.

بالمقابل تفاقم حجم المديونية مما أقفل باب التوظيف دون أية إمكانية لتأطير الشباب من أجل خلق أنشطة مذرة للدخل تكون تعويضا لهم عن انسداد الأفق أمامهم، والذي أملته شروط الإستذانة وإملاءات البنك الدولي التي تتماشى سياسته مع الدول المستذانة بفرض التقشف وإقفال باب التوظيف ضمانا لاسترداد الدين داخل الآجال المحددة.

ساهمت السياسة الإرتجالية لحكومة السيد عبد الإله بنكيران في التغاضي عن عدم تلبية المطالب المرفوعة من طرف حركة 20 فبراير ، والإكتفاء بخطابات سياسية موجهة لدوائر الحكم الضيقة دون الإجابة على مطالب القاعدة. فكانت خرجة رئيس الحكومة الأسبق بالعفو المعنوي عن المهربين لأموال الشعب والمفسدين بالقول على قناة الجزيرة ” عفا الله عما سلف.

هكذا دق بنكيران آخر مسمار في نعش الآمال التي كانت معقودة على حكومة التناوب الثانية ( تناوب بنكهة إسلامية وليست يسارية كما هندس لها العاهل الراحل في منتصف العشرية الأخيرة من القرن الماضي).

نتج عن انسداد الأفق وإجهاض الفرص المتاحة وفق إمكانات الدستور الجديد انتفاضة أبناء الريف بعد مقتل البائع البسيط محسن فكري وكأننا بصدد معاودة السيناريو التونسي الذي عرف مقتل البوعزيزي باعتبارهما الشرارة التي ولدت كلا من حراك الريف وحراك تونس. كما عرفت منطقة جرادة نفس الصرخة وكذلك بكلميم.

تلك الإنتفاضات الشعبية كانت لديها نفس مطالب حركة عشرين فبراير وهي الكرامة والشغل والعيش الكريم ومحاسبة المسؤولين عن الوضع القائم..

بعد اعتقال رموز حراك الريف والحكم عليهم بأحكام ثقيلة وفقا للتهم الخطيرة الموجهة لهم من طرف النيابة العامة، بدأت مواقع التواصل الإجتماعي تتحدث عن ردة حقوقية يشهدها المغرب شبيهة بتلك التي عرفها المغرب بعد أحداث 16 ماي الأليمة والتي تم على إثرها تعسف غير مستساغ من طرف الدولة بعد تشديد وطأة المقاربة الأمنية في معالجة الملف.

اليوم وبعد مرور عشر سنوات على انطلاق ما سمي في وقته بحركة عشرين فبراير، ماذا تبقى من مشروعية الحراك؟ علما أن هذا الأخير وبعد تذويب الحركة عام 2011 في بوثقة الإصلاحات الدستورية والسماح للإسلاميين بالحكم جنب المؤسسة الملكية، وبعد اندلاع موجة الغضب الشعبي بمنطقة الريف ، وتعامل الدولة معه بصرامة باعتقال رموزه
والحكم عليهم بأحكام ثقيلة، أصبحنا نتحدث اليوم عن حركات احتجاجية لأطر التعليم والأساتذة المتعاقدين وهيئة الأطباء وغيرها من أطر القطاعات الأخرى.

لم تعد المطالب المرفوعة مقتصرة على أصحاب الشواهد العليا العاطلين عن العمل، أو بعض رموز المعارضة اليسارية ، بل امتدت لتصبح عنوان تذمر أطر ونخب طالها النسيان وتشتغل وفق ظروف مجحفة مما جعل الثلاث السنوات الأخيرة تعرف عددا من الوقفات الإحتجاجية السلمية التي تطالب بحل فوري لمشاكلها المتفاقمة.

حركة عشرين فبراير كانت عنوان مرحلة لم تستثمرها النخبة الحاكمة من أجل الدفع بقاطرة التغيير والإصلاح إلى مداه الذي يستطيع امتصاص غضب الشارع، وإلا لما عادت الإحتجاجات في شمال المملكة اليوم رغم اعتقال رموز حراك الريف، وهذا معناه أن شروط وأسباب انطلاق حركة عشرين فبراير عام 2011 ما زالت قائمة بدليل احتجاجات الفنيدق اليوم واعتراف الدولة بفشل النموذج التنموي الذي استنفذ عمره الإفتراضي وتشكيل لجنة ملكية لوضع تصور لنموذج تنموي جديد.

Short Link

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.