دين بريس ـ سعيد الزياني
أثار كتاب جديد بعنوان “الله، العلم، البرهان” (God, the Science, the Evidence)، الصادر أخيرا عن دار Palomar، نقاشا في الأوساط العلمية والفكرية الأوروبية، بعد أن تصدّر قوائم المبيعات في فرنسا وإسبانيا خلال أسابيع قليلة من صدوره، لما يحمله من طرح غير تقليدي يعيد الاعتبار إلى فكرة التلاقي بين الإيمان والعلم في ضوء الاكتشافات الكونية الحديثة.
الكتاب من تأليف المهندس الفرنسي ميشال إيف بولوراي، والكاتب ورجل الأعمال الكاثوليكي أوليفييه بوناسياس، مؤسس موقع Aleteia.
ويستند إلى قراءة تحليلية لأبرز التطورات العلمية في علم الكونيات، والفيزياء الكمية، ونظرية الانفجار العظيم، والدقة الفائقة في ثوابت الكون (Fine-Tuning)، ليثبت – حسب المؤلفين – أن الحقائق العلمية الحديثة لم تضعف الإيمان بالله بل قوّته، وأن وجود خالق “خارج الزمان والمكان والمادة والطاقة” هو الاستنتاج الأكثر منطقية علميا في ضوء المعطيات الراهنة.
ويفتتح الكتاب بتعريف فلسفي لما يقصده المؤلفان بـ”الله”، وهو “السبب الأول لكل ما هو موجود، الكائن الذي وجوده واجب بذاته وغير معتمد على غيره”، ومن هذا المنطلق، يناقش الكاتبان كيف أن نشأة الكون من العدم وفق نظرية الانفجار العظيم، والانسجام الرياضي الدقيق للقوانين الطبيعية، لا يمكن تفسيرهما إلا بفرضية وجود قوة عاقلة وراء النظام الكوني.
ورغم تبني الكتاب منهجا عقلانيا يوظف أحدث الدراسات العلمية، إلا أنه واجه انتقادات لاذعة من بعض الفلاسفة والعلماء الذين وصفوه بأنه إحياء حديث لفكرة “إله الفجوات” (God of the gaps)، أي نسب الظواهر غير المفهومة إلى الله لغياب التفسير العلمي.
ورد المؤلفان على هذه الانتقادات بالتأكيد أن كتابهما لا يعتمد على الفراغ المعرفي بل على البرهان الاستقرائي المبني على شواهد علمية تراكمية، مستشهدين بأقوال علماء فيزياء بارزين رأوا في جمال القوانين الكونية بعدا يتجاوز الصدفة والعشوائية.
وقد لقي الكتاب ترحيبا واسعا في الأوساط المؤمنة والعلمية المحافظة، واعتبر محاولة لإحياء الحوار بين العقل العلمي والعقيدة الدينية بعد عقود من الصدام بينهما، فيما وصفه موقع Aleteia بأنه “الحدث الفكري الأكثر تأثيرا في فرنسا المعاصرة”، بينما نشرت صحيفة Le Figaro حوارا مطولا مع المؤلفين أكدا فيه أن هدفهما هو تحرير النقاش من الاستقطاب الإيديولوجي بين الإلحاد والإيمان.
أما صحيفة The Telegraph البريطانية، فاعتبرت أن العمل يمثل ردا منهجيا على الإلحاد العلمي الحديث، في حين أشارت إلى أن تأثيره الواسع “يكشف عن تعطش مجتمعي لخطاب يعيد المعنى للعلم في سياق إنساني وروحي”.
ويختم المؤلفان كتابهما برسالة موجزة مفادها أن العلم لا يقصي الله بل يدفع إلى إدراك أعمق له، وأن الاكتشافات الحديثة ليست نقيض الإيمان، بل دليل على أن الكون – كما يقولان – “لم يخلق عبثا، بل بذكاء وتدبير وغاية”.
يذكر أن الكتاب، منذ صدوره، تمت ترجمته إلى الإنجليزية والإسبانية والإيطالية، ومن المنتظر صدور النسخة العربية خلال عام 2026، في ظل اهتمام متزايد من المراكز البحثية والدينية العربية بترجمة الأعمال التي تربط بين العلوم الطبيعية والفكر الديني الحديث.