كلمة مولاي إسماعيل بصير ، رئيس مؤسسة محمد بصير للأبحاث والدراسات والإعلام في الذكرى الواحدة والخمسين لانتفاضة المناضل سيدي محمد بصير التاريخية بالعيون بـعنوان :” الاختفاء القسري التاريخي للمناضل محمد بصير يسائل منظومة الحقوق الإنسانية والسياسيةللدولة الإسبانية”:
(بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
السيد والي صاحب الجلالة على جهة بني ملال خنيفرة، وعامل إقليم بني ملال المحترم.
السيد عامل صاحب الجلالة على إقليم أزيلال المحترم
السادة رؤساء المصالح الخارجية المرافقين للسيد الوالي وللسيد العامل كل باسمه وصفته ورتبته.
السيد عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية المحترم.
السيد المنسق البيداغوجي لماستر العلوم السياسية والتواصل السياسي، والسيد مدير مختبر البحث في النجاعة الاقتصادية واللوجيستيكية، وكل الأساتذة المحترمين التابعين للكلية.
السيد والي أمن جهة بني ملال خنيفرة المحترم
السيد القائد الجهوي للدرك الملكي
السيد الكاتب العام لعمالة إقليم أزيلال المحترم
السادة شيوخ وأعيان القبائل الصحراوية وكل من لبى دعوتنا من سكان أقاليمنا الجنوبية الغالية
السادة رؤساء وأعضاء المجالس العلمية المحترمون
السادة العلماء وشيوخ الطرق الصوفية والدكاترة والأكاديميون والأساتذة المشاركون في أعمال هذه الندوة العلمية من داخل المغرب وخارجه
السادة البرلمانيون والمنتخبون
السادة مقدمو ومريدو وأحباب فروع الطريقة البصيرية
السادة أعضاء مؤسسة محمد بصير للأبحاث والدراسات والإعلام
السادة أطر وأعوان مدارس الشيخ سيدي إبراهيم البصير للتعليم العتيق
السادة رجال الإعلام والصحافة
أيتها السيدات أيها السادة الحضور الكرام
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
بداية، يشرفني ويسعدني أصالة عن نفسي ونيابة عن أهل البصير ومريدي الطريقة البصيرية ومقدميها وأساتذة مجموعة مدراس الشيخ سيدي إبراهيم البصير للتعليم العتيق وطلبتها، وأعضاء مؤسسة محمد بصير للأبحاث والدراسات والإعلام، أن أرحب بجمعكم المبارك في هذه الزاوية العامرة بالله، وأرحب بكل من أتانا ليشاركنا أعمال هذه الندوة العلمية الدولية التي ننظمها تحت الرعاية السامية لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره، والتي تخلد للذكرى الواحدة والخمسين لانتفاضة سيدي محمد بصير الشهيرة بمدينة العيون، والتي ننظمها بتنسيق مع جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، ماستر العلوم السياسية والتواصل السياسي، ومختبر البحث في النجاعة الاقتصادية واللوجيستيكية، التابعين لكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية.
واسمحوا لي باسمكم جميعا أن أرحب بشكل خاص بالسادة العلماء والأساتذة المبجلين والأكاديميين الذين استجابوا لدعوتنا ووافقوا مشكورين على المشاركة في أعمال هذه الندوة عن قرب وعن بعد، وأخص بالذكر ضيوفنا من دول السنغال، السودان، نيجيريا، وتونس جزاهم الله عنا كل خير آمين، وإن نسيت لا أنسى أن أقول مرحبا، وألف مرحبا لاحد لها ولا حصر، لإخواننا وأبناء عمومتنا من أهل الصحراء المغربية، الذين وصلوا رحمهم وأبناء عمومتهم في قلب جبال الأطلس المتوسط قلب المغرب، وصلهم الله بكل خير.
أيتها السيدات، أيها السادة الحضور الكرام،
تأتي ذكرى الفقيد المناضل سيدي محمد بصير هذه السنة، وسط زخم من الأحداث تعرفها العلاقات المغربية الإسبانية هذه الأيام، هذه الأحداث التي تعلمونها وتعرفون تفاصيلها، والتي كشفت عن النية المبيتة للجارة الشمالية للإضرار بالمصالح الاستراتيجية للمملكة المغربية، وخاصة ما يتصل بالقضية المقدسة لدى كل المغاربة، وهي الصحراء المغربية.
