فتحت مؤسسة الفقيه التطواني، نقاشا بين مجموعة من الصحافيين والأكاديميين حول “الإعلام والسياسة”، أمس الثلاثاء بمقرها بسلا، تناول عدة محاور من قبيل علاقة الصحافي بالسياسي، ودور الصحافة في التنشئة السياسية، وصناعة الرأي العام.
وفي تقديم اللقاء، قال أبو بكر الفقيه التطواني، رئيس المؤسسة إن الخطب الملكية خلال العشرين سنة الماضية تتوجه للسياسي برسائل واضحة حول التعددية وأهمية التنافس الشريف، والنزاهة والكفاءة المطلوبة في المرشحين والصدق مع المواطنين. ثم هناك جانب وظيفي في هذه الرسائل، يتعلق بتقديم برامج ملموسة قابلة للإنجاز، وتفعيل الإصلاحات الهيكلة، وحضور المرأة والشباب، وتعزيز دور الأحزاب.
وطرح التطواني تساؤلات على الصحافيين حول تصورهم لعلاقة الصحافي بالسياسي، فكان جواب يونس دافقير، صحافي جريدة الأحداث المغربية، من خلال وقوفه على مقولة “دور الإعلام في دمقرطة الدولة والمجتمع”، متسائلا “هل فعلا كل إعلامي يضع هذا الهدف ويشتغل عليه؟”، معتبرا أن الصحافة وحرية التعبير أساسيان في كل ديموقراطية، لكنه تساءل عن “التوجهات المحافظة المتطرفة” التي تشتغل في الإعلام، وهل فعلا تساهم في تعزيز الديموقراطية؟
واعتبر دافقير، أن دمقرطة الدولة من خلال الإعلام يعد مسارا كلاسيكيا تحققت فيه مكتسبات وتراكمات، لكن وقع “إهمال لدمقرطة المجتمع، ما أدى لتصاعد الشعبوية، والعدمية”.
ومن جهته، أشار عبد الحق بلشكر صحافي “أخبار اليوم” إلى أن علاقة الصحافة بالسياسة “متشابكة” منذ بروز التجربة الصحافية في المغرب، لأن الحركة الوطنية هي التي أسست الصحافة في سياق مواجهة الإستعمار، وبعد الاستقلال كان مدراء الصحف أمناء عامين للأحزاب السياسية. وفي نهاية عهد الملك الراحل الحسن الثاني، “ظهرت الصحافة غير الحزبية، أو المستقلة، التي لعبت دورا مهما في تحريك النقاش السياسي”، والمساهمة في الانتقال للعهد الجديد. لكنه أكد أنه بقدرما علاقة الصحافي بالسياسي “ضرورية وأساسية بقدر ما هي ملتبسة أيضا” لأن كثيرا من السياسيين يتصورون الصحافي مجرد “أداة” لتصريف مواقفهم وصراعاتهم.
من جهة أخرى، أشار إلى العوامل المؤثرة على دور الصحافي. فهناك من جهة تحديات الإعلام الجديد، و من جهة أخرى ظروف اشتغال المقاولة الصحافية، والبيئة السياسية.
أما عمر الشرقاوي، الأستاذ الجامعي، فاعتبر أن علاقة الإعلام بالديموقراطية والسياسة هي “علاقة اعتماد متبادل”، فالصحافي لا يمكنه الاشتغال في بيئة “غير ديموقراطية”، لا تتسم بحرية التعبير، فكلما كانت الصحافة تعمل في مناخ ديموقراطي كلما ساهمت في تعزيز هذا المناخ، لأنه لا يمكن أن يكون هناك صحافة وإعلام ديموقراطي “في ظل نظام سلطوي”، ولهذا دعا إلى “توفير البيئة القانونية للإعلام التي تحمي الإعلاميين، وتضمن حريتهم في التعبير دون خوف أو رعب”.
من جهته، تحدث محمد لغروس، مدير موقع العمق، عن تأثر الإعلام بالبيئة التي ينشأ فيها، لكنه أشار مراوحة علاقة السياسي والصحافي، بين التكامل التوتر والاستغلال أحيانا، مشيرا إلى وقوع سوء فهم أحيانا لأن بعض السياسيين يعتقدون أن الصحافي مجرد أداة يمكن استغلالها.
وبدوره ركز كمال هشومي، أستاذ باحث، على أن علاقة الإعلامي بالسياسي تتسم أحيانا ب”العداء”، لاعتقاد بعض السياسيين أن دور الإعلامي هو تسويق ما يجب أن يقومون به، ولكن أحيانا “تتسم بالتعاون بين الطرفين” لكنه حذر من تمييع الإعلام، مع ظهور أشخاص محسوبين على المهنة رغم تقنيين الولوج للإعلام بفرض توفر الصحافي على شواهد جامعية.
