كيف نستقبل شهر رمضان؟ (2)

في فضائل شهر رمضان

دينبريس
دراسات وبحوث
دينبريس18 مارس 2023آخر تحديث : السبت 18 مارس 2023 - 7:20 مساءً
كيف نستقبل شهر رمضان؟ (2)

ذ. محمد جناي*
اقتضت حكمة الله في خلقه وتدبير ملكه أن يفاضل بين مخلوقاته ويرفع بعضها فوق بعض درجات ، ولقد فاضل بين البشر ، فجعل منهم الأنبياء والمرسلين، وفاضل بين الأمكنة واختص بعضها بالقداسة ، وجعلها أماكن عبادة ، وفاضل بين الأزمنة ، فجعل منها مواسم للعبادة وأوقاتا للطاعة ، وليالي للمناجاة والضراعة ، وميز بين بعض الشهور وجعل لها أسبقية في الفضل على بعض ، فجعل منها أربعة حرما ، حرم فيها على العرب سفك الدماء ، وأوجب فيها الخلود إلى الأمن والاطمئنان ، وهي رجب و ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، ثم خص من الشهور الباقية شهرا بالتكريم والتفضيل، وهو شهر رمضان ، إذ اختص هذا الشهر بفضائل لم يحظ بها شهر غيره من شهور العام.

وبلوغ شهر رمضان وصيامه نعمة عظيمة على من أقدره الله عليها ، لذلك فضله الله بفضائل كثيرة، ونذكر منها ما يلي:

1 . شهر رمضان شهر نزول القرآن والكتب السماوية

عن واثلة بن الأسقع – رضي الله عنه – عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان ، وأنزلت التوراة لست مضت من رمضان ، وأنزل الإنجيل لثلاث عشر مضت من رمضان وأنزل الزبور لثمان عشر خلت من رمضان ، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان ” (رواه الطبراني و حسنه الألباني )، وقال تعالى :” شَهْرُ رَمَضَانَ اَ۬لذِےٓ أُنزِلَ فِيهِ اِ۬لْقُرْءَانُ هُديٗ لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ اَ۬لْهُد۪يٰ وَالْفُرْقَانِۖ “، وقال تعالى:” اِنَّآ أَنزَلْنَٰهُ فِے لَيْلَةِ اِ۬لْقَدْرِۖ ” .

القرآن كتاب هذه الأمة الخالد ، الذي أخرجها من الظلمات إلى النور ، فهو نور يضيء لنا الطريق في الدنيا والآخرة ، والقرآن فيه الهدى والصلاح ، فبه تطمئن القلوب ، وتزكو النفوس، وتعلو الهمم وترتقي ، وتشفى الصدور من عللها، وتسلم الأرواح والأبدان من أسقامها.في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ” كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن ، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة”، فدل هذا الحديث على استحباب دراسة القرآن في رمضان والاجتماع على ذلك . ويدل الحديث على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في هذا الشهر المبارك .

2 . رمضان شهر التراويح والتهجد

عن أَبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: ” كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُرغِّبُ في قيامِ رمضانَ من غير أنْ يأمرَهم فيه بعزيمةٍ، فيقولُ: مَن قامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تَقدَّمَ مِن ذَنبِه ” ، فدل الحديث أن صلاة التراويح سبب لغفران ما تقدم من الذنوبِ.

و عن عَمرِو بنِ مُرَّةَ الجُهنيِّ، قال: ((جاءَ رجلٌ من قُضاعةَ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: إنِّي شهدتُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّكَ رسولُ اللهِ، وصليتُ الصلواتِ الخمسَ، وصُمتُ رَمضانَ وقُمتُه، وآتيتُ الزكاةَ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن ماتَ على هذا كانَ من الصِّدِّيقينَ والشُّهداءِ ” ، فدل الحديث على أن فاعلها – أي قيام رمضان – إذا مات وهو مداوم عليها، كان من الصديقين والشهداء.

3 . شهر رمضان شهر تكفير الذنوب

إن تكفير الذنوب والخطايا نعمة من الله عظيمة ، ومنة من الله جسيمة، وذلك لمن سلك سبيل الهداية وترك سبيل الغواية ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” رغم أنف رجل ذكرت عنده ، فلم يصل علي ، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان، ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر، أو أحدهما، فلم يدخلاه الجنة “.

و كان النبي صلى الله عليه وسلم يدل أمته على جوامع الخير وأبوابه، ويرغبهم فيما يقربهم من الجنة ويباعدهم عن النار، وفي هذا الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “رغم أنف رجل دخل عليه رمضان، ثم انسلخ قبل أن يغفر له”، أي: خاب وخسر وذل وعجز ولصق أنفه بالتراب كل من أدرك شهر رمضان، فكسل عن العبادة ولم يجتهدْ ويشمرْ حتى انتهى الشهر فلم يظفر ببركة الشهر الكريم ولم يغفر له،وفي الحديث:الحث على الاجتهاد والتشمير للعبادة في شهر رمضان.

4 . شهر رمضان شهر الجود والإحسان

إن شهر رمضان شهر الجود والكرم والإحسان ، والجود من معالي الأخلاق ، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” إن الله كريم يحب الكرماء، جواد يحب الجودة ، يحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها ” .

