بقلم: محمد علي لعموري
يقال في عرف النقاش السياسي أن “السياسة بلا أخلاق”، وفي تعريفها الفلسفي أنها “فن الممكن”، وعند الانتهازيين هي الدفاع عن مصالح الطغمة السياسية والطغمة التي تملك الثروة وتسعى للحفاظ عليها.
لا يهم ما يقال، بقدر ما يهم ما يعاش داخل الزمن السياسي.
والسياسة في المغرب تطبعها ضوابط ديمقراطية وأخرى قانونية وثالثة ميتافيزيقية.
فأما ما كان متصلا بالديمقراطية، فإن المغرب ومنذ الاستقلال قد نهج نهجا ديمقراطيا على مقاس طبيعة الحكم فيه، فالمغرب تحكمه ملكية منذ القدم، وإنما جاءت الديمقراطية مع الإستعمار لتبسط رداءها على نظام السلطنة بالمغرب.
وعاش المغرب تجربته الديمقراطية على الطريقة الحسنية، “نسبة إلى الملك الراحل الحسن الثاني” الذي خبر المستوى التعليمي للمغاربة، وعاش صراعا مع معارضة يسارية راديكالية، ونهج في سبيل دحرها شرعيته كأمير للمؤمنين بإطلاق اليد الطولى في الجامعة والثانوي للمد الإخواني والسلفي والصوفي لينازل أتباع لينين وأشياع ماوتسي تونغ…
كل ذلك كان نهجا توفيقيا تلفيقيا لخلق توازن لصالح نظام الحكم بالمغرب. ولما نضجت تجربة فكرة بناء الثقة بين القصر والكتلة الديمقراطية التي تحدث عنها المرحوم الجابري، جيء بالمعارضة لتحكم بقوة وزارة السيادة آنذاك، وبضمانات ملكية.
التجربة الديمقراطية بالمغرب، ورغم نضجها سياسيا، فقد كانت تحكمها دوما ازدواجية رهيبة تلك التي تتلخص في كلمتي “أصالة ومعاصرة” التي جسدتهما شخصية الحسن الثاني في الأسلوب بما كان يرطن به الملك الراحل تيمنا بمقولة بوفون “الرجل هو الأسلوب”.
كان الملك الراحل يزاوج بين لباس عصري ببدلة أنيقة في النهار، وجلابية وسبحة للتأمل في المساء، وهو الذي كان يناظر معارضته الخارجية في شخص الصحافة الفرنسية التي كان نزاله معها حادا وذكيا وكأنه يتحرك معها فوق رقعة الشطرنج، ثم يوجه خطابا إلى الأمة في مناسبات ومحطات دينية وتاريخية ووطنية لا تخلو من ممارسة سياسية تمزج بين الترغيب والترهيب، وهو نفس أسلوب معاوية فيما عرف في الأدبيات السلطانية بالمواكلة والمشاربة.
الأصالة والمعاصرة هي لعبة توازن بين قوة القانون والسيادة العليا لإمارة المؤمنين، فلا يتسع المقام هنا للتفصيل فيها بروية وعمق.
وحتى عندما سطع نجم التغول الاسلاموي في الساحة السياسية المغربية، كانت للسلطة في البلاد اليد الطولى لجعلهم يمشون على خطى نفس الإيقاع المؤسساتي الذي يشي بوجود دولة عميقة تؤثث المشهد السياسي بنهج الأسلوب الحسني حتى بعد رحيل الحسن الثاني.
وقبل مجيء “الربيع العربي” في نسخته المغربية (حركة عشرين فبراير)، نزل رمز الوفاء للسلطة وللنظام لتأسيس حركة لكل الديمقراطيين، نكاية بمن كان يتهم الديموقراطية من إسلاميي المؤسسات بالكفر بينما هم ينعمون بمعارضة النظام من داخلها.
ولعل هذا التوازن المتمسك بخيوط لعبته هو ما جعل حزب الدولة يختار إسم ” الاصالة والمعاصرة” ويبني فكرويته على تحجيم دور الإسلاميين داخل المؤسسات بعد أن لاح في الأفق أنهم قادمون لا محالة.
وقد جاؤوا فعلا على صهوة جواد “الربيع العربي” الذي اتضح فيما بعد أنه لم يكن كذلك، بل كان كارثة لم يستفد منها سوى الاسلام السياسي، والدواعش كنسخة مشوهة منهم.
عشر سنوات من التعايش المتوازن بين الإسلاميين والنظام الملكي الذي عدل الدستور ليتماشى مع خطاب المرحلة، وليسمح للإسلاميين أن يحكموا على الطريقة المغربية وليست المشرقية، فتقاليد الحكم بالمغرب لا تسمح بأي هجانة دخيلة حتى لو كانت مدفوعة الأجر وذات تأثير خليجي بنسختيه السعودية أو القطرية. ولعل هذا ما جعل التجربة الإسلاموية داخل المؤسسات كتجربة ديمقراطية فتية تختلف عن تلك التي وقع عليها الاختيار في كل من مصر وليبيا وتونس والسودان..الخ
اليوم وبعد انتخابات 8 شتنبر يبدو أن سقوط الاسلاميين المدوي قد أفرز واقعا ليبراليا لا يهدد الدولة بل يمشي في كنف نهجها القديم، ولعل تحالف الأخنوشية بالأصالة والمعاصرة باعتبارهما غريمين في التوجه الليبرالي، وانضمام حزب الاستقلال إلى الأغلبية، سيضفي على الحكومة المقبلة طابع التوازن لما يعرف على حزب الاستقلال من تعادلية تذكرنا بكتاب ماكس فيبر ” الأخلاق البروتستانتية والروح الرأسمالية” وهو مذهب فلسفي في الاقتصاد وفي السياسة يدافع عن فكرة دور الدين – إن شئنا التعميم والإسقاط- في خلق الثروة ورأس المال، وبناء طبقة رأسمالية قوية قادرة على قيادة المجتمع.
اليوم وأنا أقرأ مقال الصحافي نور الدين مفتاح، استوقفتني ملاحظة في افتتاحيته المعنونة ب ” الخوف من التغول المصالحي” حين قال ” إذا كانت الدولة طيلة عشرين سنة تتخوف من تغول الإسلام السياسي، فإن الشعب اليوم من حقه أن يتخوف من تغول المركب المصالحي الليبرالي المتوحش، مادام أن من يقود كل المؤسسات المنتخبة تقريبا هم من أصحاب هذه المصالح ومن الأعيان وكبار الأثرياء”.
ويقصد بتغول المركب المصالحي بالأحزاب الثلاث التي تشكل أغلبية اليوم بعد المشاورات السياسية ودخول مرحلة إعداد لائحة أسماء الإستوزار المعروضة على جلالة الملك للنظر فيها والمصادقة عليها.
السؤال الذي جعلناه عنوان المقال الجواب عليه مؤجل إلى حين، وتبقى قلوب وعيون المغاربة مشدودة إلى ما ستقوم به الحكومة القادمة في المائة يوم من عمرها بعد التعيين.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=15629
مرادمنذ 3 سنوات
بعد سقوط البشير وقبله كتبنا خلف الستار الأسود وقلنا .. طرشقت .. وسيطرشقها تجمع المهنيين ومازلنا على العهد والكلمة ..