وفي محور آخر، أثار ابو بكر الفقيه التطواني، سؤال الإعلام والتنشئة، مقدما أرقاما حول التركيبة السكانية للمغرب، ومدى تأثرها بالإعلام، فقد أشار إلى أن 25,77 في المائة، اي ربع السكان لا يتجاوز عمرهم 14 سنة، و42,82 في المائة دون 25 سنة، و42,32 ما بين 25 و54 سنة، و8,14 في المائة، ما بين 55و64 سنة، وما فوق 65 سنة يشكلون 6,74 في المائة. وتساءل عن دور الإعلام في ظل هذه الخصوصية العمرية في المغرب وعن نوعية الخطاب الذي يمكن أن يساهم في التنشئة، علما أن الإحصائيات تشير إلى أن 29 في المائة من المغاربة يشاهدون القناة الأولى يوميا، و35 في المائة من المغاربة يشاهدون القناة الثانية.
وفي تفاعله مع هذا السؤال، رد عمر الشرقاوي، بأن الإعلام ليس كتلة متجانسة لها سياسة تتجه للتنشئة، وبالمقابل ركز على أن الفئات المستهدفة “خلقت لنفسها إعلاما موازيا”، فهناك 17 مليون حساب في مواقع التواصل الاجتماعي لمغاربة، يزورون الانترنت، معدل ساعتين إلى ثلاثة في اليوم. فهذه الشريحة “تعد منتجة إعلاميا وليس فقط مستهلكة”.
أما يونس دافقير، فيرى أنه لا يجب أن نحمل الإعلام فوق طاقته، لأن التنشئة هي وظيفة مؤسسات أخرى، في حين أن الإعلام يساهم فقط في خلق رأي عام. ومن جهة أخرى طرح دافقير سؤالا عن مدى أحقية الدولة في أن يكون لها صحافة، و أن يكون هناك التقاء موضوعي للصحافة مع مواقف الدولة.
ومن جهته، شدد محمد لغروس، على أن دور الصحافة هو الوساطة ونشر المعلومات أكثر من التنشئة، مثيرا موضوع عزوف الناس عن السياسة، بسبب السلوكات السلبية للأحزاب، ومشكلة الهيمنة، وتفضيل مؤسسات إعلامية مؤيدة على أخرى.
ويرى عبد الحق بلشكر، أن الشباب يبقى بعيدا عن تتبع الصحف وقراءتها وأن الشباب لهم مسارات أخرى للتأطير عبر مواقع التواصل، فحسب دراسة لفدرالية الناشرين أنجزت قبل جائحة كورونا، فإن الفيئة العمرية التي تقتني الصحف يفوق سنها 45 سنة.
أما عن الإعلام العمومي، فلا توجد دراسات مفصلة حول الفئات التي تتابع هذه البرامج، لكن عموما هناك اهتمام أقل، وفي مواقع التواصل لاجتماعي هناك مواقف سياسية ووعي شبابي واضح، وتفاعل بقوة و أحيانا بقسوة تجاه المواقف سياسية أو قرارات.
وفي تفاعل مع مواقف الصحافي دافقير حول صحافة الدولة، أكد بلشكر أن يمكن أن تكون للسلطة صحافتها، لكن الخطر هو أن تتضخم الصحف التي تمارس الدعاية على حساب الصحافة التي تمارس الرقابة، لأن الأنظمة الديموقراطية تتطلب صحافة تراقب من بيدهم السلطة.
ولاحظ كمال هشومي، من جهته أن الإعلام تطور وأصبح سلطة رقابة مهمة تساهم في تكوين الرأي العام، وتتحول أحيانا لسلطة معارضة رغم وجود أزمة القراءة، وسلطة وتأثير الرأسمال على الإعلام.
وبخصوص سؤال صناعة الرأي العام، تساءل عمر الشرقاوي هل فعلا للصحافة دور في صناعة الرأي العام، وهل الإعلام أصبح تابعا للأحداث أم يصنعها، ملاحظا أنه أحيانا “تصبح الصحافة ضحية للٍرأي العام”، أما يونس دافقير فحذر من مسايرة “هوى الرأي العام”، وقدم مثالا برد الفعل في مواقع التواصل ضد دعم الحكومة للفنانين في حين أن دور الإعلام هو شرح دور الدعم في وقت يعاني فيه الفنانون.
ومن جهته أشار عبد الحق بلشكر، إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تساعد على قياس تشكل الرأي العام حول قضايا معينة، وهذا تطور لأنه في السابق كان يجب لمعرفة توجهات الراي “انجاز استطلاعات الرأي”، أما اليوم فيمكن تتبع توجه الرأي العام من خلال التعليقات والمواقف المعبر عنها. وقدم مثالين، أولا “حملة مقاطعة المنتوجات”، التي انتشرت بسرعة من داخل مواقع التواصل، والمثال الثاني، مشروع قانون الرقابة على مواقع الاجتماعي، الذي تم تسريبه من مواقع التواصل وتفاعلت معه الصحافة وخلقت نقاشات حوله، حيث ظهر رأي عام ضده دفع الحكومة للتراجع عنه.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=11024