
ابراهيم المهالي ربيع قرطبة ـ باحث وإمام مغربي يقيم في فرنسا
من خلال متابعة الحلقتين الأوليين من المسلسل، يتبين بوضوح أن هناك ضعفًا واضحًا في بنية العمل على مستويات متعددة، سواء من ناحية الحوار أو التوثيق التاريخي أو العناصر البصرية، مما أثر على تماسكه الفني ودقته التاريخية. يظهر ذلك جليًا في أسلوب الحوارات بين الشخصيات، حيث تبدو سطحية ومفتقدة للعمق اللغوي والبلاغي الذي كان ينبغي أن يميز عملاً دراميًا يتناول فترة تاريخية مهمة.
الحوار لا يعكس أساليب التعبير العربية الأصيلة، بل يبدو أقرب إلى أحاديث عصرية بين شخصيات في برنامج حواري أو مسلسل مدبلج، حيث جاءت الجمل مباشرة، خالية من روح العصر، ودون أي محاولة لإعادة إنتاج أساليب الخطابة والبيان التي كانت سائدة آنذاك. كان من المتوقع أن تكون اللغة المستخدمة أكثر انسجامًا مع الفترة الزمنية التي يعالجها المسلسل، سواء في المفردات أو في تركيب الجمل، إلا أن ما ظهر على الشاشة جاء باهتًا، يفتقر إلى الإحساس التاريخي الذي من المفترض أن يجعل المشاهد يتماهى مع الأحداث والشخصيات.
أما من ناحية التوثيق التاريخي، فإن المسلسل لم يُظهر التزامًا حقيقيًا بالمصادر التاريخية الموثوقة، حيث تم تقديم الأحداث بطريقة تفتقر إلى الدقة، مع وجود تحريفات واضحة وانحرافات عن السياق التاريخي الموثق في الكتب.
ولم يقتصر ذلك على بعض التفاصيل الجانبية، بل امتد إلى البناء السردي العام، حيث ظهر العمل وكأنه يعيد صياغة الأحداث بشكل مجتزأ لا يعكس الحقيقة التاريخية كما نقلتها المصادر. هذا التناول السطحي أثّر على السياق العام للأحداث، مما جعلها تبدو غير مترابطة أو غير متوافقة مع الواقع الاجتماعي والسياسي للمرحلة التي يُفترض أن المسلسل يجسدها. كان من الممكن تحقيق توازن أفضل بين السرد الدرامي والدقة التاريخية لو تم التعامل مع المصادر بحرفية أكبر، مع الاستعانة بمتخصصين في التاريخ لتقديم صورة أكثر اتساقًا مع الحقائق والوقائع.
إضافة إلى ذلك، لم يكن الجانب البصري أفضل حالًا، حيث جاءت التصاميم الفنية والديكورات بعيدة كل البعد عن الطابع المعماري والثقافي الذي يميز تلك الحقبة التاريخية. بدت المشاهد وكأنها تنتمي إلى فترات زمنية مختلفة، حيث استلهمت الملابس والديكورات من الطراز المملوكي أو العثماني، مما خلق تناقضًا واضحًا بين الإطار الزمني الذي يُراد تصويره والعناصر البصرية التي قُدمت على الشاشة.
وكان من الممكن أن يلعب العنصر البصري دورًا حاسمًا في تعزيز واقعية المسلسل، إلا أن عدم الدقة في اختيار التفاصيل، سواء في الأزياء أو في تصميم المشاهد، جعلت العمل يفتقر إلى الهوية التاريخية الواضحة، مما أفقده جزءًا كبيرًا من مصداقيته البصرية. هذه الفجوة بين التصور والتنفيذ انعكست على تجربة المشاهدة، حيث لم يتمكن العمل من غمر الجمهور في أجواء المرحلة التاريخية التي يسعى لتقديمها.
وفي المجمل، يبدو أن هناك تناقضًا كبيرًا بين الفكرة التي يريد المسلسل إيصالها والطريقة التي تم تنفيذها بها. العمل يحاول أن يجمع بين الدراما التاريخية والأسلوب الحديث في الطرح، لكنه فشل في تحقيق هذا التوازن، مما أدى إلى تقديم رؤية مشوشة تفتقر إلى الانسجام.
ولم يتمكن المسلسل من المزج بين الدقة التاريخية والمعالجة الدرامية القوية، مما أضعف قدرته على تقديم عمل متكامل يجمع بين القيمة الفنية والالتزام بالسياق الحقيقي للأحداث.
وكان من الممكن تفادي العديد من هذه الإشكالات عبر مراجعة دقيقة للمصادر التاريخية، واستشارة خبراء في اللغة العربية، وإيلاء اهتمام أكبر بالتفاصيل البصرية التي تساهم في بناء عالم المسلسل بشكل أكثر إقناعًا. لكن غياب هذه العناصر الأساسية جعل المسلسل يبدو وكأنه يعيد إنتاج أحداث تاريخية بأسلوب يفتقر إلى الأصالة والعمق، مما أضعف من تأثيره وجعل التجربة أقل إقناعًا مما كان متوقعًا.
ـــــــــــــــــ
العنوان من اختيار الموقع.
رابط صفحة الكاتب على فيسبوك
المصدر : https://dinpresse.net/?p=23827