ونظرا لعلاقة هذه الأحداث بقضيتنا المقدسة، ومصادفتها لذكرى انتفاضة عمنا المناضل المختفي قسريا سيدي محمد بصير، فإننا ارتأينا في مؤسسة محمد بصير للأبحاث والدراسات والإعلام، أن ننظمها بتنسيق مع جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، ماستر العلوم السياسية والتواصل السياسي، ومختبر البحث في النجاعة الاقتصادية واللوجيستيكية، التابعين لكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية.تحت شعار:
“العلاقات المغربية الإسبانية: مقاربات تاريخية وقانونية وسياسية”،
ومداخلتي التي سأتدخل بها مفتتحا أعمال هذه الندوة العلمية الدولية، هي بـعنوان: ” الاختفاء القسري التاريخي للمناضل محمد بصير يسائل منظومة الحقوق الإنسانية والسياسيةللدولة الإسبانية”
نعم أيها السادة أيتها السيدات، فالاختفاء القسري لعمنا المقاوم سيدي محمد بصير، له شق تاريخي يعود إلى إحدى وخمسين سنة مضت، وشق حقوقي إنساني يتمثل في إخفائه قسريا من قبل إسبانيا، وعدم الرغبة في الكشف عن مصيره، وشق سياسي متمثل في إخفاء إسبانيا مصيره والقضاء على حركته الوطنية الجهادية، واستيلاء وسرقة ميليشيات البوليزاريو لتاريخه المشرف، ووسم حركته الوطنية بالانفصال وهو منها براء. كل ذلك من أجل صناعة تاريخ لأنفسهم ولحركتهم الفتية التي لم يكن لها وجود. علاوة على خروج إسبانيا من الصحراء سنة 1975م، وفي الوقت نفسه المناورة لخلق ودعم كيان جديد في الصحراء رفقة الجزائر ودول أخرى.
ولتقريب هذه الوقائع أقول: إن السلطات الاستعمارية الإسبانية قامت على إثر انتفاضة بصيري الشهيرة سنة 1970م باعتقاله وقتئذ، والتحقيق معه وسجنه وتعذيبه بسجن العيون، وإخفائه قسريا، وإخفاء الأرشيف المتعلق به، فمنذئذ لم يعرف مصيره رغم المحاولات الكثيرة من طرف أسرته البصيرية لمطالبة الإسبان بالكشف عن مصيره، ورغم طول هذه المدة لم نلمس من الجانب الإسباني جدية ولا تجاوبا صادقا في هذه القضية الخطيرة التي يكفلها ويضمنها القانون.
والذي زاد من استغرابنا واستفزازنا بقوة، هو ادعاء الدولة الإسبانية خلال الأحداث الأخيرة التي عرفتها العلاقات المغربية الإسبانية مقاربتها للاعتبارات الإنسانية المحضة، وأنهم جديون في رغبتهم توطيد العلاقات الإنسانية والتاريخية والثقافية والاقتصادية والاستراتيجية مع جيرانهم المغاربة، تعزيزا لروح الشراكة وحسن الجوار.
ولهذا فإننا نقول لإسبانيا: إذا كنتم جادون في ضمان الحقوق الإنسانية للأفراد، فلماذا لم تكشفوا عن مصير الزعيم بصيري يوم قمتم بتبادل الأسرى مع ميليشيات البوليزاريو سنة 1975م، أو قبل هذا التاريخ أو بعده؟ أليست هذه القضية قضية إنسانية؟، أم أنكم أظهرتم الإنسانية والعطف مع زعيم ميليشيات البوليزاريو الذي خدمكم بخيانته وعمالته سنة 1971م، وأخفيتم الإنسانية في حق المناضل بصيري الذي قاومكم وأشهر في وجوهكم كل أساليب النضال، وأبطل مخططكم بأن تجعلوا من الصحراء المغربية مقاطعة إسبانية تابعة لكم في جنوب المغرب، تماما كما فعلتم بمدينتي سبتة ومليلية المحتلتين بشمال المغرب.