حيث حث الإسلام على التحلي بالصفات الطيبة والجميلة، التي يحبها الله سبحانه ويرضاها نبيه صلى الله عليه وسلم ، وفي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم : “إن الله كريم”، والكريم اسم من أسماء الله تعالى الحسنى، وهو يتضمن صفة الكرم على ما يليق بكمال الله تعالى، “يحب الكرماء”، أي: يحب عباده الكرماء الذين يكرمون غيرهم من عباد الله ، وهو سبحانه “جواد”، أي: كثير الجود والعطاء لعباده ،فيفيض عليهم بالرحمات والغفران والأرزاق ، وغير ذلك من النعم التي لا تعد ، “يحب الجودة “، وهم أصحاب البذل والإنفاق ، والذين يتصفون بسهولة البذل والإنفاق وتجنب ما لا يحمد من الأخلاق ، وفي ذلك دلالة على أن الله سيثيب أصحاب تلك الصفات بأفضل مما أنفقوا وبذلوه لغيرهم. ويحب سبحانه وتعالى “معالي الأخلاق” وهي الأخلاق عالية الشأن، ورفيعة القدر التي ترفع قدر صاحبها، مثل: عزة الإيمان وقوته، والامتثال لله والرسول، “ويكره سفسافها” من الأخلاق رديئها وحقيرها، والتوافه التي تنبئ عن الخسة والدناءة، وعدم المروءة، مثل: الإصرارِ على الذنوب، والغيبة والنميمة ، وتدخل المرء فيما لا يعنيه ، وليست صفات الله كصفات الخلق، فإن الله عز وجل ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير ، ولكن من تخلق بشيء من صفاته ومعاني أسمائه الحسنى، كان محبوبا له مقربا عنده، وفي الحديث: إثبات صفة المحبة لله تعالى، وبيان بعض أسباب نيل محبته سبحانه ، وفيه: الإرشاد إلى الحرص على فعل معالي الأُمور في الدين والحياة ، والابتعاد عن الأفعال الدنيئة.

5 . شهر رمضان شهر إجابة الدعاء

إن لم يكن رمضان وقت الدعاء المستجاب ففي أي شهر يكون الدعاء ورمضان هو وقت الشفاة الذابلة ، والطاعة الكاملة ، والبطون الضامرة ، وقت نزول الملائكة ، وقت فتح أبواب الرحمة وأبواب السماء قال تعالى :” وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِے عَنِّے فَإِنِّے قَرِيبٌۖ ا۟جِيبُ دَعْوَةَ اَ۬لدَّاعِۦٓ إِذَا دَعَانِۦۖ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِے وَلْيُومِنُواْ بِيَ لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَۖ (البقرة : 185).

والدعاء أمره عجيب وفضله عظيم ، ولقد جاءت الآيات والأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم لتحث على الدعاء فهو سلاح المؤمن الذي يتسلح به ضد عدوه ، وهو ملاذه عند خوفه ومؤواه عند فزعه.

6 . شهر رمضان شهر مضاعفة الأجور

قال ابن رجب : ” ذكر أبو بكر بن أبي بكر عن أشياخه أنهم كانوا يقولون : إذا حضر شهر رمضان فانبسطو فيه بالنفقة، فإن النفقة فيه مضاعفة كالنفقة في سبيل الله ، وتسبيحه فيه أفضل من ألف تسبيحة في غيره “، فلما كان الصيام في نفسه مضاعفا أجره بالنسبة إلى سائر الأعمال ، كان صيام شهر رمضان مضاعفا على سائر الصيام لشرف زمانه، وكونه هو الصوم الذي فرضه الله على عباده ، وجعل صيامه أحد أركان الإسلام التي بني الإسلام عليها.

7 . شهر رمضان شهر تصفد فيه الشياطين

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” إذا دخل رمضان فتحت أبواب السماء، وغلقت أبواب جهنم ، وسلسلت الشياطين ” فقال عياض عن تصفيد الشياطين ” يحتمل أنه على ظاهره وحقيقته وأن ذلك كله علامة للملائكة لدخول الشهر العظيم ، وتعظيم حرمته ، ولمنع الشياطين من أذى المؤمنين ، ويحتمل أن يكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو ، وأن الشياطين يقل إغواؤهم فيصيرون كالمصفدين”.

ومسك الختام ، هو أن شهر رمضان ليس شهر السهر أمام القنوات الفضائية إلى قبيل الفجر ، وليس شهرا للسمر المحرم من الغيبة والنميمة؛ لكنه شهر القرآن والذكر والقيام والتراويح والتسابيح، فكن من الذين يتجافى جنوبهم عن المضاجع، وقوفا بين يدي الرب جل وعلا ، ولا تكن من الذين يبارزون الله بالمعاصي في كل وقت وحين.

* خرّيج جامعة القرويين ، كلية أصول الدين بتطوان، خرّيج برنامج صناعة المُحاور (الدفعة السادسة)، أكاديمية صناعة المحاور 
ـــــــــــــ
هوامش:
– واحات الإيمان في ظلال شهر رمضان (من مجلدين) ، تأليف خالد بن حسين عبد الرحمن ،الناشر : مكتبة الرشد للنشر والتوزيع – الرياض – الطبعة الأولى :2001.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.