محمد زاوي
تكريم المرأة وحقها في الإسلام.. صورة المرأة وعلاقات المجتمع
هذا المقال تعليق على خطبتين من خطب “تسديد التبليغ”: خطبة الجمعة 1 غشت 2025، والتي جاءت بعنوان “تكريم المرأة في الإسلام”؛ وخطبة الجمعة 8 غشت، والتي اختير لها عنوان “حقوق المرأة في الإسلام”.
يُعدّ هذا الاهتمام بالمرأة في خطب الجمعة من “واجب الوقت” من جهتين: من جهة حاجة واقعها إلى مواكبة تحولات المجتمع، ومن جهة الحاجة إلى هذه المواكبة دون سقوط في حبال الإيديولوجيات “النسوانية” الدخيلة على واقع المرأة المغربية وتغيراته.
إنها مواكبة منضبطة محدودة يرصدها التدبير العام/ العمومي/ القطاعي، يدرس نجاعتها ومدى الحاجة إليها السوسيولوجي، يواكبها المشرع بترسانة قانونية؛ أما الخطيب فيحمي مسارها المحدد ويحول دون استثقالها شرعا.
يقول صاحب الخطبة الأولى، إن الإسلام كرم المرأة، بحمايتها من مظالم الجاهلية، والتخفيف عنها في شؤون العبادات، والتنويه بأدوارها الأسرية والاجتماعية، وإيجاب النفقة لها في مختلف مراحل حياتها (بنتا وزوجة وأما وأختا وعضوا في المجتمع).
وفي الخطبة الثانية، تبيان لأوجه هذه الحقوق، بالنسبة للبنت التي لها حق الإحسان والتربية، والأم التي لها الأولوية في البر، والزوجة التي لها حق الصداق والنفقة والمعاشرة الحسنة والمشورة والتملك والعمل، والأخت التي لها حق الإرث مع إخوانها عكس ما يروح في بعض الأوساط. وقد عرضت الخطبتان هذه المسائل عرضا تأصيليا، يستصحب “العام” في الخاص، الدليل الشرعي في سياق تاريخي واجتماعي بعينه.
ما هي مميزات هذا السياق؟
حاجة داخلية (اجتماعية/ اقتصادية/ سياسية) إلى تطوير نظام الأسرة، وحاجة أخرى داخلية إلى حفظ وجود الأسرة بما هي “دولة مصغرة” وأداة من أدوات التكوين والتأطير وحفظ “ثقافة الأم” وإنتاج القابلية لتلقي “ثقافة المدرسة/ أدلوجة الدولة” (راجع “من ديوان السياسة”/ عبد الله العروي)، وضغوط خارجية لتجاوز حدود التطوير وخرق مجال الحفظ..
يتحرك خطاب الخطبتين على ثلاثة مواقع هي: موقع حفظ النظام العام، وموقع تطوير نظام الأسرة، وموقع تدبير الضغط الأجنبي.
أما تقدم واقع المرأة فمرتبط بمجتمعها. إنه لا يتقدم إلا بتقدم المجتمع، وهذا الأخير هو ما يحدد وتيرة هذا التقدم. التأويل/ التأصيل ليس إلا استيعابا للواقع أو مساهمة في إزالة بعض معيقاته الثانوية، وعندما يكون متقدما على واقعه فإن تأثيره يبقى محدودا بحدود الحاجة إليه.
ولذلك فإن الأفكار والقيم والشرائع الجديدة لا تغير من واقع المرأة إلا بقدر استعدادها واستعداد مجتمعها لذلك. وقد حصل هذا في تجربة الإسلام نفسها، بما في ذلك التجربة النبوية وما أفرزته من نفي واستصحاب.
يُرصَد هذا في المفارقة بين قيمة المساواة “النساء شقائق الرجال” وأحكام التمييز الضاربة بجذورها في المجتمع العربي، من قبيل إخضاع المرأة لثنائية الرغبة/ الرقابة (راجع “العرب والمرأة: حفرية في الإسطير المخيم”/ خليل عبد الكريم).
ما غاية الخطاب إذن؟
بحث عن آفاق جديدة داخل المرجعية الفكرية والعقدية، تقدم مطلوب وحدود ضرورية. لا ننتقل من “نسوية” إلى أخرى إلا وفق ما تسمح به هذه الحدود، التي ليست حدودا لواقع المرأة فحسب، وإنما أيضا لواقع الإنتاج وبناه السياسية والاجتماعية والثقافية.
إنه نوع من التقدم في الحفظ، وهو يقتضي وتيرة تراعي ما يُحفظ من نظم ومرجعيات وبنى إنتاجية. لذلك كان التأصيل، وكان معه التنبيه إلى تاريخ ليس منه. فكثيرة هي عوالق التاريخ التي قد تعتبر من الشرع، لكنها ليست منه.
كثيرة هي المعاني التاريخية التي أدرجت في المعنى الشرعي عنوة، فبقيت ملازمة لهذا المعنى الثاني وكأنهما متطابقان لا يفصلهما تاريخ جديد (راجع “المرأة ونفسية الاستبداد”/ سعد الدين العثماني).