نعم أيها السادة أيتها السيدات، حان الوقت ليعلم الجميع بأن زعيم ميليشيات البوليزاريو كان جاسوسا لدى أسياده الإسبان، وكان يقوم بنقل كل صغيرة وكبيرة الى السلطات الاسبانية، بدليل أنه سجن مع من سجن من مناضلي حركة بصيري، ولكنه لم يمض إلا فترة قصيرة وأطلق سراحه عكس البقية،وكان عنصرا ضمن قواتها المكلفة بالبدو، وظل يشتغل لصالحها لسنوات طويلة، وهكذا نفهم اليوم كيف نجى زعيم عصابة البوليزاريو من العقوبة التي طالت الكثير من الشباب آنذاك، وفي جانب آخر متصل بالحقوق الإنسانية، قامت إسبانيا بمنعنا من حق الحصول على تأشيرة شينغن، عندما نسقنا مع بعض المحامين لرفع دعوى قضائية للمطالبة بالكشف عن مصيره بالديار الإسبانية سنة 2011م، وتكرر المنع سنة 2012م وسنة 2014م، ألا يدخل هذا في الحقوق الإنسانية؟ أم أن إسبانيا تعتبر الشينغن ملكا لها تتصرف فيه كما تشاء؟
وهذا أيها السادة هو الذي دلت عليه الأحداث الأخيرة عندما سمحت إسبانيا بإدخال مجرم مطلوب لدى عدالتها إلى حدود الشينغن سرا وبهوية مزورة، فأين هو احترام مبدأ القانون الدولي وقانون الشينغن الذي تنتمي إليه إسبانيا؟ أم أنها السياسة تسمح لها بتطبيق الشينغن على من تحب، وبعدم تطبيقه على من تشاء. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: أين هو الاتحاد الأوربي من كل هذه الخروقات البينة؟
أيها السادة أيتها السيدات،
أتابع فأقول: واضطرت الأسرة البصيرية بعد ذلك اضطرارا إلى تغيير الوجهة للمطالبة بالكشف عن مصير فقيدها المناضل محمد بصير عن طريق مجموعة العمل الأممية للاختفاءات القسرية بجنيف بسويسرا سنة 2016م، التي قبلت الطلب وسجلته في سجلاتها، بعد أن اطلعت على كافة الوثائق والشهادات في الموضوع، وراسلت الدولة الإسبانية، هذه الأخيرة التي بقيت تتهرب من الجواب عن كشف مصيره المجهول إلى حد الساعة.
كل هذا التهرب من التجاوب مع العائلة البصيرية رغم أننا أعلنا في عدة مراسلات لوزارة الداخلية والخارجية والأحزاب الإسبانية، أننا سنسلك أولا الطريق الودي للكشف عن مصيره، مقابل إعلان كونه مقاوما مغربيا صرفا، وإطلاع الأسرة وكافة المغاربة على قبره ورفاته، ليدفن مع أبويه وإخوانه جنبا إلى جنب في مقبرة الزاوية البصيرية، والإجابة على كافة مطالب العائلة في هذا الشأن.
فإن دلت كل هذه التصرفات والمناورات على شيء، فإنما تدل على تآمر الدولة الإسبانية على قضية المغرب الأولى وكل ما له صلة بها، وموالاتها الخفية المعلنة لأعداء الوحدة الترابية للمملكة المغربية منذ زمن بعيد.
ألم يكن حسن الجوار والنية الحسنة والتعاون على أكثر من صعيد، الذي تعامل به المملكة المغربية الدولة الإسبانية، يقتضيان أن تكون الدولة الإسبانية من أوائل من يعترفون بكون الصحراء مغربية؟ خاصة وأن الإسبان أول من استعمر الصحراء، ويعلمون علم اليقين أنها كانت دوما تحت السيادة المغربية، وأن تاريخ المنطقة يخلو نهائيا من وجود دولة تسمى الدولة الصحراوية.
وكنا نظن بأنه عندما أعلنت دولة الولايات المتحدة الأمريكية مشكورة اعترافها بمغربية الصحراء، وقبلها العديد من الدول الصديقة والشقيقة، أن هذا القرار سيشجع دول الجوار على فتح صفحة جديدة للتعاون المثالي على جميع الأصعدة، والمضي قدما في قطار التنمية، بدل تضييع الوقت والجهود المضنية في النقد الهدام للنهوض بمجتمعاتنا التي تستحق أن تكون في ركب الدول المتقدمة.
وبهذه المناسبة نقول للمسؤولين في الدولة الإسبانية: ولو أنكم عملتم على إقالة وزيرة خارجيتكم لإرضاء المغرب والمغاربة بعد الشغب اللامسؤول الذي أحدثته في الآونة الأخيرة، فإننا عائلة آل البصير سنظل نطالبكم بالكشف عن مصير عمنا المناضل محمد بصير إلى أن تقولوا الحقيقة في شأنه، وسنظل كمواطنين صحراويين مغاربة نطالبكم بالاعتراف بمغربية الصحراء، وسنظل كأفراد من الشعب المغربي نطالبكم بمدينتي سبتة ومليلية، وباقي الجزر المحتلة.
