الإسماعيلية فرقة من فرق الإسلام الشيعي، وهي واحدة من التيارات الثلاثة الكبرى في التشيع، إلى جانب الزيدية والاثني عشرية، ظهرت في القرن العاشر الميلادي كحركة ثورية مهدوية تدعو إلى ظهور الإمام الغائب محمد بن إسماعيل، حفيد الإمام السادس جعفر الصادق، وقد انطلقت هذه الحركة من مدينة الكوفة في العراق، وهي المدينة التي شهدت تفاعلات بين المسلمين الشيعة والمجموعات الدينية الأخرى مثل الزرادشتيين، والمسيحيين الغنوصيين، والمانويين، مما جعلها مركزا لولادة تيارات شيعية متعددة، وكانت هذه الحركات تتجمع حول إمام تدّعي أنه المهدي المنتظر، أو قائد يدّعي تمثيل إمام غائب لم يمت وإنما اختفى عن الأنظار بانتظار عودته.
اعتمدت هذه الحركات على مفاهيم غنوصية، إذ نسبت إلى الإمام قدرات فوق طبيعية، وأحيانا صفات إلهية، كما تبنت نظرة تناقض الشريعة الإسلامية بزعم أن المهدي المنتظر سيأتي ليبطل العمل بها، كما قدمت تصورات كونية غاية في التعقيد، تؤسس لفكرة أن تعليم الإمام ضروري لخلاص الروح البشرية التي سقطت في هذا العالم المادي المظلم، وواجهت هذه الحركات قمعا شديدا من قبل السلطات السياسية، كما أنها وُصِفت بالمبالغة أو “الغلو” من قبل الشيعة المعتدلين والسنة على حد سواء.
وبسبب الضغوط السياسية، قرر زعماء الإسماعيلية في منتصف القرن التاسع الهجرة من الكوفة إلى مدينة سلمية في سوريا، حيث أسسوا قاعدة سرية لنشر دعوتهم، ومن هناك، بدأوا في إرسال دعاتهم إلى مناطق بعيدة عن سيطرة العباسيين مثل اليمن، المغرب، البحرين، خراسان، آسيا الوسطى، والهند، وسرعان ما أثمرت هذه الجهود عن إنشاء شبكة دعوية قوية، مما أقلق السلطات العباسية، وأدى إلى مواجهة مفتوحة مع القوى السياسية والدينية السائدة.
وفي أواخر القرن التاسع، قرر قادة الإسماعيلية التركيز على شمال افريقيا لإنشاء دولتهم الخاصة، بدعم من القبائل البربرية، حيث نجحوا في إقامة دولة إسماعيلية في إفريقية، التي تمثل تونس الحالية، وأسسوا مدينة المهدية، إلا أن مفاجأة كبرى حدثت، إذ لم يظهر المهدي المزعوم محمد بن إسماعيل، وإنما ادّعى أحد دعاتهم، عبيد الله المهدي، أنه المهدي الحقيقي، وأنه من نسل النبي محمد عبر فاطمة وعلي، مؤسسا بذلك الدولة الفاطمية، وتسبب هذا التحول العقائدي في انقسام الإسماعيليين بين مؤيدين للفاطميين ومجموعة أخرى عرفت باسم القرامطة، التي رفضت شرعية الفاطميين واعتبرتهم محتالين.
وتمكن الفاطميون من تعزيز سلطتهم، وانتقلوا إلى مصر حيث أسسوا مدينة القاهرة عام 969 م، وجعلوها عاصمة لدولتهم التي امتدت من شمال إفريقيا إلى الشام والحجاز وصقلية،\و خلال هذه الفترة، أعادوا تشكيل العقيدة الإسماعيلية، فقاموا بتخفيف الطابع الراديكالي الذي كان يميزها في بدايتها، إذ تخلوا عن فكرة الألوهية للإمام، وأعادوا إحياء الشريعة الإسلامية، وأسسوا نظاما فقهيا شبيها بالمذاهب السنية والاثني عشرية، ومن خلال شبكة واسعة من الدعاة، نجح الفاطميون في نشر نسختهم المعتدلة من الإسماعيلية في مناطق متعددة.
واستمرت الحركات الإسماعيلية المتطرفة، ومن بينها القرامطة الذين أسسوا دولتهم في البحرين، حيث قام القرامطة بعمليات عسكرية في الجزيرة العربية، حيث هاجموا مكة عام 930 م، وسرقوا الحجر الأسود من الكعبة ونقلوه إلى الأحساء، وهو الحدث الذي أثار ذعر العالم الإسلامي وأدى إلى تشويه سمعة الإسماعيلية لقرون طويلة.
ولم تكن هذه الأزمة الوحيدة التي تعرضت لها الإسماعيلية، ففي القرن الحادي عشر، ظهرت فرقة جديدة من داخل الفاطميين، وهم الدروز، الذين آمنوا بألوهية الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، وهو ما أدى إلى اضطهادهم لاحقا في مصر، لكنهم استمروا في البقاء كمجتمع مستقل في جبال لبنان وسوريا.
وبعد وفاة الخليفة الفاطمي المستنصر بالله عام 1094، حدث انشقاق جديد بين الإسماعيليين، حيث انقسموا إلى مستعلية ونزارية، ودعمت السلطة الفاطمية المستعلي بن المستنصر، بينما أيدت جماعة أخرى نزار بن المستنصر، وهو الانقسام الذي أدى إلى ظهور النزاريين في فارس وسوريا، حيث أسسوا حركة عُرفت بالحشاشين تحت قيادة حسن الصباح.
واستخدم الحشاشون أساليب الاغتيالات السياسية لبسط نفوذهم، وأصبحوا مصدر رعب للحكام المسلمين والصليبيين على حد سواء، وكانت قاعدة حكمهم في قلعة آلموت في فارس، واستمر نفوذهم حتى دمرهم المغول عام 1256، وأدى سقوط الحشاشين إلى تراجع الإسماعيلية، لكن النزاريين استمروا في البقاء، وانتقل مركز ثقلهم إلى الهند وآسيا الوسطى.
وفي العصر الحديث، استمر النزاريون كمجموعة رئيسية من الإسماعيليين، ويقودهم اليوم الآغا خان الرابع (توفي مؤخرا)، وهو زعيم يتمتع بنفوذ عالمي من خلال شبكة مؤسساته الخيرية والثقافية، أما الفرع المستعلي، فيمثله مجتمع البهرة في الهند واليمن، الذين يتمسكون بتراثهم الفاطمي ويعيشون ضمن نظام ديني مغلق.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=23224