سامح عسكر
الدكتور سعد الدين الهلالي، يقود بمفرده حملة إصلاح فكرية جريئة داخل الأزهر الشريف، ولعلمه بالثمن المدفوع فهو لم يدخل تلك المهمة سوى بعلم مقارن وعقلية فلسفية وقدرة فقهية وتهذيب أخلاقي وحافظة معلوماتية كبيرة لا يجاريه فيها أحد.
وفوق ذلك إرادة صلبة وعزيمة على الاستمرار والصبر مهما كانت النتائج.
الدكتور سعد الدين الهلالي يمتلك أدوات ووظيفة الإصلاحيين الذين سبقوه مثل القاضي الوليد بن رشد، وابن المقفع، وابن سينا، وبشر المريسي، وجمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ونصر حامد أبو زيد، ومحي الدين ابن عربي..وغيرهم.
الرجل كوكتيل من جميع هؤلاء، ففيه من التزام السنة الصارم، وعقلية الاعتزال المتفتحة، وتأويل الفلاسفة الذكي، وتسامح العرفاء، وشجاعة الأزهريين الذين سبقوه وتمردوا على التقليد الحرفي وإنكار الجديد كله من علم وفلسفات وقضايا إنسانية.
المتشددون داخل الأزهر يشنون عليه حملة قاسية وصلت لدرجة سن قانون خاص يمنعه من الفتوى، وهو ابن الأزهر والمتخصص، لكن دراسته وولاءه للأزهر لا يشفعان، بل مطلوب أن يكون متشددا مثلهم.
سبق الدكتور الهلالي أن خرج الشيخ علي عبدالرازق في عشرينيات القرن الماضي بفتوى ينكر فيها الخلافة، وقال أنها تجربة حكم سياسية، فهاجمه المتشددون وصلت لدرجة عزله من وظيفته ومنع كتبه من التداول، ولعلم المتشددين المعاصرين بعدم إمكانية ذلك مع الدكتور الهلالي، فهم يبحثون عن طرق أخرى تمنعه من إبداء رأيه.
علما بأن شيخ الأزهر الحالي أحمد الطيب، أفتى بما قاله الشيخ علي عبدالرازق منذ سنوات، أن الخلافة تجربة حكم سياسية، وليست نظاما دينيا أصيلا في الإسلام، ولا من ثوابته كما تدعي الجماعات التكفيرية.
وبرغم ذلك لم يعتذر أحد للشيخ علي عبدالرازق الذي سبق الجميع في هذا الرأي، وفتح بابا للإصلاح خدم الجيل الحالي من الأزهريين، وأعطاهم رؤية سياسية دقيقة أكثر حداثة، هي التي أنتجت دكتور الهلالي وأمثاله، وهم بالآلاف لكن لا يجدون الفرصة في ظل سيطرة المتشددين والخرافيين على الفضاء العام.
لا تسمحوا بتكرار مأساة الشيخ علي، فبدلا من رد الاعتبار له والاعتذار لما حدث له، يريدون تكرار نفس الشئ مع الإصلاحيين المعاصرين.
وأقسم بأن لو كانت السلطة في مصر دينية كهنوتية لقاموا بإعدام الدكتور الهلالي بتهمة الزندقة، مثلما أعدم نظرائهم الجعد بن درهم وغيلان الدمشقي، وهم من أوائل الإصلاحيين المفكرين في التاريخ الإسلامي، لكن شاء الله أن تكون مصر دولة مدنية لا مكان فيها لقتل الناس على رأيهم.
رابط صفحة الكاتب على فيسبوك:
https://www.facebook.com/share/16WWUA2etY/