ونقول للمواطنين الإسبانيين أيضا: بأنه آن الأوان للنبش في الذاكرة الإسبانية وإعادة كتابة التاريخ الإسباني الحقيقي، خاصة أن الكل يعلم بأن شبح عشرات الآلاف من المفقودين وضحايا التعذيب لازال يسكن إسبانيا بعد رحيل فرانكو وبعد الحروب الأهلية التي سبقته، حيث خلفت أحداث القمع الدامي، والتعذيب والإعدامات التعسفية وتهمة الانتماء للحزب الشيوعي أكثر من مليون قتيل ومفقود، وأن العدالة في إسبانيا ولحد الساعة ترفض طلبات الضحايا، وتقصي القضاة النزهاء من النظر في أمثال هذه الملفات، وتمكن للجلادين الذين يعيشون بين الناس بشكل طبيعي، مستفيدين من قانون العفو، وأن مجموعة العمل الأممية للاختفاءات القسرية تؤكد غيابا شبه تام في التعامل معها من قبل الدولة الإسبانية في هذا الموضوع، فكيف للدولة الإسبانية بعد هذا كله أن تتبجح وأن تدعي الديموقراطية وضمان الحقوق الإنسانية والحريات الفردية؟ وكيف لها أن تضمد جراحات الماضي الإستعماري بالنسيان وعدم العرفان. وكيف لها أن تتطاول لإعطاء دروس في الحقوق الإنسانية لغيرها من البلدان؟
وفي هذا المقام لا يسعني إلا أن أعبر عن افتخاري ببلدي المملكة المغربية وأن أقف إكبارا وإجلالا لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي أمر منذ اعتلائه العرش بسن العديد من القوانين التي تهدف بالأساس إلى استعادة الذاكرة وترميمها درء الأعطاب الماضي، وأسس هيأة الإنصاف والمصالحة، وشملها بعناية فائقة للنبش في الذاكرة وضمان حقوق المواطنين. ولم تكن بفضل الله للمغرب أية عقدة مع الماضي.
ختاما، ومادامت الدولة الإسبانية لم تستجب لمطالبنا فيما يتصل بقضية الاختفاء القسري للمناضل محمد بصير، فإننا نؤكد للرأي العام الوطني والدولي بأننا سنواصل سلك كل السبل التي يكفلها لنا القانون للكشف عن مصير الزعيم المفقود، سواء في المغرب أو في إسبانيا أو على الصعيد الدولي، وأننا سنستمر في كشف الصورة السوداوية لحقوق الإنسان التي تتخفى وراءها الدولة الإسبانية وترفع شعارها باطلا وزورا.
ونقول لإخواننا وبني عمومتنا الصحراويين في كل مكان، لقد قطعنا أشواطا ليست بالسهلة في درب الوحدة، ولن نسمح لأحد كيفما كان أن يوقظ أسباب الشقاق والانفصال وعوامل الفتنة بين شمال المملكة وجنوبها، وبأن الأحداث الحالية وتكالب بعض الدول على معاداتنا في وحدتنا الترابية، ينبغي أن يكون درسا لكل مواطن، وبالأخص المواطنين الصحراويين الذين يتوجب عليهم أكثر من أي وقت مضى التكتل وجمع الكلمة، وأن نعلن للعالم وفي كافة المحافل والمناسبات، بأننا في صحرائنا المغربية وفي أرضنا، وأن ميليشيات البوليزاريو لا تمثلنا في شيء، وإنما تمثل نفسها، وأن نتبرأ منها ومن أعمالها وعبثها، ونشجب تعاملها اللاإنساني في حق المواطنين المغاربة العزل بالمخيمات.
وإن كان من شيء نختم به فهو خالص الشكر والامتنان لمقام صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، على الرعاية المتواصلة لشخص المقاوم المغربي محمد بصير وقضيته، هذه الرعاية الملكية التي عرفت به وبقضيته على أكثر من صعيد، ولولا ذلك لكان هذا الملف سيطويه الزمان ويلفُّه النسيان، ولا يسعنا بهذه المناسبة إلا أن نبارك خطوات جلالته السديدة الناجحة ومواقفه الحكيمة الحازمة، وديبلوماسيته الفعلية التي مكنت بلادنا من الفوز وتخطي مختلف الأزمات بنجاح. وأن نقدر بعرفان كبير عواطفه النبيلة اتجاه أبناء شعبه داخل المغرب وخارجه، والشكر موصول للسيد الوالي المحترم وللسيد العامل المحترم على وصلهما ودعمهما المستمر، سائلا المولى عز وجل أن يجعلهما دواما عند حسن ظن مولانا أمير المؤمنين، والحمد لله رب العالمين.)
المصدر : https://dinpresse.net/?p=15148